الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المخرج التونسي رضا الباهي: سأعتزل بعد "رسالة الغفران".. ومشروعي السينمائي لم يكتمل (حوار)

  • مشاركة :
post-title
المخرج التونسي رضا الباهي

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي - تصوير: عمرو حطب

- عشقت السينما بسبب النجوم الكبار مثل محمود المليجي ومحمود مرسي وفريد الأطرش
- "زنوبيا" فيلمي المقبل عن دفن النفايات الأوروبية في إفريقيا
- النجوم العالميون يدركون أنني لا استغل أسمائهم ويؤمنون بقضايا أفلامي
- "جزيرة الغفران" يرصد التعايش مع الآخر في الخمسينيات.. والديكورات والملابس من أصعب التحديات
- أفلامي ليست تجارية ويستهويني الفيلم الشعبي البسيط.. ولا أشاهد أفلام "المقاولات"

محملًا بهموم وقضايا وطنه، دارت كاميرا المخرج والسيناريست التونسي رضا الباهي، مصوراً العديد من الأفلام التي جعلته أحد رواد السينما التونسية، وساهمت في تحقيق شهرته العريضة بالعالم العربي والعالمي أيضًا، إذ يشارك بعض نجوم هوليود والسينما الأجنبية في أعماله.

ويشارك رضا الباهي في مهرجان القاهرة السينمائي برائعته السينمائية الجديدة "جزيرة الغفران"، وكشف في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" عن تفاصيل رحلته مع الفيلم المليئة بالتحديات، مؤكدًا أن مشروعه السينمائي لم يكتمل بعد، وسيعلن اعتزاله بعد تقديمه فيلم "رسالة الغفران"، وكيف سيُحدث هذا المشروع ضجة عند عرضه لحساسية القضية التي يثيرها، كما تحدث عن مشروعه الجديد "زنوبيا"، الذي يدور حول دفن النفايات الأوروبية في إفريقيا.

حوار – إيمان بسطاوي

ما الذي أثار حماسك لخوض تجربة فيلم "جزيرة الغفران" الذي تتناول فيه قضية شائكة؟

تدور أحداث الفيلم في الخمسينيات من القرن الماضي، ويتحدث عن التعايش مع الآخر، تلك الإشكالية الأزلية فهناك حضارات كثيرة نجحت في ذلك، وأخرى وقعت في حروب، واليوم مع وجود التيارات المتطرفة والرجعية والمغلقة التي تظن أنها تستحوذ على الحقيقة بمفردها، كان من الضروري أن نقدم فيلمًا عن ذلك، ولكن ليس ضروريًا أن نستعمل الأحداث اليومية، فغُصنا في الماضي، وأنا بطبعي لدي حنين واشتياق للماضي، ولا أقصد أن الماضي جنة والحاضر جهنم.

ولكن الماضي فيه نوع من البراءة، والعصر الحديث كسر هذه البراءة، فلدي إحساس أن الماضي أفضل حتى وإن لم أعش فيه، فوجدت أن تقديمي قصة عن الماضي أفضل كثيرًا، لأن رصد الأحداث الحالية من الأفضل تقديمها بعد 10 سنوات، فأنا أشبهها بالنار المشتعلة، وعليَّ أن أبتعد وبقدر ابتعادي تتضح الرؤية وتكون أفضل، وقدمت "فلاش باك" في الخمسينيات، مع إشارات للوقت الحاضر بالعمل.

أحداث الفيلم في الخمسينيات والقضية التي تعالجها مهمة.. كيف واجهت التحديات؟

جزيرة "جربة" التونسية، لا تزال تحتفظ بطابعها وهي تشبه مدينة الإسكندرية قديمًا، حيث كانت تجمع ثقافات وديانات مختلفة، وكان يعيش بها يهود ويونانيون وغيرهم، فمدينة "جربة" نفس الأمر تضم مالطيين ويونانيين ويهود وأفارقة سود وقبائل من إفريقيا وبرابرة وإسبانيين، تعايشوا جميعا على أرض واحدة، لكن حاليًا هناك نوع من العولمة التي مسحت خصوصياتها.

وواجهتني صعوبات في إيجاد ديكورات لفترة الخمسينيات، وأيضًا الملابس تغيرت واستعنت بخياط من إيطاليا لكي يصمم الملابس.

الحقبة التي تتناولها ليست سهلة وتحتاج إلى وثائق ومعلومات ليخرج العمل بالشكل الذي يناسب ما يتناوله.. كيف تعاملت مع هذا الأمر أو بمعنى آخر ما المراجع التي استعنت بها؟

بالفعل، استعنت بمراجع ودراسات ووثائق كثيرة، وكل ما في الفيلم من تفاصيل تابعته بدقة، وأذكر أنني حرصت على أن أذهب إلى روما للإتيان بقماش الملابس التي يرتديها الممثلون في الفيلم، وللعلم ميزانية الملابس والإكسسوار وما شابه في الفيلم أكبر من ميزانية أجور النجوم المشاركين به، واستغرقنا نحو 6 أسابيع في تصويره رغم صعوبته، وأيضًا رغم جائحة كورونا، فيما استغرق التحضير له عام كامل.

كثيرًا ما يُزين أفلامك أسماء لنجوم عالمية ومصرية.. فهل يعود السبب لإعطاء أعمالك صبغة دولية؟

العالمية لا تعني أن تأتي بالممثلين أو الإنتاج المشترك مع أوروبا وأمريكا، ولكن العالمية تأتي من الموضوعات الإنسانية المدروسة، فتدخل العالمية بالمحلية والخصوصية التي تتميز بها فهي التي تجعلك إنسانًا، فالفيلم يعتمد أولًا وقبل كل شيء، ليس على الفكر ولكن على الحس، فعندما يكون إحساسك راقيًا، فبالتأكيد سيدخل القلب حتى وإن لم يفهم البعض اللغة، أنا "بكيت" في عمر الرابعة أو الخامسة، عندما شاهدت فيلمًا للفنانة المصرية فاتن حمامة، فهذه هي العالمية، رغم أن سيدة الشاشة العربية وقتها لم تكن ممثلة عالمية، ولكن الإحساس الذي أعطته في المشهد جعلت طفلًا صغيرًا تونسيًا مثلي، ينهار بالبكاء بسبب مشهد، فهذه هي العالمية بالنسبة لي.

إذن ما سبب حرصك على مشاركة نجوم مصريين وعالميين بأسماء بارزة في أعمالك؟

نعم استعنت بـالكثير من النجوم العالمية في أعمالي، ومنهم كلوديا كاردينالي، مارلون براندو، جودي فوستر وبان جازارا، وعشقت السينما بسبب الممثلين الكبار فيها، وليس الممثلين الثانويين "الكومبارس" أو الفيلم التسجيلي، فنجوم السينما المصرية منحوني هذا العشق وحلم السينما، ومنهم محمود مرسي، محمود المليجي وفريد الأطرش، كما أنني لا أميل للأفلام المثقفة وذات البعد المتعمق، بل ينال إعجابي الفيلم الشعبي البسيط، والفيلم التجاري المتقن يمسني أكثر من الفلسفي، لذلك اعتبر نفسي "مشاهد شعبي" رغم حصولي على الدكتوراه، ودخولي صناعة السينما، فالفيلم الشعبي أهواه أكثر، بينما ما يسمى بأفلام "المقاولات" فهي هابطة ولا أشاهدها.

تعشق الفيلم التجاري.. لكن أفلامك لا تصنف أنها تجارية؟

نعم، أفلامي لم تكن تجارية نهائيًا، فالتجارية تطلق "تيمات" الأفكار المطروحة، فمثلًا قدمت فيلمًا مع (جيلي كريستي) وكان يعرف أنه يشارك في فيلم غير تجاري، وعندما عملت فيلم "الملائكة" مع مديحة كامل وكمال الشناوي وليلي فوزي، قال لي المنتج والموزع المصري إن هذا فيلم مهرجانات، ويناسب مهرجان "كان" عام 1985.

حققت نجاحًا كبيرًا وشهرة عريضة في الوطن العربي بأعمال سينمائية بارزة.. هل ترى أن مشروعك السينمائي اكتمل؟

لا.. مشروعي لم يكتمل حتى هذه اللحظة، والسبب في عدم اكتماله أنني من المخرجين الذين يوجهون أسئلة ويعتمدون على الشك وليس اليقين، فهناك أسئلة كثيرة لم أحصل على إجابات عنها، وكل فيلم أفتح به أبوابًا لم تُفتَح من قبل بالنسبة لي، وأشعر أنه لا يزال لدي نقص كبير وبحاجة لإجابات، وبالتالي المشوار لم يكتمل.

توحي بكلامك أن لديك مشروعات فنية لم تخرج للنور؟

نعم، لدي نحو 12 سيناريو في البيت، ولا أعرف هل سأقدمها أم لا، فلم يعد لدي وقت لتقديمها مع تقدم العمر، لذا أجرى المفاضلة لاختيار المشروع الذي سأقدمه، والأولوية عندي حاليا لتقديم فيلم عن النفايات والبيئة وإفريقيا، ثم بعد ذلك أغلق حياتي المهنية بفيلم "رسالة الغفران" لأبو علاء المعري.

هل ستعلن اعتزالك بعد "رسالة الغفران"؟

نعم سأعلن اعتزالي عن السينما، وليس اعتزال الحياة عامة، وعاش من عرف قدره، وأقصد هنا تقدم السن، فالخبرة موجودة ولكن السن له حكمه، والسينما تحتاج إلى صحة قوية، وأنا أشعر بالتعب ولم أعد أتحمل ولست قادرًا على التركيز، ثم إن هناك أجيال جميلة موجودة.

ختام حياتك المهنية بفيلم "رسالة الغفران" يشير إلى أن هناك قضية مهمة يتناولها هذا العمل الذي صنفته بالأخير لك؟

يتحدث الفيلم عن الآخرة والعالم الآخر والملائكة والشياطين وغيرها، من خلال قصة مختلفة.

ولكن البعض قد يجد ذلك ضربًا من الخيال خاصة مع عدم التطرق لهذا الموضوع من قبل عربيًا؟

بالعكس، لدينا رسالة الغفران، وأيضًا "دانتي" وهو مشروع كبير عن البعث، نعم في السينما العربية لا يوجد عمل تطرق لهذا الجانب، وهو أول مشروع عربي في هذا الإطار.

نحن نعيش في تربيتنا الدينية على مفاهيم الجنة والنار، والخوف من الموت وعذاب القبر وحياة البرزخ، والسينما هي المكان الوحيد الذي يسمح لي بوضع الأسئلة التي أريدها، وإلا فعلى من أطرح هذه الأسئلة؟ الأحياء إما سيكذبون أو جهلاء لا يعرفون الحقيقة، لذا سأسأل شخصًا ميتًا مثل أبي عندما يأتي ليزورني في حياة البرزخ.

ما المراجع التي تستعين بها في هذا المشروع المنتظر؟

مراجع دينية سواء أكانت إسلامية أو غيرها، فهناك ديانات أخرى لديها مفاهيم حول اليوم الآخر، وحياة أخرى بعد الموت، فعلى الأقل وأضعف الإيمان لابد أن أكون على دراية بهذه الأمور، ودون ذلك سيتحول الفيلم إلى عمل كوميدي هزلي سخيف.

وأوضح هنا أنني شخصيًا أحب النوع الكوميدي، ولكن إذا كانت هادفة وورائها فكرة ذكية، أما إذا كانت من أجل الضحك فقط فلا أحبها.

بفيلم مثل "رسالة الغفران" ربما يفتح عليك الكثير من أبواب النقد.. ألا تخشى ذلك؟

لا، في كل الحالات سأتعرض للنقد، والشخص لابد أن يكون مستعدًا لهذا الأمر، فلن أدفن رأسي بالرمل خوفًا من الهجوم، فهناك أشياء غير مفهومة وأسئلة أريد طرحها، ثم دعونا لا ننسى أن القصد والنية مهمان للغاية.

إذن ما قصدك من تقديم هذا الفيلم؟

ألا أسخر من شيء، فهذا يقين، ولكنني أُلقي أسئلة محيرة.

هل انتهيت من كتابة هذا المشروع؟

انتهيت من كتابة النسخة الأولى من الفيلم، ودائمًا ما أكتب عدة نسخ من الفيلم قبل تصويره.

هل الفيلم تمويل أجنبي مثل باقي أعمالك؟

فيلمي الأخير ، وقبله فيلم "زهرة حلب" كان تمويله لبنانيًا، وفيلمي المقبل "زنوبيا" سيكون تمويله إنجليزيًا وسأقدمه قبل فيلم "رسالة الغفران".

وما سبب تسمية الفيلم "زنوبيا"؟

كان هناك مركب يسمى "زنوبيا" وهي ملكة سورية أيام تدمر، والمركب تحمل نفايات وغرقت وتلوث البحر، ومرض العمال منها، وهي قصة حقيقية وأصبحت قضية عالمية، فأخذت اسم "زنوبيا" وأطلقته على الفيلم لكي نُذكر بهذه الحادثة العالمية.

وماذا عن قصة الفيلم؟

يتحدث عن دفن النفايات التي تأتي من أوروبا إلى إفريقيا، والعام الماضي أعدنا النفايات الإيطالية التي جاءت إلى تونس وبقيت في الميناء أشهرًا طويلة وبدأت تخرج الجراثيم منها، وتم عمل مظاهرات في مدينة سوسة، وإعادتها بحكم قضائي إلى إيطاليا.

أتعني أن القضية التي يناقشها الفيلم واقعية؟

نعم، فأنا لا ألعب بالخيال، وكل موضوعاتي مستمدة من الواقع، فالخيال يأتي في طريقة الطرح، ولكن الموضوعات واقعية.

متى تبدأ تصوير المشروع؟

لم أحدد موعدًا للبدء بعد، إذ يجري تحضيره حاليًا ومن بطولة ممثل فرنسي كبير.

أعرف أن النجوم في أعمالك لا يحصلون على أجر كبير بقدر ما تستهويهم قصة العمل.. كيف تفعل ذلك؟

لا أعمل بنظام هوليود ونجم الشباك، فأنا أذهب لهم بقضية إنسانية أريد أن أطرحها، وعندما يشعرون بصدق ما أقدمه لا يترددون في قبول العمل، ويدركون جيدًا أنني لا أستغل أسمائهم، وهم يرون أعمالي ويتأكدون من صدق القضايا المهمة التي يتناولها.

علاقتك بمصر قوية ولديك أصدقاء كثيرون بها.. حدثنا عن مشاركتك في مهرجان القاهرة السينمائي؟

أنا مرتبط بمصر وعلاقتي بها قوية وبأهلها، حيث زرت مصر عام 1974 وقدمني النقاد الكبار سمير فريد وأحمد الحضري وعلي أبو شادي وسامي السلاموني، والذين عرفتهم من شارع شريف بمنطقة وسط البلد الشهيرة التي تجمع السينمائيين والمثقفين، ثم عدت إلى مصر وتعرفت أيضًا على صديقي الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي وغيرهم، فأنا لا أشعر أنني ضيف ولكني صاحب بيت.

توليت منصب مدير "أيام قرطاج السينمائية".. برأيك ما الذي ينقص المهرجانات العربية؟

نحن حلمنا بالسينما مع مهرجان قرطاج في السنوات الأولى وكان عمرنا من 17 إلى 20 عامًا، حيث كنا نخرج من الجامعة ونذهب لرؤية الأفلام بالمهرجان على مدار 10 أيام، والتي تأتي من بلدان مختلفة مثل أمريكا وإيطاليا ويوغوسلافيا وروسيا ونقابل الممثلين وهو ما يعطي الحلم للشباب، فلابد أن أختار الأفلام الصعبة التي تحصل على جوائز لكي نربي الذوق، ونعطي للشباب طاقة، ونحلم بالسينما الجيدة.

مشاريعك السينمائية من تأليفك.. لماذا لم تستعن بأعمال مؤلف آخر لتقديمها؟

أرى أن الأفضل أن تحمل أفلامي تجربتي وخبرتي ورؤيتي، وليس تجربة شخص آخر، فأنا لديّ أهداف معينة ورؤية أشاركها مع الناس.

وماذا ستفعل بمشاريع سيناريوهاتك التي لم تخرج للنور؟

سأُهدي كتبي وسيناريوهاتي للمكتبة الوطنية بتونس، فعندي ثلاثة أو أربعة آلاف كتاب، ليستفيد بها غيري، فالسيناريوهات والوثائق والتسجيلات والمقابلات الصحفية في الستينيات والسبعينيات ستصبح من التراث.

قدمت نفسك بقوة بعد أن شاركت بأول أفلامك "شمس الضباع" بمهرجان "كان" السينمائي في السبعينيات.. فحدثنا عن هذا الأمر؟

الموضوع كان مهمًا للغاية، ويتحدث عن السياحة في العالم الثالث وهل تغير الهوية، ومن الضحية، هل السائح الذي يركب على الجمل ويأخذ صورة يذهب بها لأهله ويقول لهم شاهدوا العرب أم الضحية هو الفلاح المسكين؟ فهذه الموضوعات كانت أول مرة تعرض وببصمات سينمائي عربي.

على مدار أكثر من ستة عقود كيف تقيم تجربتك؟

لست نرجسيًا لكي أقيم نفسي، ولا أفضل تقييم مسيرتي، بل الأفضل أن يٌقيم الآخرون هذه التجربة، فأنا قدمت أعمالي بصدق وأمانة.

أنت مهموم بقضايا وطنك والقضايا العربية.. هل ترى أنك أعطيتها حقها في أفلامك؟

لا لم أعطها حقها الكامل، بل جزء منها والمخرج التالي يعطي لها جزء وهكذا، وكل الأعمال التي قدمت عن فلسطين تشكل رؤية للسينما الفلسطينية، فمثلا توفيق صالح قدم "المخدوعون" و"رجال تحت الشمس"، وأنا قدمت "الخطاف لا يموت في القدس" فأنا مؤمن أنني لم أعط القضية الفلسطينية حقها.

لماذا تستعين في أعمالك الفنية بمنتج أجنبي؟

لكي أتمكن من توزيع الفيلم بسهولة وبشكل جيد في الخارج، ولكي يكون "ظهري محمي".