يواصل مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة "دي-كاف" في دورته الـ13 ترسيخ مكانته كأحد أهم المهرجانات المستقلة في مصر والوطن العربي، حاملًا رؤيته الداعية إلى جعل الفنون مساحة مفتوحة للجميع.
يؤكد المخرج أحمد العطار، المدير الفني، أن المهرجان يلتزم بنشر الإبداع بعيدًا عن النمطية والقيود، إذ يعزز هذا العام مبادرته المجتمعية "الفن للجميع"، التي أطلقها عام 2017، بهدف إتاحة الفنون لشرائح أوسع من الجمهور، ولا سيما الفئات الأكثر احتياجًا، عبر تذاكر مجانية تتيح لهم مشاهدة العروض الفنية المستقلة من مصر والعالم، في خطوة تُسهم في دمج مختلف فئات المجتمع داخل الحراك الثقافي.
رسالة المهرجان
ويقول أحمد العطار، مدير مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة "دي-كاف"، لموقع "القاهرة الإخبارية": "يسعى المهرجان في كل دورة إلى ترسيخ علاقة الفن المعاصر بالتراث المصري"، مؤكدًا أن رسالة هذا العام تركّز على إبراز هذا الارتباط من خلال عروض في منطقة وسط البلد وعدد من الأماكن الأثرية، لتعزز الهوية المصرية.
وأوضح أن الدورة الحالية شهدت معرضًا للفنانة المصرية الكندية بسمة أسامة، التي تقدم أعمالها في مجال الخزف لأول مرة في مصر، داخل بيت قديم جرى ترميمه على يد معمارية مصرية في قلب القاهرة الفاطمية قرب مسجد ابن طولون، معتبرًا أن هذا الاختيار يجسّد فلسفة المهرجان القائمة على المزج بين الماضي والحاضر، ومؤكدًا أن "الفن المعاصر لا ينفصل عن جذوره، بل يستمد منها روحه وهويته".
الفن المعاصر
يرى "العطار" أن الفن المعاصر يعالج القضايا من منظور مختلف عن الأشكال التقليدية، وقال: "لدينا عرض "جرثومة الحرب" مثال واضح على هذا التوجه".
وأكد أن المهرجان يحرص على دعم الفنانين المحترفين بصرف النظر عن الشكل أو الأسلوب، لأن القيمة الحقيقية، بحسب تعبيره، تكمُن في الفكرة والتجربة وليس في القالب، مشيرًا إلى أن الفنانين العرب اليوم يعبّرون عن التحديات التي يواجهونها بطرق فنية مبتكرة تواكب روح العصر.
200 ليلة عرض
وتحدث مدير المهرجان عن الدور المحوري الذي تلعبه "ساحة روابط" التي تأسست عام 2005 لدعم الثقافة المستقلة، مؤكدًا أنها أصبحت منصة فنية مؤثرة في المشهد الثقافي المصري، إذ تشهد ما يقرب من 200 ليلة عرض سنويًا، وهو ما يجعلها نموذجًا حيًا لنجاح التجارب المستقلة واستمراريتها، موضحًا أنها تمثل طرحًا مختلفًا عن مسرح القطاع العام والمنشآت الخاصة، والحفاظ على استمرارها يعد أحد إنجازات "دي-كاف" التي حافظت على حيوية المكان ودوره في احتضان المواهب الجديدة.
تحديات
وتطرق "العطار" إلى التحديات التنظيمية، مشيرًا إلى أن تنظيم حدث يمتد لنحو 25 يومًا ويتضمن أكثر من 38 عرضًا وورش وندوات في أماكن متعددة من وسط البلد يتطلب دقة عالية في التنسيق الفني والإداري.
وأوضح أن التحدي الأكبر يكمن في تقديم محتوى فني جاد يجذب الجمهور ويمنحه تجربة ممتعة، وهي معادلة صعبة يسعى فريق المهرجان للحفاظ عليها عامًا بعد عام، مؤكدًا أن استقطاب الكفاءات الشابة للعمل ضمن فريق المهرجان يمثل تحديًا مستمرًا، خاصة في ظل طبيعة العمل المستقل.
الفن للجميع
يحرص المهرجان على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من خلال مبادرة "الفن للجميع"، وعن ذلك يقول "العطار": "الجمهور المصري يتميز بتنوعه وذائقته الرفيعة، ولذلك نستهدف أن يوجد معنا أكبر عدد من الفئات المختلفة، ونستهدف الفئات المهمشة مثل اللاجئين وذوي الإعاقة عبر تذاكر مجانية لكسر الحواجز النفسية بينهم وبين الفن".
وشدّد على أن المهرجان يختار عروضه بعناية ليضمن أن يجد كل متلقٍ مساحة من التفاعل والدهشة، قائلًا: "الهدف ليس أن يحب الجمهور كل ما يعرض، بل ألا ينفر منه وأن يشعر بصدق ما يُقدم أمامه".
وفي ختام حديثه، تناول "العطار" مستقبل المهرجان، موضحًا أن "دي-كاف" يسعى إلى زيادة التوسع خارج القاهرة وقال: "نوجد بالفعل في عدد من المحافظات، وقدمنا عروضًا في المنيا وأسيوط والبدرشين، إضافة إلى الإسكندرية هذا العام، رغم الصعوبات التقنية التي تواجه الفرق في بعض المحافظات، ولكن نسعى لزيادة الوجود".
وأكد أن القاهرة، باعتبارها قلب العالم العربي، تحتاج إلى مزيد من المهرجانات الفنية والثقافية، مشددًا على أن الهدف الدائم هو الحفاظ على تفاعل الجمهور واستمرار دعم الشركاء، لأن الفن على حد قوله هو ما يمنح المدينة روحها ويجعلها حية ومتجددة.