بين أنقاض مدينة غزة، التي تحولت بعد عامين من الحرب إلى أطلال، يستعد الجيش الإسرائيلي لواحدة من أكثر العمليات تعقيدًا لبدء عملية الاستيلاء على غزة وتهجير مليون فلسطيني قسريًا من شمال القطاع وتفكيك البنية التحتية المعقدة لشبكة أنفاق يصفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها "مترو تحت الأرض في غزة".
وبينما يستعد الفلسطينيون للنزوح القسري، يترقب جيش الاحتلال الإسرائيلي مواجهة عناصر المقاومة الفلسطينية التي تتخفى في دهاليز المدينة المدمرة.
معركة معقدة
بحسب ما نقلته شبكة CNN، أكد مصدر عسكري إسرائيلي أن الجيش لا يزال يجهل العدد الدقيق لمقاتلي حماس الموجودين داخل مدينة غزة، رغم مرور نحو عامين على اندلاع الحرب، وأوضح المصدر أن جيش الاحتلال لم يتمكن حتى الآن من تنفيذ مناورة واسعة داخل المدينة، وهو ما يجعل المعركة المقبلة شديدة التعقيد.
وبحسب قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، يتعين على الجيش إجلاء ما يقارب مليون فلسطيني قبل بدء المناورة، مع تحديد السابع من أكتوبر المقبل موعدًا نهائيًا، تزامنًا مع مرور عامين على بداية الحرب، وفي هذا السياق، قال المصدر العسكري: "الحركة تعلم أننا قادمون، وهم يستعدون لذلك".
أنفاق معقدة
وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس غزة بأنها "عاصمة حماس"، مهددًا بـ"فتح أبواب الجحيم" في وجه الحركة، ووفقًا لمصدر عسكري تحدث لشبكة CNN، فإن شبكة أنفاق حماس أشد تعقيدًا مما كان متوقعًا، إذ تضم مقرات استراتيجية وأنفاقًا تكتيكية تستخدم للحركة السريعة وشن هجمات مفاجئة، وأضاف المصدر أن جيش الاحتلال يخطط بعد إخلاء المدينة إلى شن قصف مكثف على أهداف لم تستهدف من قبل، بسبب الكثافة السكانية.
وأوضحت شبكة CNN أن غزة كانت تُعد العاصمة الفعلية لحماس منذ سيطرتها على القطاع عام 2007، وقبل الحرب، استخدمت الأنفاق بشكل رئيسي لتهريب البضائع، مما أتاح للسكان نافذة محدودة على العالم الخارجي، ورغم صعوبة المعيشة، إلا أن الحياة المدنية استمرت، حيث كان بإمكان السكان شراء منتجات تعد شديدة الرفاهية.
لكن بعد عامين من القصف المتواصل، تحوّلت مدينة غزة، التي كانت المركز الاقتصادي للقطاع، إلى مدينة مدمرة يعيش سكانها في ظروف قاسية من انعدام الأمن والفوضى، إذ يختبئ معظم السكان اليوم في المباني المهدمة أو المخيمات، فيما تنتشر الفوضى في الشوارع.
ظهور غامض
تؤكد شبكة CNN أن الجيش الإسرائيلي شنّ "عشرات الآلاف من الغارات" على مدينة غزة، ما أدى إلى تدمير معظم مبانيها، وباتت مياه الصرف الصحي تتدفق في الشوارع، وأكوام القمامة تتكدس، فيما يتصاعد الدخان الأسود من مواقع متعددة نتيجة احتراق الخشب والبلاستيك، وبينما تملأ أصوات الطائرات المسيّرة والانفجارات أجواء المدينة، يعيش السكان في خوف دائم.
ويقول سكان غزة إن حماس، التي كانت تسيطر بوضوح على الشوارع، اختفت من المشهد العلني، بينما يختبئ عناصرها خشية الاستهداف، وقال أبو محمد، أحد سكان غزة وفق شبكة CNN: "الوضع لم يعد كما كان في السابق، وأحيانًا يظهرون فجأة دون أن نعرف من أين".
وبحسب شهادات السكان، لم يعد لأعضاء حماس مقرات ثابتة، بل يعتمدون على طرق سرية للتنظيم والتواصل، وهو ما يجعل حضورهم غامضًا.
فوضى اقتصادية
تتحدث الشهادات الواردة في تقرير CNN عن انهيار كامل في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، ويدفع المقتدرون أموالًا طائلة لتشغيل المولدات الكهربائية، بينما تباع السلع الأساسية بأسعار لا يقدر معظم السكان على تحملها، وغالبًا ما تتعرض البضائع للنهب على أيدي العصابات، كما توقفت المستشفيات والصيدليات عن العمل، في وقت يعاني فيه السكان من انتشار الأمراض وسوء التغذية.
وفي الليل، تتحول شوارع غزة إلى ساحة للعصابات، حتى الخدمات المالية أصبحت خاضعة لسلطات غير رسمية، حيث يعمل بنك سري يفرض عمولة تصل إلى 50% على من يريد الحصول على السيولة النقدية.
ورغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي أنه أمر الجيش بالسماح للصحفيين بالدخول إلى غزة، إلا أن شبكة CNN أشارت إلى أن هذا القرار لم يُنفذ عمليًا.