الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

جنود يكسرون الصمت.. شهادات تفجر فضائح بريطانية في حربي العراق وأفغانستان

  • مشاركة :
post-title
شهادات بريطانية تفجر فضيحة في حربي العراق وأفغانستان

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في ظلال العمليات العسكرية البريطانية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، رسمت الحروب واقعًا جديدًا للدمار، فلم تكن المعارك فقط بين الجيوش والمتمردين، بل كان هناك صراع آخر، خفي، بين الضمير والواجب، بين الأوامر والقيم.

في تقرير استقصائي صادم بثّته شبكة "بي بي سي" عبر برنامجها الشهير "بانوراما"، تم الكشف عن شهادات مروعة أدلى بها أكثر من 30 جنديًا سابقًا في القوات الخاصة البريطانية، تُعيد فتح ملفات جرائم حرب طواها النسيان أو دفنتها البيروقراطية.

شهادات تعيد الجراح

التقرير المطوّل الذي استغرق جمع مواده شهورًا، استند إلى شهادات سرية أدلى بها جنود سابقون في وحدات النخبة البريطانية، وتحديدًا وحدات SAS (الخدمة الجوية الخاصة) وSBS (الخدمة البحرية الخاصة).

هؤلاء الجنود، الذين خدموا في العراق وأفغانستان، كشفوا عن ممارسات مروعة جرت خلال "المداهمات الليلية" التي كانت تنفذها القوات البريطانية بحثًا عن "مشتبه بهم".

أحد الجنود السابقين روى وفق "بي بي سي" حادثة مفزعة، حيث تم تقييد فتى صغير، لم يكن يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وأُطلق عليه الرصاص بدم بارد، "كان واضحًا أنه طفل، لا يحمل سلاحًا، ولا يشكّل أي تهديد، لكنهم قتلوه على الفور"، هذا ما قاله الجندي بصوت خافت.

وفي واقعة أخرى، تحدث جندي عن "عُرف غير مكتوب" بين الجنود، يُسمى ساخرًا "وضع الكلاشنيكوف"، حيث يتم قتل معتقل مكبّل، ثم يوضع سلاح بجواره لتبرير عملية القتل باعتبارها "دفاعًا عن النفس"، "كانوا يقولون لنا تأكدوا من وجود سلاح بجانب الجثة قبل التقاط الصور"، هكذا أكد أحد الجنود.

صمت بالإكراه

ما يُعزز مأساوية هذه الشهادات، أنها لم تكن معزولة، بل كانت محاطة بجدار سميك من الصمت المفروض بالإكراه، يقول أحد الجنود السابقين: "حين أعربت عن شكوكي في إحدى المداهمات، قيل لي بشكل غير مباشر، من الأفضل لك أن تصمت، مصلحتك في أن لا تتحدث".

وثقافة الصمت هذه لم تقتصر على الجنود في الميدان، بل كانت ممتدة إلى أعلى مستويات القيادة داخل القوات الخاصة، بحسب التقرير، وتُظهر الوثائق والشهادات أن كبار الضباط كانوا يشاركون في صياغة روايات كاذبة لتبرير قتل المدنيين، ويضغطون على الجنود لتوقيع بيانات مزيفة تؤكد أن "الضحايا حاولوا سحب أسلحة أو تفجير عبوات ناسفة".

رسائل تجاهلها كاميرون

من أكثر الجوانب إثارة للجدل في تقرير "بي بي سي" ما يتعلق بتورط القيادة السياسية البريطانية، فقد كشف التحقيق أن الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، وجّه مرارًا تحذيرات مباشرة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، بشأن الانتهاكات التي ترتكبها القوات الخاصة البريطانية، لا سيما في ولايات هلمند وأورزجان.

"كرزاي" قال علنًا في إحدى المقابلات: "كنت أرسل رسائل إلى رئيس الوزراء البريطاني أُخبره فيها أن القوات الخاصة تقتل مدنيين بشكل ممنهج، لم أتلقَ أي رد فعل حقيقي"، ومع ذلك، نفى متحدث باسم كاميرون، في بيان مقتضب، أن يكون رئيس الوزراء الأسبق قد تلقى تحذيرات بشأن جرائم محتملة.

عدالة مؤجلة

تأتي هذه الشهادات في وقت يخضع فيه الجيش البريطاني لتحقيق جنائي أطلقته الشرطة العسكرية الملكية منذ سنوات، إلا أن هذه التحقيقات تسير ببطء، وأُغلقت العديد من الملفات بسبب ما وُصف بـ"عدم كفاية الأدلة"، وأشارت "بي بي سي" إلى أن بعض التحقيقات تم إحباطها بتدخل سياسي مباشر، وهو ما يثير الشكوك حول إرادة النظام القضائي العسكري في الوصول إلى الحقيقة.

من جهتها، أصدرت وزارة الدفاع البريطانية بيانًا قالت فيه إنها "ملتزمة بشكل كامل بالتعاون مع التحقيقات الجارية"، وأضافت أن "جميع العسكريين السابقين الذين لديهم معلومات تتعلق بالموضوع مدعوون للتقدم بها رسميًا"، إلا أن البيان نفسه أشار إلى أن الوزارة "لن تعلق على مزاعم قد تكون ضمن تحقيقات مستمرة"، ما يعكس تحفظًا رسميًا على التعاطي مع القضية إعلاميًا.

جرح مفتوح في الذاكرة

في الوقت الذي تواصل فيه بريطانيا تلميع صورتها كدولة ديمقراطية تحترم القانون الدولي، تكشف شهادات الجنود السابقين عن جرحٍ مفتوح في ذاكرة الشعوب التي خضعت للاحتلال أو التدخل العسكري.

هذه الاعترافات، إن وُجهت بمعالجة قانونية وجدية، قد تكون الخطوة الأولى نحو مصالحة تاريخية تعترف بالضحايا وتعيد تعريف المسؤولية الأخلاقية للحروب.