أعمل على فيلم بعنوان "رسالة الغفران".. و"صندوق عجب" الأقرب لشخصيتي
والدي عاقبني بمسح الأحذية.. والأفلام المصرية أثرت في وجداني منذ الصغر
"التكريم يكسر اليأس ويقربنا أكثر من السينما".. لم تكن هذه مجرد كلماتها أطلقها المخرج التونسي الكبير رضا الباهي وهو يقف على خشبة مسرح افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الـ41، في مشهد مفعم بالحنين والاعتزاز، بل شعور حقيقي بالفخر والتأمل لشريط حياته الذي امتد على مدى عقود من الإبداع السينمائي، مقدّما خلاله عشرة أفلام روائية طويلة وثلاثين فيلمًا تسجيليًا ومسلسلًا وعددًا من الأعمال قيد التنفيذ.
تحدث المخرج التونسي، في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" عن تكريمه بالمهرجان، وسبب إعلانه اعتزاله الفن قبل تراجعه عنه، ومشواره الفني ورسالته وغيرها من التفاصيل.
شعور بالامتنان والفخر غمر رضا الباهي، خلال تكريمه حيث عبر عن ذلك بقوله: "كانت لحظة التكريم بالنسبة لي لحظة فرح وتأمل، رأيت مشواري كله أمامي، وكنت على وشك اليأس مما يحدث في منطقتنا، لكن هذا التكريم جاء كرسالة تقول لي: لا تيأس، انتظر قليلًا، لا يزال هناك أمل، وهذه لحظة مميزة لي في مشواري الحقيقة وأعتز بها".
عبَّر الباهي عن حبه العميق لمصر، البلد الذي احتضن بداياته الفنية، قائلًا: "مصر هي وطني الحقيقي، فمنذ كنت في الرابعة من عمري وأنا أتابع الأفلام المصرية، ومَن شكَّل شخصيتي الفنية كان يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، ولهما الفضل في أن أكون ما أنا عليه اليوم".
ويستعيد الباهي بداياته الأولى في القاهرة التي كانت محطة الانطلاق نحو عالم السينما، فيقول: "جئت إلى القاهرة سنة 1972، وهناك قابلت النقاد الكبار سمير فريد وسامي السلاموني وأحمد الحضري الذين استقبلوني بحفاوة، وفي عام 1974 دخلت مكتب يوسف شاهين للتحضير لعمل فني، وأرسل معي فتاة إلى الإسكندرية لاختيار الديكورات، وأحضرت معي كل ما أردت، وكانت أيامًا لا تنسى شكلت وعيي الفني وبدايتي الحقيقية، ولهذا أعتز بالإسكندرية".
سر الاعتزال
فاجأ "الباهي" جمهوره بتصريح عن اعتزاله الإخراج في عام 2022، وذلك خلال حوار سابق له مع موقع "القاهرة الإخبارية"، ولكن يوضح المخرج الكبير أن هذا القرار لم يكن سوى لحظة يأس عابرة، قائلًا: "أعلنت اعتزالي لأنني كنت أشعر بالإحباط، لكن سرعان ما عاد إليَّ الأمل.. لا يزال لدي الكثير لأقدمه، وأُحضر حاليًا لفيلم جديد يشارك في بطولته عبد العزيز مخيون ويسرا اللوزي".
مسح أحذية
يرفض رضا الباهي فكرة تصنيف السينما أو تقسيمها إلى مستقلة وتجارية، ويؤكد أن السينما الحقيقية تقاس بمدى تأثيرها في الناس، فيقول: "وأنا صغير، كانت السينما التجارية المصرية بالأبيض والأسود هي التي أثرت في وجداني، من أفلام يوسف وهبي وفريد الأطرش وسامية جمال، وأذكر أنني أقنعت والدي مرة بالذهاب معي إلى السينما لمشاهدة فيلم (عفريتة هانم)، فخرج غاضبًا وعاقبني بأن جعلني أمسح الأحذية".
ويضيف: "في أمريكا كانت الأفلام الأولى كلها تجارية، ولم تكن هناك مصطلحات مثل السينما النظيفة أو المستقلة، والمعيار الحقيقي هو أن تمس السينما الجمهور، لا أكثر".
تحديات الإنتاج
يرى الباهي أن تونس من الدول العربية القليلة التي تمتلك تراثًا سينمائيًا ومسرحيًا قويًا، لكنه يؤكد أن معضلة الإنتاج لا تزال قائمة في المنطقة، موضحًا: "قدمت فيلمًا يضم نجومًا تونسيين ومصريين، وحين عرضته على منتجين وموزعين قالوا إنه فيلم مهرجانات ورفضوه.. والإنتاج العربي لا يزال محصورًا في دوائر محددة، والحصول على الدعم رحلة طويلة ومعقدة".
لا مكان للندم
بثقة المخرج المؤمن بما قدم، يقول رضا الباهي: "لم أندم على أي شيء في مشواري، وأعمل الآن على فيلم جديد بعنوان (رسالة الغفران) مستوحى من أبي العلاء المعري، وهو رحلة تخيلية في الحياة الأخرى".
ويحكي عن موقف صعب واجهه مع النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالي في فيلمه الأخير جزيرة الغفران: "لم يخبرني مدير أعمالها بأنها مصابة بالزهايمر، وبعد يوم من التصوير وجدتها في بهو الفندق تسألني: من أنت؟ عندها أدركت حجم المشكلة وقلت: أنا في مصيبة، وبدأت أُقلل من حوارها في الفيلم".
رغم مشواره الطويل، يشعر المخرج الكبير أن رحلته لم تنته بعد، قائلًا: "أشعر أنني لم أؤدِ رسالتي بعد، فلا تزال في ذهني مشاهد كثيرة أريد أن أصوِّرها، أخلصت في كل ما قدمت، ولم أخضع يومًا لأفكار المنتجين أو استفزازاتهم، وبعد هذا المشوار لا أزال أواجه صعوبات في الإنتاج كأنني أبدأ من الصفر".
الأقرب لشخصيته
يشير الباهي إلى أن فيلمه "صندوق عجب" الذي قدمه في عام 2002 هو الأقرب إلى شخصيته الحقيقية، لأنه حمل في طياته طفولته وحبه للعرب ومدينة القيروان التي نشأ فيها، وقصة عشقه الأولى للسينما.
وتطرق أيضًا إلى تجربته في رئاسة مهرجان أيام قرطاج السينمائية، ويقول: "قدمت دورتين ناجحتين، رغم الصعوبات التي واجهتها في الدورة الأولى بسبب جائحة كورونا، لكن الدورة الثانية كانت أكثر نضجًا وتميزًا".