حذّر البيت الأبيض رئيسَ الوزراء البريطاني كير ستارمر من أن الفشل في مقاضاة اثنين من الجواسيس الصينيين المزعومين "يهدد بتقويض العلاقة الخاصة"، وقد يعرّض تبادل المعلومات الاستخباراتية بين بريطانيا والولايات المتحدة للخطر.
وحسب صحيفة ذا تايمز، يشعر الرئيس دونالد ترامب بقلقٍ متزايد بشأن موثوقية المملكة المتحدة بعد إسقاط التهم عن بريطانيين اثنين متهمين بالتجسس لصالح بكين.
وقد انهارت القضية المرفوعة ضد كلٍّ من كريس كاش (30 عامًا)، وهو باحثٌ برلماني سابق، وكريستوفر بيري (33 عامًا)، وهو أكاديمي، الشهر الماضي، بعد أن امتنعت حكومة ستارمر عن تقديم أدلة على أن الصين تُشكّل تهديدًا للأمن القومي.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤولٍ كبير في إدارة ترامب قوله: "دأبت الولايات المتحدة على تحذير حلفائها من التهديد الصيني لأمننا القومي المشترك منذ تولّي الرئيس ترامب منصبه عام 2017".
وأضاف: "تحرص الحكومة الأمريكية حرصًا شديدًا على مشاركة المعلومات مع الحكومات الأجنبية المعرّضة للإكراه والتأثير، ونحرص بشكل خاص على التعامل مع الولايات القضائية التي يمكن لخصومنا فيها التصرف دون عقاب".
اتهامات بالتجسس
في أبريل 2024، وُجِّهت اتهامات إلى كاش وبيري بعد تحقيقٍ أجراه ضباط مكافحة الإرهاب في شرطة سكوتلاند يارد.
ووُجّهت إلى كاش، الذي نشأ في إدنبرة، تهمةُ خرق المادة الأولى من قانون الأسرار الرسمية لعام 1911 بين يناير 2022 وفبراير 2023، واتهامات أخرى بالحصولَ على، أو جمع، أو تسجيل، أو نشر، أو نقل ملاحظاتٍ أو وثائقَ أو معلوماتٍ قد تكون، أو كان من المفترض أن تكون، مفيدةً للعدو بشكل مباشر أو غير مباشر.
واتُّهم بيري بارتكاب الجريمة نفسها بين ديسمبر 2021 وفبراير 2023.
وزعمت هيئةُ الادعاء الملكية أن "عميلَ استخباراتٍ صينيًا" كلّف بيري بإعداد ما لا يقل عن 34 تقريرًا حول مواضيع ذات أهمية سياسية، اعتُبرت عشرةٌ منها مُضرّةً بالأمن القومي البريطاني. ويشتبه المدّعون البريطانيون في أن كاي تشي، خامسَ أعلى مسؤولٍ صيني، كان يتلقّى معلوماتٍ استخباراتيةً من وستمنستر في إطار قضية التجسس.
وكان من المقرّر أن تبدأ محاكمة كاش وبيري، اللذين أصرّا دائمًا على براءتهما، في محكمة وولويتش كراون، وكشفت صحيفة صنداي تايمز الأسبوع الماضي أن القضية انهارت بعد أيامٍ من تصريح باول في إحاطةٍ سرّية للغاية لمسؤولي الحكومة البريطانية بأن بكين لن تُوصَف بأنها "عدوّ" في المحاكمة، وهو شرط من شروط قانون الأسرار الرسمية.
هنا، تبادلت النيابة العامة ومجلس الوزراء الاتهامات، حيث حمّل رئيسُ هيئة الادعاء العام ستيفن باركنسون الحكومةَ المسؤولية، مشيرًا إلى أنها "لم تقدّم أدلةً حاسمة رغم طلباتٍ استمرّت شهورًا".
وزعم ستارمر أن المسؤولين لم يكن بإمكانهم تقديم مثل هذه الأدلة لأن الحكومة المحافظة السابقة لم تُصنّف الصين تهديدًا للأمن القومي عند وقوع النشاط المزعوم.
وقد اتضح لاحقًا أن جهازي الاستخبارات الخارجية (MI5) والداخلية (MI6) والحكومة صنّفوا الصين بالفعل على هذا النحو خلال الفترة المطلوبة، حسب التقرير.
إرضاء الصين
بينما قال وزيرٌ في حكومة ستارمر لحلفائه إن قضية التجسس "يجب إسقاطها لإرضاء الصين، وإلا فلن يكون هناك المزيد من الاستثمارات"، شدّد رئيسٌ سابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني على أنه سيكون "أمرًا لا يمكن وصفه على الإطلاق إذا رضخت الحكومةُ للضغوط والتنمّر الصيني".
كما واصل جوناثان باول، مستشارُ الأمن القومي البريطاني، مواجهةَ الانتقادات؛ بسبب دوره المفترض في انهيار القضية، حيث زعمت مصادر في مكتب رئيس الوزراء البريطاني أن باول نجح في تمرير صفقة "جزر تشاجوس"، والتي تتضمن تنازل المملكة المتحدة عن الإقليم لدولة موريشيوس، حليفة الصين.
أيضًا، كان باول عضوًا في "نادي المجموعة 48"، وهي منظمة شبكية تهدف إلى "ربط الصين بالعالم"، وكانت لها روابط وثيقة مع الحزب الشيوعي الصيني، وقد جرت مناقشات حول استقالة جوناثان باول، وفقًا لما نقلت ذا تايمز عن أحد الوزراء.
ومع ذلك، أصرّ كبار الجمهوريين على ضرورة المضيّ قدمًا في الملاحقة القضائية. وصرّح جون مولينار، رئيس لجنة الصين في مجلس النواب: "بصفتي هدفًا للتجسس من قِبل الحزب الشيوعي الصيني، آمل ألا تسمح حكومةُ المملكة المتحدة بتعثّر هذه القضية، وأن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان إيصال رسالة واضحة وتحقيق العدالة على أكمل وجه".
وسبق أن حذّرت إدارة ترامب الحكومةَ البريطانية من السماح ببناء سفارةٍ صينية ضخمة جديدة قرب مراكز مالية حساسة في لندن، ويُعتقد أن الرئيس الأمريكي أثار هذه القضية شخصيًا مع ستارمر.
وفي حين يُخفّف رئيس الوزراء البريطاني من موقف بريطانيا تجاه الصين، أشعل ترامب، الجمعة، حربَه التجارية مع بكين، حيث رفع الرسوم الجمركية إلى 130% بعد أن حظرت الصين تصدير المعادن الحيوية المستخدمة في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية.