في أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الأمريكية الحديثة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن بلاده تحاول استعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية بأفغانستان، مهاجمًا سلفه جو بايدن، بسبب الانسحاب الفوضوي عام 2021، الذي وصفه بأنه "منح طالبان والقوى الإقليمية هدية مجانية".
وسلطت التصريحات، التي أدلى بها ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في تشيكرز بباكينجهامشير، الضوء على الأهمية الإستراتيجية للقاعدة، وعلى صراع السرديات السياسية بين إدارتي ترامب وبايدن بشأن الانسحاب من أفغانستان.
قاعدة باجرام
قاعدة باجرام، التي تقع شمال العاصمة كابول، كانت منذ عام 2001 أكبر موقع عسكري أمريكي في أفغانستان، وموطئ قدم إقليمي مهم، بسبب قربها من الصين، التي زارها في عيد الشكر عام 2019، مؤكدًا حينها أنه لا يرغب مطلقًا في مغادرتها.
في يوليو 2021، سلمتها القوات الأمريكية إلى الأفغان قبل الانسحاب النهائي، وبعد أشهر، كشف تقرير للبنتاجون أن الولايات المتحدة تركت معدات عسكرية بقيمة 7 مليارات دولار في البلاد.
"خطة بديلة" مع طالبان
ترامب كرر أمام الصحفيين أن الانسحاب الأمريكي أُنجز بطريقة "مهينة"، قائلًا: "كنا سنغادر أفغانستان، لكننا كنا سنغادرها بقوة وكرامة، وسنحتفظ بقاعدة باجرام، لقد منحناها لهم بلا مقابل، بالمناسبة، نحن نحاول استعادتها".
وأشار إلى أن إدارته تتفاوض مع حركة طالبان، التي تسيطر على البلاد، منذ أغسطس 2021، من أجل إعادة احتلال القاعدة.
وبحسب تقارير ذكرتها "سي إن إن"، أجرى المبعوث الأمريكي السابق زلماي خليل زاد ومسؤولون آخرون محادثات في كابول مع وزير خارجية طالبان، تناولت تبادل سجناء وفرص استثمار محتملة، في إطار محاولة لفتح باب لتطبيع العلاقات.
لكن مصادر في الكونجرس الأمريكي، بحسب الشبكة، قللت من أهمية هذه المفاوضات، مؤكدة أنها "لم تصل إلى مرحلة متقدمة"، فيما أحال البنتاجون الأسئلة المتعلقة بالخطة إلى البيت الأبيض، الذي لم يعلّق بعد.
الصين في المعادلة
ترامب ربط أهمية القاعدة بموقعها الإستراتيجي قرب الصين، قائلًا: "إحدى أكبر القواعد الجوية في العالم، تبعد ساعة واحدة فقط عن موقع تصنيع الأسلحة النووية بالصين".
وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جدلاً واسعًا، إذ أكد خبراء نقلت عنهم "سي إن إن"، أن بكين لا تصنع أسلحتها النووية في غرب البلاد، بل في منشآت مركزية.
لكن الخبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، دينيس وايلدر، أشار إلى أن المسافة الجوية بين باجرام ومنشأة لوب نور النووية الصينية تبلغ نحو 2000 كيلومتر، ما يجعلها في نطاق الطيران العسكري الحديث.
انتقادات لبايدن
انسحاب بايدن من أفغانستان، صيف 2021، ارتبط بفوضى عارمة، إذ انهارت الحكومة الأفغانية بسرعة غير متوقعة، وتقدمت طالبان نحو كابول خلال أيام.
وزاد الهجوم الإرهابي على مطار كابول، الذي أودى بحياة 13 جنديًا أمريكيًا في أثناء عملية الإجلاء، من حدة الانتقادات لبايدن، وأصبح ملف الانسحاب ورقة سياسية دائمة يستخدمها الجمهوريون ضده.
وفقًا لتقارير البنتاجون، عززت الصين ترسانتها النووية بسرعة، إذ ارتفع عدد الرؤوس النووية لديها إلى 600 بحلول منتصف 2024، مع توقعات بوصولها إلى 1000 بحلول 2030، و1500 بحلول عام 2035.
هذه الأرقام تثير قلقًا متزايدًا داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، وتفسر إصرار ترامب على أن قاعدة مثل باجرام قد تصبح "أصلًا إستراتيجيًا" في مواجهة بكين.
مستقبل غامض للقاعدة
رغم تصريحات ترامب، يظل مستقبل قاعدة باجرام غامضًا، فطالبان ترفض اتهاماته السابقة بأن الصين تسيطر على المطار، مؤكدة أن القاعدة "تحت السيادة الأفغانية".
وفي الوقت نفسه، لا توجد مؤشرات واضحة على موافقة البنتاجون أو الكونجرس على خطة لاستعادة السيطرة عليها.
لكن المؤكد، بحسب مراقبين نقلت عنهم "سي إن إن"، أن إعادة فتح ملف باجرام يكشف عن عمق التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، وعن استمرار الانقسام الداخلي الأمريكي حول إرث الحرب في أفغانستان.