إياد حجاج: تصوير فيلم عن فلسطين في أمريكا أكبر تحدي ومحفوف بالمخاطر
يقدّم المخرج والممثل الفلسطيني إياد حجاج، فيلمه الجديد "قدمي في الجنة"، الذي تدور أحداثه عن مدينة غزة، لكنه صوّر في قلب هوليوود، إذ يروي العمل حكاية الطفلة "سمر" التي تفقد إحدى قدميها، فتري ببراءتها أن القدم ذهبت إلى الجنة، ومن خلال هذه الصورة يفتح الفيلم نافذة على عالم الطفولة في غزة، حيث يحاول الأطفال مواجهة قسوة الواقع بخيال نقي يمنحهم عزاء وسط أجواء الحرب والمعاناة.
يقول المخرج الفلسطيني إياد حجاج لموقع "القاهرة الإخبارية" عن بداية رحلته مع فيلم "قدمي في الجنة": خلال لقائي مجموعة من الأشخاص، وفجأة لفتتني امرأة كانت تسرد قصة مؤلمة عن ابنتها الصغيرة من غزة أصغيت بانتباه، وكل كلمة كانت تترك أثرًا عميقًا في داخلي، في تلك اللحظة، شعرت أن هذه القصة لا يجب أن تمر مرور الكرام، بل تستحق أن تُروى للعالم".
يضيف: "حين عدت إلى منزلي، بدأت فورًا بكتابة سيناريو قصير يحمل اسم "قدمي في الجنة"، لكن قبل أن أمضي قدمًا في تطويره، قررت أن أُجري بحثًا معمقًا، وخلال هذا البحث، اكتشفت حجم المأساة التي يعيشها أطفال غزة، وجدت عشرات القصص لأطفال فقدوا أطرافهم، وتم بترها في المستشفيات دون وجود بنج أو أدوات طبية مناسبة.. هذه الحقائق المؤلمة لم تلهمني فحسب، بل حمّلتني مسؤولية أكبر.. أن أُحوّل الألم إلى رسالة، والبراءة إلى صرخة صامتة تصل إلى العالم كله عبر لغة السينما".
مخاطر العمل
عن التحديات والمخاطر التي واجهت المخرج الفلسطيني خلال الفيلم، قال إياد حجاج: "في الوضع الراهن داخل الولايات المتحدة، الحديث عن فلسطين وغزة تحديدًا لا يخلو من المخاطر. أي شخص يختار أن يتناول هذه القضايا علنًا، يُعرّض نفسه لضغوط وقيود، بل وقد يواجه تبعات شخصية ومهنية، كنت مدركًا تمامًا أن صناعة فيلم عن غزة في قلب هوليوود ليس بالأمر السهل، بل هو خطوة محفوفة بالمخاطر، لذلك عملت على المشروع في سرية تامة، وكنت أتنقل بصمت، أُنجز التصوير بعيدًا عن الأضواء، فقط لأحمي نفسي وكل من شارك في هذا العمل".
ويضيف: "بعد أن انتهينا من التصوير، سمحت للصحافة العالمية أن تكتب وتنشر عن الفيلم.. نعم، كان هناك خوف حقيقي، ومخاطرة كبيرة ليس فقط عليّ شخصيًا، بل على كل شخص آمن بهذه الرسالة وشارك في تنفيذها، فهوليوود ليست ساحة سهلة، وهي تعرف كيف تعاقب من يخرج عن السرديات المقبولة، سواء الآن أو في المستقبل. وقد واجهت هذا الأمر أكثر من مرة، لأنني ببساطة اخترت أن أُحسّن الصورة العربية والفلسطينية داخل هذه الصناعة، وأن أكون صوتًا مختلفًا وسط صمت طويل".
وتابع: "من أكبر الصعوبات التي واجهتني في هذا المشروع كان العثور على فريق عمل يؤمن بالقضية الفلسطينية، ويستعد للعمل معي في هذا الفيلم.. في صناعة السينما، خصوصًا في هوليوود، لا يشارك الجميع الرؤية نفسها أو الإيمان بالقضية، فهناك تقنيات وكوادر لا يتفقون مع الرسالة التي يحملها الفيلم، وبعضهم قد يكون داعمًا لدولة الاحتلال".
واستكمل: "كان هذا تحديًا كبيرًا، كيف أُجمع هؤلاء الناس الذين يؤمنون بالقضية ويعملون على تحقيقها رغم هذا التباين؟ وبفضل الله، تمكنت من إيجاد فريق مخلص، يعمل معي بصدق، ونجحنا في إتمام التصوير على الرغم من كل هذه العقبات".
تجربته الشخصية
يُوضح المخرج الفلسطيني كيف أن تجربته الشخصية كانت في صميم فيلم "قدمي في الجنة"، ليس فقط كمخرج وكاتب، بل أيضًا كممثل وشاهد على المعاناة، إذ يقول: "في هذا الفيلم، لم أكن فقط خلف الكاميرا.. لقد جسّدت شخصية الأب، لأنني من غزة، وأعيش تفاصيل أهلها يوميًا تقريبًا. طوال السنتين الماضيتين كنت قريبًا جدًا من معاناتهم، من تجاربهم القاسية، من مشاعرهم المكسورة وأحلامهم المؤجلة. لذلك، الإحساس الذي حملته في أدائي لم يكن تمثيلًا، بل كان صدقًا نابضًا من قلب الواقع".
ويضيف: "استعنت بأطفالي لتمثيل الأدوار الرئيسية في الفيلم، لأنني أردت أن يكون الأداء صادقًا لأقصى حد. ابني لعب دور "أحمد" الذي يُستشهد في الفيلم، وابنتي أدت دور "سمر"، الطفلة التي تُبتر قدمها. وقبل الحرب بأسابيع، كنت قد أخذت أطفالي إلى غزة، والتقينا بعائلتنا هناك، رأوا بأعينهم البيوت المهدمة، الشوارع القديمة، والناس الذين يعيشون في ظل القصف والحصار. هذه الزيارة زرعت فيهم شيئًا عميقًا، جعلهم يتواصلون روحيًا وعاطفيًا مع القضية. لذلك، عندما وقفوا أمام الكاميرا، لم يكونوا يؤدون أدوارًا… بل كانوا يُجسدون واقعًا رأوه، وشعروا به، وحملوه معهم. ولهذا السبب، كان كل شيء في الفيلم نابضًا بالصدق".
جسر إنساني
حول أهمية السينما في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، يقول: "السينما هي جسر إنساني يصل الرسائل إلى داخل البيوت، فليس كل الناس يتابعون الأخبار، وحتى من يشاهدها لا يلمس التفاصيل الدقيقة التي تحدث في داخل المنازل. هذا الفيلم يجسّد العلاقة الإنسانية داخل البيت وبين أفراد العائلة".
ويضيف: "كيف تشارك الأسرة الطعام القليل، كيف يعيشون تفاصيل الحياة اليومية التي لا تراها الأخبار مثل الجوع والمعاناة. هذه التفاصيل موجهة أكثر للجمهور الغربي منها للعربي، لأنهم هم من يحتاجون أن يرون هذا الجانب الإنساني الذي يؤثر فيهم أكثر من مجرد سماع الأخبار مثل مشهد استشهاد الولد ومشاهدته، هذا التأثير يكون أقوى بكثير، لأنه يحكي قصة إنسانية بحتة".