مرّةً أخرى، تشتعل أروقة السياسة البريطانية غضبًا من رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي تسبّب رفضُ حكومته في اعتبار الصين عدوًّا للمملكة المتحدة في تعطيل محاكمة تجسّس لرجلين زُعم تعاونهما مع الاستخبارات الصينية ونقل معلوماتٍ حسّاسة عن بريطانيا.
والثلاثاء، كرّر رئيس الوزراء البريطاني إصراره على أن الحكومة لم تتمكّن من القول إن الصين كانت تشكّل تهديدًا للأمن القومي في وقت اعتقال الجاسوسين المزعومين في عام 2023، وهو ما دفع المدّعي العام في البلاد للقول إن فشل حزب العمال في تقديم مثل هذه الأدلة دفع دائرة الادعاء العام إلى التخلّي عن القضية.
مع ذلك، وفي تدخّلٍ علنيٍّ نادر، شكّك سيمون كيس، الذي شغل منصب السكرتير العام لمجلس الوزراء في عهد ستارمر ومن قبله سلفه المحافظ ريشي سوناك، في هذا التفسير، وأضاف أن وكالات الاستخبارات البريطانية وصفت الصين علنًا بأنها تشكّل تهديدًا لسنوات، مما يشير إلى وجود أدلّة كافية للمضيّ قدمًا في المحاكمة.
ونقلت صحيفة "ذا تليجراف" عن كيس قوله: "على مدى سنواتٍ عديدة، كان لدينا رؤساء وكالات الاستخبارات لدينا يصفون علنًا التهديد الذي تشكّله الصين على مصالحنا الأمنية الوطنية والاقتصادية".
ويواجه رئيس الوزراء البريطاني اتّهاماتٍ متزايدة بأن المحاكمة "تم إحباطها عمدًا" من أجل حماية العلاقات التجارية لبريطانيا مع الصين، التي تعتبرها الحكومة محرّكًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي.
الصين عدو
في اليوم نفسه الذي تم فيه اعتقال المتهمين كريستوفر كاش وكريستوفر بيري، نشرت الحكومة تقريرًا تعهّدت فيه بمعالجة المجالات التي "تشكّل فيها تصرفات الحزب الشيوعي الصيني تهديدًا لشعبنا وازدهارنا وأمننا".
وقال اللورد ماكدونالد، المدير السابق للادعاء العام، إنه "من الصعب فهم" سبب إسقاط القضية، لأنه "من الواضح" أن الصين تُشكّل تهديدًا.
وحظيت تعليقاته بدعم سويلا برافيرمان، وزيرة الداخلية في ذلك الوقت، التي قالت إن ستارمر "كان مخطئًا" إذا كان يعتقد أن الصين لم تُصنّف على أنها تهديد من قبل الحكومات السابقة.
وفي مقالٍ نشرته صحيفة "ذا تليجراف"، قال توم توجندهات، وزير الأمن السابق، إن كبار مسؤولي الأمن في البلاد أبلغوه بأن قضية التجسّس "مضمونة النجاح"، وأن التفسير الوحيد لانهيارها هو أن شخصًا ما في الحكومة "اتّخذ خيارًا" مفاده أن الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع الصين كان أكثر أهمية من حماية الأمن القومي.
كما نقلت إذاعة "تايمز" عن ريتشارد ديرلوف، الذي تولّى رئاسة جهاز المخابرات البريطاني (MI6) بين عامي 1999 و2004، أن القضية المنهارة يجب "إعادة فتحها".
وقال: "يبدو لي الأمر واضحًا تمامًا. فكرة أن الصين لا تُشكّل تهديدًا للأمن القومي عندما تتصرف بهذه الطريقة هي فكرة سخيفة تمامًا. إنها غير قابلة للتفسير نوعًا ما".
كما وصف مسؤولٌ سابقٌ آخر في الحكومة البريطانية مزاعم ستارمر بأنها "جنون"، وقال: "الأمر برمّته محيّر للغاية. لم يكن لدى واضعي قانون الأسرار الرسمية أيّ فكرةٍ مفادها أنه سيعتمد على تعريف أعدائنا في المنشورات التي تنشرها الحكومة".
تجسس صيني
بدأت قصة التجسّس الصينية المزعومة في عام 2023، عندما تم القبض على المساعد البرلماني السابق كاش، والمعلم بيري، للاشتباه في نقلهما أسرارًا إلى الصين.
وقتها، وافق ماثيو كولينز، نائب مستشار الأمن القومي، على الإدلاء بشهادته في المحكمة بشأن التهديد الذي تُشكّله الصين على الأمن القومي، وفي العام الماضي تم توجيه اتهامات إلى الرجلين بارتكاب جرائم بموجب قانون الأسرار الرسمية.
وبعد ذلك، قبل وقتٍ قصيرٍ من وصول حزب العمال إلى السلطة، حكم أحد القضاة في قضيةٍ منفصلة بأن التجسّس يشكّل تقديم معلوماتٍ إلى دولةٍ تُشكّل تهديدًا للأمن القومي.
ثم قررت هيئة الادعاء الملكية أنها بحاجة إلى مزيدٍ من الأدلة لإثبات أن الصين تُشكّل تهديدًا، لكن الحكومة لم تقدّم هذه الأدلة، على الرغم من الطلبات المتكرّرة على مدى أشهرٍ عديدة.
وفي اجتماعٍ عُقد في سبتمبر بحضور باول، أُبلغ مسؤولو وايتهول أن كولينز لن يصف الصين بالعدو في المحكمة، ثم أُسقطت القضية.
لكن ستارمر قال للصحفيين، يوم الثلاثاء، إن القضية انهارت لأن الصين لم تكن مصنّفة كتهديدٍ للأمن القومي في الوقت الذي ارتُكبت فيه الجرائم المزعومة في ظل الحكومة المحافظة.
وقال للصحفيين: "المهم هو ما كان عليه التصنيف في عام 2023، لأن هذا هو الوقت الذي ارتُكبت فيه الجريمة، وهذا هو الوقت الذي كانت فيه الفترة ذات الصلة".