نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بخطة سلام تتضمن مسارًا لإقامة دولة فلسطينية، وذلك على عكس تصريحاته السابقة التي أكد فيها رفضه القاطع لهذا الخيار.
قبل أسبوعين فقط من توجهه إلى واشنطن، وقف نتنياهو أمام مؤيديه من اليمين المتطرف في مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة، ليعلن أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، إلا أنه ما لبث أن وجد نفسه في غرفة فندقية بنيويورك يطالع مسودة خطة صاغها ترامب بنفسه تنتهي بالنقيض تمامًا، إذ تتضمن "مسارًا موثوقًا" نحو دولة فلسطينية مستقبلية.
وتشير صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إلى أن خطة ترامب لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة جهود دبلوماسية مكثفة قادتها مصر وقطر والسعودية ودول عربية وإسلامية أخرى مؤثرة.
واستغلت هذه الدول غضب ترامب الشديد من الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مفاوضي حماس في العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر الماضي، التي وقعت بينما كانت الحركة تدرس اقتراح وقف إطلاق نار من مبعوث ترامب ستيف ويتكوف.
ووفقًا للصحيفة، كان لترامب هدفان متشابكان، أولهما سياسي يتمثل في تأمين إطلاق سراح 48 محتجزًا إسرائيليًا وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والحفاظ على طموحه بالتوسط في مصالحة تاريخية بين إسرائيل ودول الجوار، أما الهدف الثاني فكان شخصيًا، إذ أراد إنهاء الحرب قبل الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر 2023، بالتزامن مع موعد الإعلان عن جائزة نوبل للسلام التي يطمح للفوز بها في 10 أكتوبر، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين مشاركين في المحادثات.
وأشار دبلوماسي إسرائيلي سابق، كان على اتصال بواشنطن نيابة عن عائلات المحتجزين، إلى أن "ترامب أدرك منذ وقت مبكر أن المحتجزين هم المفاتيح التي تفتح جميع الأبواب في الشرق الأوسط"، إذ التقى ترامب بمحررين من المحتجزين، وعرف بعضهم بالاسم، في علاقة شخصية تفوق بكثير علاقة نتنياهو بهم، كما يتواصل مبعوثه ستيف ويتكوف بانتظام عبر الرسائل النصية مع العائلات المنتظرة لذويها.
اعتذار علني
عندما وصل نتنياهو أخيرًا إلى البيت الأبيض في 29 سبتمبر الماضي، بعد أيام من عرض ترامب خطته بالفعل على القادة العرب، سلّمه الرئيس الأمريكي سماعة الهاتف واستمع إليه وهو يعتذر بتواضع لرئيس وزراء قطر عن الضربة على الدوحة، حسب الصحيفة البريطانية.
ووصف مسؤول أمريكي سابق هذا المشهد بـ"فيديو رهينة"، مضيفًا أن الضربة على قطر "فتحت الباب لكل هذا"، إذ سمحت لترامب بالقول: "أنتم أفسدتم الأمور، وأنا أنقذكم، وانتهى الأمر".
لا مجال للمناورة
بينما حاول نتنياهو وفريقه تخفيف بعض عناصر خطة ترامب المكونة من 20 نقطة، خاصة الإشارة إلى دولة فلسطينية، كان فريق فني قطري يجلس على مقربة داخل البيت الأبيض، حسبما كشف شخص مطلع على الأحداث.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن شخص ثانٍ قرأ مسودات الخطة قوله: "كان من المستحيل تغيير أكثر من بضع كلمات هنا وهناك".
سعى نتنياهو للحصول على تنازل واحد رئيسي، وهو فرصة العودة للقتال إذا قررت إسرائيل أن حماس خرقت بندًا من الاتفاق، إلا أنه قيل له بعبارات صريحة "يجب عليه التوقف عن البحث عن ثغرات"، إذ ضمن ترامب شخصيًا للعرب أن إسرائيل لن تبدأ الحرب مجددًا، وفق شخص مطلع على المحادثات، وأكده شخص ثانٍ على دراية بالمحادثات بين البيت الأبيض والمسؤولين العرب.
وجاءت الخطة محمّلة ببنود مرفوضة تمامًا من الأحزاب اليمينية المتطرفة والدينية الداعمة لحكومة نتنياهو، التي تعهدت بطرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطينها بمستوطنين يهود، إذ نصت الوثيقة على منع التهجير القسري، وحرية الغزيين في المغادرة والعودة متى شاؤوا، ومنح مقاتلي حماس عفوًا إذا سلموا أسلحتهم ووافقوا على "التعايش السلمي" بدلًا من ملاحقتهم حتى الموت.
كما حظرت على إسرائيل احتلال غزة أو ضمها أو بناء مستوطنات فيها، وسمحت بعودة الأمم المتحدة، التي يكرهها نتنياهو، لإطعام الفلسطينيين الذين يعانون من الحصار الإسرائيلي.
الخطة تضمنت أيضًا عناصر تحفظ ماء وجه نتنياهو، وهي منع حماس من الحكم الفلسطيني، ونزع سلاح مقاتليها، ونزع السلاح من القطاع.
كما سيدير غزة مؤقتًا لجنة من تكنوقراط فلسطينيين وهيئة إشراف دولية يرأسها ترامب، بينما توفر قوة دولية الأمن.
حليف لا يُعصى
الأهم من كل هذا، وفق مسؤولين إسرائيليين، كانت الصيغة التي استخدمها "ترامب" عند إعلان الخطة، والتي تضمنت تهديدًا بأنه "إذا رفضت حماس الصفقة، فستحظى إسرائيل بدعمي الكامل لإنهاء مهمة تدمير تهديد حماس"، حسب الصحيفة البريطانية.
وفي وصف للمشهد السياسي والتفاوضي في واشنطن، قالت الصحيفة البريطانية إن نتنياهو وقف بجانب ترامب خاضعًا، بعدما تمكن من المناورة والتفوق على ثلاثة رؤساء أمريكيين هم بيل كلينتون وباراك أوباما وجو بايدن.
وفي هذا الصدد، يقوم مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى أمريكا، إن "القاعدة الأساسية هي أن مصالح ترامب تأتي أولًا"، مضيفًا أن نتنياهو وسّع المستوطنات رغم اعتراضات أوباما، وماطل في محادثات السلام في عهد كلينتون، وتجاهل تحذيرات بايدن المتكررة بشأن إدارة حرب غزة.
حماس تقلب الطاولة
بعد أيام من زيارته للبيت الأبيض التي وقف فيها إلى جانب ترامب معلنًا دعمه للخطة، واجه نتنياهو تحديًا جديدًا، إذ حاول تسويق مقترحات ترامب داخليًا باعتبارها انتصارًا إسرائيليًا، مقدمًا إياها كخيار نهائي أمام حماس، إما القبول أو مواجهة حملة عسكرية إسرائيلية بمباركة أمريكية للقضاء على الحركة في غزة.
يوم الجمعة الماضي، عندما اختارت حماس الجزء الأكثر جاذبية لترامب من الصفقة، وهو إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء والموتى خلال 72 ساعة، متجاهلة عناصر أخرى تكون ذات أهمية، وجد نتنياهو نفسه محاصرًا.
وعلّق أورين: "فجأة، حدث تغيير جوهري في الوضع. في السابق، كان أمام حماس ثلاثة خيارات، وهي إما الاستسلام، أو التخلي عن المقاومة، أو الموت. الآن، لديها خيار رابع، وهو التفاوض. وبينما يتفاوضون، لدى إسرائيل إشارة حمراء".
بعد بيان حركة حماس مباشرة، أمر ترامب إسرائيل بوقف العمليات العسكرية في غزة "فورًا" بينما تستمر المحادثات.
وفي مكالمة هاتفية مع ترامب، نشرها موقع "أكسيوس" أولًا وأكدها مسؤول إسرائيلي، حاول نتنياهو إقناع الرئيس الأمريكي بأن قبول حماس المشروط كان تكتيك مماطلة، فرد ترامب بحدة: "لماذا أنت سلبي جدًا بهذا الشكل اللعين؟"
وبعد أيام، أكد ترامب الموقف علنًا في تصريح لمراسل إسرائيلي، قائلًا إن إقناع نتنياهو بقبول الوضع لم يتطلب الكثير: "كان موافقًا على ذلك، يجب أن يكون موافقًا. ليس لديه خيار معي، يجب أن تكون موافقًا"، وفق ما نقلته القناة الـ 12 الإسرائيلية.