طارق الشناوي: الشخصيات النفسية جاذبة وتثير الاهتمام
ماجدة موريس: تفتح أبوابًا لفهم أعمق للأزمات النفسية وكيفية التعامل معها
ملك زاهر: استعنت بطبيب نفسي في أحدث أعمالي
لاقت الدراما النفسية اهتمامًا واسعًا في السنوات الأخيرة، وأصبح من الواضح أن المسلسلات والأفلام المصرية تولي أهمية متزايدة في طرح قضايا الصحة النفسية، من خلال تقديم شخصيات معقَّدة ذات خلفيات نفسية متنوعة، تسعى هذه الأعمال إلى تسليط الضوء على الأمراض النفسية مثل الذهان والوسواس القهري واضطرابات الشخصية، ما يُسهم في رفع الوعي المجتمعي بشأن هذه القضايا وتقديمها بشكل يتسم بالواقعية والتعاطف.
تُعد الأعمال الفنية التي تتناول الأمراض النفسية بمثابة مرآة للمجتمع، تسهم في إظهار التحديات النفسية التي يواجهها الأشخاص في حياتهم اليومية، إذ تسلط الضوء على قضايا الصحة النفسية بشكل دقيق، ما يساهم في تغيير النظرة الاجتماعية للأمراض النفسية ويدعو للتعاطف معها بدلاً من الوصم.
من أبرز الأمثلة على الدراما النفسية الحديثة، الفنانة تارا عماد التي خطفت الأنظار بتقديم دور مريضة ذهان في حكاية "Just You" ضمن مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"، فكانت الحكاية بمثابة تحول جذري في مسيرتها الفنية، إذ صدمت في نهاية الحكاية الجمهور بالكشف عن أن الشخصية التي كانت تتبعها طوال الحلقات ليست سوى خيال مريض ذهاني، وتكشف نهاية القصة أن البطلة لم تكن كما تظهر، بل كانت سيدة مسنّة، فتأخذ المشاهدين في رحلة نفسية معقدة تكشف عن التشوهات التي تصاحب الذهان.
تدور أحداث "Just You" حول الصحفية سارة التي تُواجه سلسلة من الأحداث الغامضة تُخرِج حياتها عن السيطرة وتضعها في مواجهة مع الذهان، وتُعد هذه الحكاية الجزء الثالث في المسلسل الذي يتضمن سبع قصص نفسية مختلفة.
محمد حجاب كتب القصة، بينما أخرجها خالد سعيد، ورغم أن المسلسل يقدم مجموعة من الوجوه الشابة، إلا أن العمل لاقى صدى واسعًا لدى الجمهور بفضل الأداء المميز لكل من: تارا عماد، وبسمة داود، ومحمد جمال، ووفاء صادق، وجميعهم نجحوا في تقديم مواقف نفسية معقدة بمهارة فنية.
في خطوة جديدة، يواصل أحمد خالد صالح رحلته الفنية مع الدراما النفسية من خلال مسلسل "قتل اختياري"، ويجسد شخصية مريض يعاني من الوسواس القهري (OCD)، هذه الشخصية تتسم بتحديات نفسية كبيرة تتطلب تجسيدًا دقيقًا، إذ يقدم صالح شخصية تُعاني من سيطرة الأفكار المقلقة واللا منطقية التي تؤثر بشكل كبير على حياته اليومية، وأيضًا تشارك ركين سعد في البطولة، ما يعد تحديًا آخر لتمثيل هذا النوع من الحالات النفسية المعقدة.
أما الفنانة ملك أحمد زاهر، فتجسد في مسلسل "أزمة ثقة" شخصية فتاة جامعية تمر بتحولات نفسية عميقة، دفعتها إلى اللجوء إلى طبيب نفسي حقيقي لدراسة الشخصية بشكل دقيق.
في تصريحاتها لموقع "القاهرة الإخبارية"، أكدت زاهر أنها استعانت بطبيبة نفسية لتفهم أبعاد شخصية الدور، التي تتعرض لتقلبات نفسية حادة، وقالت إن هذا " التعقيد النفسي" في شخصيتها تطلَّب منها فهمًا عميقًا لحالة المريض النفسي، وهو ما ساعدها على تقديم الشخصية بشكل صادق.
لا يتوقف المرض النفسي عند معاناة صاحبة ولكنه قد يمتد إلى إيذاء الأخرين، مثلما قدمت هنا الزاهد في مسلسل "إقامة جبرية"، عندما جسدت دور مريضة نفسية تعاني من اضطرابات نفسية ناتجة عن العنف المنزلي.
الشخصية تعيش في حالة من القلق الدائم، والانتقام من كل من حولها وتصل إلى القتل بسبب التراكمات النفسية السلبية، وقدمت "الزاهد" هذه الشخصية المريضة بتفاصيل دقيقة تُظهر كيف يمكن أن تؤثر الضغوط النفسية على تصرفات الإنسان.
في خطوة جديدة من نوعها، يقدِّم أحمد الفيشاوي شخصية سفاح في فيلم "سفاح التجمع"، الذي يروي قصة حقيقية لشخص يعاني من اضطراب نفسي ويُقدم على ارتكاب جرائم قتل بشعة انتقامًا من زوجته، ويتحدى الفيشاوي في هذا العمل تقديم شخصية معقدة نفسيًا، تزداد صعوبة من خلال الجريمة المروعة التي يرتكبها بدم بارد، ما يضيف أبعادًا إنسانية مظلمة لشخصيته.
ومن جهته، قال الناقد الفني طارق الشناوي إن الدراما النفسية تلعب دورًا محوريًا في جذب انتباه المتلقي، خاصة عندما تتناول شخصيات تعاني من اضطرابات نفسية معقدة.
وأضاف الشناوي أن المرض النفسي، مثل الذهان أو انفصام الشخصية، يعد من الأساسيات التي تساهم في تشكيل هذه الشخصيات التي غالبًا ما تتخذ أبعادًا غير تقليدية في الأعمال الدرامية، لا سيما في الأفلام والمسلسلات التي تسفر عن جريمة وتعرض شخصيات السفاحين.
في تصريحاته لموقع "القاهرة الإخبارية"، أشار "الشناوي" إلى أن هذه الشخصيات، مثل "شريف" في فيلم "سفاح التجمع"، الذي يجسده أحمد الفيشاوي، وهو يتمتع بذكاء خارق وميل نحو السادية، تجد نفسها في متعة تعذيب الآخرين واللعب بعقولهم.
وأضاف قائلًا: "الشخصيات النفسية المعقدة مثل هذه تثير الاهتمام، ليس فقط بسبب سلوكياتها العنيفة، بل لأنها تعكس صراعًا داخليًا بين العقل والجنون، وبين الذكاء والتعذيب".
وتابع الشناوي: "كما في شخصية السفاح محمود أمين من رواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب)، التي كان يُنظر إليها على أنها شخصية ذكية، لكن معقدة في دوافعها النفسية. هذه الشخصيات تجمع بين الذكاء الاستثنائي والنزعة السادية، ما يجعلها جذابة للغاية من الناحية الفنية، لأنها تقدم سلوكًا غير تقليدي يكشف عن أبعاد خفية للعقل البشري".
وأضاف: "الدراما النفسية لا تقتصر على جذب الجمهور من خلال الإثارة، بل أيضًا على قدرة المشاهدين على التوحد مع الشخصيات أو حتى رفضها.. لذلك نجد أن المعالجة الفنية والإخراج يلعبان دورًا كبيرًا في كيفية تقديم هذه الشخصيات على الشاشة بشكل مقنع وواقعي، إذ يمكن أن يرتبط الجمهور بمشاعر متناقضة تجاه هذه الشخصيات، سواء بتعاطف أو نفور".
أكد الشناوي أن الدراما النفسية قد تكون أكثر من مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة مهمة لفهم الجانب المظلم للنفس البشرية وكيفية تأثير الأمراض النفسية على سلوك الفرد.
بينما أشارت الناقدة الفنية ماجدة موريس إلى أهمية دور الدراما في تسليط الضوء على الأمراض النفسية وتأثيرها على الأفراد والمجتمع، وأكدت أيضًا أهمية الأعمال الفنية في تقديم توعية فعالة حول هذه القضايا التي غالباً ما تكون غامضة وغير مفهومة للكثيرين.
أوضحت "موريس"، في تصريحاتها لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن الأعمال الدرامية تلعب دورًا مهمًا في توعية الجمهور حول الأمراض النفسية، قائلة: "الدراما جزء من حياتنا اليومية، وأحد وظائفها الأساسية هي تقديم نوع من التوعية للمشاهدين حول القضايا التي قد تكون غامضة بالنسبة لهم، مثل الأمراض النفسية".
وأضافت أن الكثير من الناس لا يملكون معلومات كافية حول هذه الأمراض، وقد تكون الصورة الذهنية عن المريض النفسي مشوشة أو محورية حول مجرد أن الشخص "مريض"، لذا فإن وجود أعمال درامية تقدم تفاصيل دقيقة عن الأمراض النفسية يعزز من فهم المجتمع لهذه القضايا.
أشارت "موريس" إلى أن المرض النفسي ليس مجرد أعراض جسدية يمكن رؤيتها، بل هو تجربة داخلية معقدة لا يستطيع الكثيرون فهمها بشكل جيد، وقالت: "المرض النفسي لا يظهر على سطح الإنسان فقط، بل هو معاناة داخلية قد تكون شديدة ومعقدة، ولذلك فالتعامل معه في الواقع يكون صعبًا جدًا".
وأوضحت أن الطبيب النفسي، رغم تخصصه، يظل محاطًا بالعديد من القيود المهنية التي تمنعه من التحدث علنًا عن حالات مرضاه، ما يزيد من صعوبة فهم المجتمع لهذا الموضوع، لذلك يصبح الفن والدراما الخيار الأنسب لإيصال رسائل حول كيفية التعامل مع الأزمات النفسية بشكل مبسط.
تطرقت الناقدة إلى أهمية الدراما النفسية في عرض كيف يمكن أن تؤثر الأزمات النفسية على سلوكيات الأفراد، وقالت: "الدراما التي تقدم شخصيات تعاني من أمراض نفسية تساعد في فتح الأفق لفهم سلوكيات هؤلاء الأشخاص، وكيف يمكن لهذه الأزمة أن تؤثر على حياتهم اليومية، وتدفعهم إلى الانعزال عن العالم".
وأشارت إلى أن هذه الأعمال الفنية تسهم في تكوين وعي مجتمعي جديد حول كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية، مشيرة إلى أنه من الضروري أن يتعلم الناس كيفية تقديم الدعم والتفاهم مع هؤلاء الأفراد بدلاً من وصمهم.
أكدت ماجدة موريس أن الدراما النفسية تسهم في تقديم مفاهيم جديدة للمجتمع حول كيفية التعامل مع الأمراض النفسية، واعتبرت أن هذه الأعمال تلعب دورًا محوريًا في تغيير النظرة المجتمعية لهذه القضايا، وتوفير حلول فعالة للتعامل مع المصابين بها.
وقالت: "الدراما تلعب دورًا حيويًا في رفع الوعي الثقافي وتوسيع مدارك الناس حول القضايا النفسية، كما تساعد في تقديم تصورات أفضل وأعمق عن كيفية دعم المرضى النفسيين وفهمهم بشكل أفضل".