الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع التقارب الهندي الصيني

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينج

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تشكل مؤشرات التقارب الهندي–الصيني سعيًا من الطرفين لتجاوز التحديات التي شكّلت عائقًا أمام تطوير مسيرة التعاون بينهما، والتي يأتي في مقدمتها قضايا الحدود، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحروب التجارية التي فرضها الرئيس ترامب على الأقطاب الاقتصادية وفي مقدمتها الصين والهند، مما عمّق من معضلة التعاون الهندي–الأمريكي القائم على ركائز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين لموازنة الصعود الصيني ومحاولة احتوائه. وقد انعكس ذلك التقارب في مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في فعاليات قمة شنجهاي التي استضافتها بكين يومي 31 أغسطس و1 سبتمبر 2025، والتي مثّلت الزيارة الأولى لمودي إلى الصين منذ ما يقرب من خمس سنوات، بعد توتر العلاقات بين الجانبين على خلفية المناوشات الحدودية بينهما في يونيو 2020، والتي أدت إلى قطيعة سياسية وتوترات عسكرية، خفّف من حدتها لقاء شي ومودي في 2024 على هامش قمة بريكس بكازان في روسيا، وتوصلهما إلى اتفاق لتسيير دوريات على الحدود. ويثير ذلك التقارب تساؤلًا محوريًا حول دوافعه، وحدوده، ومدى انعكاسه على العلاقات الاستراتيجية للهند مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن ماهية التحديات التي تواجهه.

دوافع متنوعة
ثمة دوافع متعددة للتقارب الهندي–الصيني خلال الآونة الأخيرة، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) الرغبة في إدارة الخلافات الحدودية: وُصف اللقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة شنغهاي للتعاون التي استضافتها بكين 2025 بأنه نقطة تحول تاريخية في مسار العلاقات بين البلدين، حيث تعهدا بإدارة الخلافات الحدودية. وهو ما عبّر عنه مودي بالقول إن أجواء من السلام والاستقرار نشأت على الحدود المتنازع عليها في منطقة جبال الهيمالايا بين بلاده والصين، وأنه تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين فيما يتعلق بإدارة الحدود واستئناف الرحلات الجوية التي تم تعليقها بين الجانبين في عام 2020.

(*) تبادل المنافع الاقتصادية: يشكل تبادل المنافع الاقتصادية بين الصين والهند أحد دوافع التعاون بينهما، فهما يمثلان معًا 2.8 مليار نسمة. وقد أضحت الهند منذ إبريل 2023 الدولة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان، ليصل تعداد سكانها إلى 1.4276 مليار نسمة لتحتل المرتبة الأولى عالميًا وتتخطى الصين التي يقدَّر عدد سكانها بـ1.4256 مليار نسمة. وتشير التوقعات الاقتصادية للنمو العالمي إلى أن الهند في عام 2050 ستكون قطبًا مؤثرًا على الساحة الاقتصادية الدولية، لكنها ستظل بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي مع احتمالية تفوقها على اليابان والبرازيل وروسيا. ومن المحتمل أن تتخطى ألمانيا في الناتج الإجمالي المحلي عام 2025 واليابان عام 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. في المقابل يأتي الاقتصاد الصيني ليحل في المرتبة الثانية على المستوى العالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ما تزال الولايات المتحدة تحافظ على مكانتها كأكبر اقتصاد عالمي، ففي عام 2023 بلغ الناتج المحلي الأمريكي الإجمالي 26.9 تريليون دولار، في حين جاءت الصين في المركز الثاني بناتج محلي إجمالي بلغ 17.7 تريليون دولار. وقد شكّلت القدرات الاقتصادية المتنامية لكل من الصين والهند مرتكزات لتعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل المنافع بينهما. فعلى سبيل المثال، تستورد الهند المكونات الدوائية الفعالة من الصين لخدمة صناعاتها الدوائية المتنامية، كما تعتمد أيضًا على الصين في استيراد مغناطيسات المعادن النادرة لتحقيق أهدافها الطموحة في قطاع السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات. كما وفرت استثمارات الشركات الصينية في الهند رأس مال وفرص عمل جديدة. أما المنافع التي تعود على الصين فإنها ترتبط بالمقومات الهندية كسوق استهلاكية رئيسية تسهم في امتصاص فائض الإنتاج الصيني، فالهند على سبيل المثال تعد ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم بمبيعات تقارب 4.3 ملايين سيارة في عام 2024. لذلك أعلنت شركة BYD عن طموحاتها للاستحواذ على 40% من سوق السيارات في الهند، كما ضخت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة مليارات الدولارات في منظومة الشركات الناشئة في الهند.

(*) حروب ترامب التجارية: أدت حروب الرئيس ترامب التجارية، ومنها فرض رسوم جمركية على الهند والصين، إلى تعزيز التقارب بين البلدين، لاسيما أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الهند تبلغ 65 مليار دولار سنويًا. وهو ما يشكل تراجعًا عن دور العامل الشخصي بين ترامب ورئيس الوزراء الهندي في تعزيز العلاقات بين الجانبين، وتبلور قناعة أمريكية مفادها أن الهند من الممكن أن تحل محل الصين كمصدر رئيسي لسلاسل الإمداد وتنفيذ توجهات السياسة الأمريكية في منطقة الإندوباسيفيك. لذلك جاء تعليق ترامب على صورة للزعماء الثلاثة: شي ومودي وبوتين، على خلفية لقائهم على هامش قمة شنغهاي للتعاون التي استضافتها بكين مطلع سبتمبر 2025، على منصة "تروث سوشيال" في 4 سبتمبر 2025، قائلًا: "يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا لصالح الصين الأكثر دهاءً وشرًّا.. أتمنى لهما مستقبلًا مزدهرًا معًا لفترة طويلة". هذا التأرجح في توصيف العلاقات الهندية–الأمريكية من جانب ترامب يكشف عن موقع الحلفاء في استراتيجيته، وما أصابها من تدهور بسبب سياساته الاقتصادية وحروبه التجارية التي تعمّق من أزمات النظام الاقتصادي العالمي الذي من المفترض أن يقوم على الحرية الاقتصادية والحد من القيود الحمائية.

تحديات ماثلة
على الرغم من وجود فرص للتعاون والتقارب الهندي–الصيني، فإن ثمة تحديات لذلك التقارب يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) تحالف كواد: تعد الهند حليفًا آسيويًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسعى واشنطن لتعزيز مكانة الهند لمحاصرة الصعود الصيني. وقد تجلى ذلك في تشكيل العديد من التحالفات في منطقة الإندوباسيفيك، وفي مقدمتها تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا واليابان والهند، والذي أُنشئ عام 2007 وأعيد تفعيله عام 2017؛ لاحتواء الصين والوقوف أمام صعودها العسكري والاقتصادي. وهو ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشيد مؤخرًا برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، واصفًا إياه بأنه رئيس وزراء عظيم، مشيرًا إلى العلاقات المتميزة بين البلدين، قائلًا للصحفيين في 5 سبتمبر 2025: "سأكون دائمًا صديقًا لمودي، إنه رئيس وزراء عظيم، سأكون دائمًا صديقًا له، لكنني فقط لا أحب ما يفعله في هذه اللحظة بالذات." إلا أن الهند والولايات المتحدة تربطهما علاقة خاصة لا يوجد ما يدعو للقلق بشأنها.

(*) التنافس الاقتصادي: تسعى الصين في ظل انفتاحها على التصنيع والتجارة العالمية إلى تحسين علاقاتها مع الهند، حيث سعت لضمها إلى مبادرة "الحزام والطريق" بعدما انخرطت الدول المجاورة للهند في المبادرة، إلا أن موقف الهند ظل ثابتًا في رفض الانضمام إليها، معتبرة إياها مشروعًا توسعيًا من جانب الصين. لذلك يشكل التنافس الاقتصادي، برغم وجود مساحات للتعاون، تحديًا رئيسيًا بين العملاقين الاقتصاديين، فكل منهما يمتلك قاعدة صناعية متطورة يسعى من خلالها للاستثمار في الأسواق الناشئة، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، والتنافس على الأسواق التي تستوعب منتجاتهما من الصناعات المتقدمة كالبرمجيات والسيارات والإلكترونيات والمنسوجات وغيرها في العديد من قطاعات التصدير.

مجمل القول: هناك العديد من مقومات التقارب بين الصين والهند باعتبارهما من الأقطاب الاقتصادية الصاعدة على المستوى الدولي، حيث يسهم ذلك التقارب في مواجهة الصين للضغوط الغربية، في ظل إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، ويحد من انخراط الهند في تحالفات معادية للصين، مما يعزز من التوازن الجيوسياسي في منطقة جنوب آسيا. وهو ما سينعكس على تعزيز الاستقرار في منطقة آسيا ليصبح القرن الحادي والعشرين قرنًا آسيويًا كما تنبأت التحليلات.