مدينة غزة هي مركز القطاع، واضطلعت بدور بطولي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، إلى التعبير عن أمنيته بأن يصحو يومًا فيجد البحر ابتلعها.
تعرضت المدينة إلى تدمير واسع خلال سلسلة من الحروب التي شنَّها جيش الاحتلال الإسرائيلي، كان أعنفها حرب "السيوف الحديدية" التي بدأتها إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها الفصائل بمستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023.
احتل الجيش الإسرائيلي المدينة عام 1967، وصادر مساحات شائعة من أراضيها، وبنى فيها العديد من المستوطنات، وكان للسكان دور بطولي في التصدي للاحتلال.
انخرط سكان المدينة بقوة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وتحول حي الشجاعية -أكبر أحياء غزة- إلى ساحة مواجهة مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
وعلى إثر اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، سُلمت المدينة للسلطة الفلسطينية، لكن بعض أراضيها بقيت تحت سيطرة الاحتلال وبنى عليها مستوطنات.
في عام 2000 شارك أهالي المدينة بقوة في انتفاضة الأقصى، وكان لهم الدور البطولي الأبرز في تطور أساليب المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في سبتمبر 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، وعلى الرغم من هذا الانسحاب، أبقت إسرائيل حصارها على مدينة غزة، برًا وبحرًا وجوًا.
أما في عام 2007، فتعرضت غزة مثل غيرها من مدن القطاع إلى حصار إسرائيلي خانق أثر في الأوضاع الاقتصادية ودمَّر معظم مقوماتها، لكن أهلها لم يستسلموا لظروف الحصار، فدشنوا مرحلة عنوانها إعادة إعمار المدينة وتأهيل بنيتها التحتية ورصف شوارعها الرئيسية مثل شارع الرشيد، فضلًا عن إنشاء العشرات من المشروعات الهامة.
وتعرضت المدينة لتدمير كبير متعمد خلال الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدءًا من حرب 2008 مرورًا بحربي 2012 و2014 ثم 2023، بهدف محاولة النيل من سكانها وإنهاء مقاومتهم.
يوم 7 أكتوبر 2023، نفذت الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" ضد مستوطنات غلاف غزة، فردَّت إسرائيل بشن عدوان واسع على القطاع.
ومثل باقي مدن القطاع، استهدف الاحتلال الإسرائيلي مدينة غزة بغارات واسعة النطاق لم يسلم منها المدنيون ولا المستشفيات ولا المدارس ولا الأماكن التراثية ولا المساجد.
تلا ذلك هجوم بري على المدينة بدأته قوات الاحتلال من "محور نتساريم" وجرَّفت أثناءه مساحات واسعة في محيط الممر وصلت لعمق 3 كيلومترات على جانبه الشمالي والجنوبي، من أجل تشكيل نقطة ارتكاز لجيشها.
كما فصلت مدينة غزة عن جنوب القطاع وأخضعتها لحصار مشدد، ومنعت دخول أي مساعدات إنسانية إلى السكان، ودمرت الأحياء السكنية وبنيتها التحتية بشكل شبه كامل. كما قصفت تجمعات النازحين.
وشهدت المدينة واحدة من أبشع المجازر، عندما قصفت طائرات الاحتلال المستشفى المعمداني في 17 أكتوبر 2023، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال الذين اتخذوا من المستشفى ملاذًا من الغارات الإسرائيلية.
وفي 14 نوفمبر من العام نفسه، اقتحمت القوات الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي وحولته إلى ثكنة عسكرية بعد حصار دام أيامًا عدة، وقتلت عشرات الأشخاص واعتقلت آخرين، ثم انسحبت منه بعد 10 أيام على الاقتحام.
عاود جيش الاحتلال اقتحام المستشفى مرة أخرى في 18 مارس 2024، فقتل 200 واعتقل 500 آخرين، كما دمر كل الأجهزة والمستلزمات الطبية، وانسحب منه بعد أسبوعين من الاقتحام والحصار.
كذلك شهدت المدينة مجزرة دوار النابلسي يوم 29 فبراير 2024، بعدما أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه تجمع فلسطينيين كانوا ينتظرون وصول شاحنات المساعدات، مما أدى لاستشهاد 118 فلسطينيًا وإصابة 760.
وفي 10 أغسطس 2024، قصفت طائرات الاحتلال بـ3 صواريخ نازحين كانوا يؤدون صلاة الفجر في مدرسة "التابعين" بحي الدرج وسط مدينة غزة، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة العشرات.
في المقابل، شهدت أحياء المدينة عمليات عسكرية لكتائب القسام-الجناح العسكري لحركة حماس وغيرها من الكيانات المسلحة، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي ودباباته، ما أسفر عن خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.
وفي 9 فبراير 2025، أكمل الاحتلال انسحابه من المدينة، بعدما انسحبت آلياته من محور "نتساريم" في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ليتمكن عشرات الآلاف من السكان الذين أجبروا على النزوح جنوبًا من العودة إلى ديارهم.
تقع مدينة غزة شمال قطاع غزة، في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، بمساحة تبلغ نحو 56 كيلومترًا مربعًا، وتبعد عن مدينة القدس المحتلة مسافة 78 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي، وتحدها من الشمال محافظة شمال غزة ومن الجنوب المحافظة الوسطى ومن الشرق إسرائيل ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط.
تعد مدينة غزة مركزًا اقتصاديًا مهمًا، إذ يرتكز الثقل الاقتصادي للقطاع فيها، وتوجد فيها العشرات من المصانع والشركات، وتشتهر المدينة بالزراعة، خاصة محاصيل القمح والشعير والزيتون والعنب والطماطم والفراولة والليمون والبرتقال والأزهار. ويربي سكانها نسبة قليلة من الأغنام والماشية، كما تشتهر المدينة بصناعة الصابون والفخار والجلود، وصناعة الغزل والتطريز والنسيج والملابس والأثاث المصنوع من الخيزران، إضافة إلى الزجاج.
وتعد السياحة على البحر الأبيض المتوسط أحد أعمدتها الاقتصادية، إذ أنشئت الكثير من المشروعات السياحية على شاطئه، مثل الفنادق والمطاعم والمقاهي الشعبية وغيرها، إضافة إلى نشاط صيد الأسماك.
وأثر الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2007، وما صاحبه من حروب، على اقتصاد المدينة الذي تعرض إلى تدمير شبه كامل.
واليوم، أصبحت مدينة غزة أطلالًا بعد أن دمرها هجوم إسرائيلي وحشي استمر شهورًا، وحولت عشرات الآلاف من الغارات الإسرائيلية أبراج المدينة العديدة إلى أنقاض، بينما غمرت القمامة ومياه الصرف الصحي الشوارع. وملأ الدخان الأسود الناجم عن حرق البلاستيك والخشب -اللذين يستخدمهما السكان كوقود- السماء، وأصوات الطائرات الإسرائيلية المسيرة تدوي بلا انقطاع، وسط انفجارات ناجمة عن غارات جوية قريبة.
ويستعد الجيش حاليًا لاحتلال مدينة غزة، ويزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها واحدة من آخر معاقل حماس. وقال مصدر إسرائيلي هذا الأسبوع إن الجيش سيمنح الفلسطينيين مهلة شهرين تقريبًا لإخلاء المنطقة المكتظة بالسكان قبل بدء الهجوم، وحدد موعدًا نهائيًا رمزيًا في 7 أكتوبر، وهو الذكرى السنوية الثانية للحرب.