شهدت قاعات الأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع حضورًا عالميًا كثيفًا ضم 121 دولة جاءت لتقديم تعهداتها الجديدة بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، بينما كان المقعد الأمريكي فارغًا في إشارة واضحة لتزايد العزلة الدبلوماسية لواشنطن في ملف المناخ العالمي.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، حضر القمة قوى جيوسياسية كبرى، مثل الصين وروسيا واليابان وألمانيا، إلى جانب أفقر دول العالم مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.
ترامب يحارب "الخدعة الخضراء"
تجسد مقاطعة الولايات المتحدة للقمة الموقف المتشدد للرئيس دونالد ترامب من الطاقة المتجددة، والذي عبَّر عنه صراحةً في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: "إذا لم تبتعدوا عن هذه الخدعة الخضراء، فستفشل بلدانكم".
ويقوم هذا الموقف على ادعاء إدارة ترامب، الذي يرفضه على نطاق واسع الاقتصاديون والباحثون والقيادات السياسية الأخرى، بحسب الصحيفة، بأن التحول للطاقة المتجددة طريق للخراب الاقتصادي.
وعلى النقيض من هذا التوجه، يشهد العالم بناءً سريعًا لمزارع الرياح والمجمعات الشمسية، بما في ذلك عمالقة النفط مثل السعودية التي تضيف طاقة شمسية بوتيرة متسارعة.
واتخذت إدارة ترامب في أيامها الأولى خطوات لإلغاء الحوافز المقدمة لمشروعات الطاقة الشمسية والرياح أو شراء السيارات الكهربائية، بينما دفعت بتراخيص متسارعة لمناجم الفحم ومحطات شحن الغاز الطبيعي والبنية التحتية للوقود الأحفوري.
عصر طاقة جديد
افتتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش القمة بقوله: "نحن في فجر عصر طاقة جديد"، بينما وصف الوقود الأحفوري في كلمته أمام الجمعية العامة بأنه "رهان خاسر".
وجاءت هذه القمة كجزء من التزامات اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، إذ تتعهد الدول بتقديم خطط طموحة متزايدة لخفض انبعاثاتها كل خمس سنوات، في مشهد شبهته نيويورك تايمز بـ"قادة العالم يسلمون واجباتهم المنزلية المتأخرة قليلًا".
رغم أن إدارة بايدن السابقة قدمت تعهدًا محدَّثًا بخفض مستوى الانبعاثات الكربونية قبل تولي ترامب منصبه مباشرة، فإن إحدى أولى خطوات ترامب كانت إعلان انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، ما ترك واشنطن في عزلة دبلوماسية شبه كاملة حول هذه القضية.
الصين والاتحاد الأوروبي يقودان
قدم الرئيس الصيني شي جين بينج أهم إعلانات القمة عبر الفيديو، إذ تعهد بخفض انبعاثات الصين، التي تعد أكبر مُصدر لغازات الدفيئة عالميًا، بنسبة 7 إلى 10% من مستويات الذروة بحلول 2035، مع زيادة حصة "الوقود غير الأحفوري" إلى أكثر من 30%، ومضاعفة الطاقة المُركبة للرياح والشمس 6 مرات.
ودون ذكر الولايات المتحدة صراحة، علَّق "شي" على غيابها قائلًا: "بينما تتصرف بعض الدول ضد ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يبقى مركِّزًا على الاتجاه الصحيح".
من جهته، تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثاته بين 66 و72% بحلول 2035 مقارنة بمستويات 1990، وإن لم يكتمل الاتفاق النهائي بعد.
وقال مفوض المناخ الأوروبي في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "نحن نفعل عكس ما تفعله الولايات المتحدة تمامًا، وهو أمر أجده مثيرًا للقلق.. أقوى لاعب جيوسياسي في العالم، أكبر اقتصاد، وثاني أكبر مُصدر للانبعاثات، ينسحب أساسًا من المعركة".
التحول الأخضر
يواجه التشكيك الأمريكي في الجدوى الاقتصادية للطاقة المتجددة واقعًا مختلفًا على الأرض، إذ تنتج الطاقة المتجددة الكهرباء بتكلفة أقل من محطات الوقود الأحفوري في بعض الحالات، وتنخفض تكاليفها بسرعة تفوق التوقعات السابقة.
وقال فيليب ديفيس، رئيس وزراء جزر الباهاما، الاثنين الماضي: "نحتاج صنّاع القرار في كل مكان لفهم أن استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة لن يأتي على حساب الرخاء، بل هو شرط مسبق للرخاء المستقبلي".
هذا التحول يوفر أيضًا الأمن الطاقي من خلال تقليل الاعتماد على واردات الوقود مثل الفحم والنفط والغاز، ما يعزز الحجة القائلة بأن الطاقة الشمسية والرياح يمكن أن تساعد في النمو الاقتصادي.
وشددت الصحيفة على أنه بالرغم من المخاوف المبكرة من أن معارضة إدارة ترامب الشرسة للطاقة المتجددة قد تؤدي لتراجع عالمي في التحول الطاقي، أكد قادة العالم مؤخرًا عزمهم على المضي قدمًا مع أو دون الولايات المتحدة.