الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من هتلر إلى بودابست.. تاريخ أوروبا شبح يخيم على مستقبل أوكرانيا

  • مشاركة :
post-title
مستقبل أوكرانيا يواجه 3 أشباح في التاريخ

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

كييف تواجه الأسوأ.. 3 أشباح في التاريخ تطارد مستقبل أوكرانيا

تحمل صفحات التاريخ سيناريوهات مشابهة لتلك التي تعيشه أوكرانيا حاليًا، إذ كانت مسرحًا دائمًا للصراع، كأنها محكومة بأن تعيش على خط التماس بين الطموحات الإمبراطورية والتوازنات الدولية، فالتاريخ ظل يكرر نفسه بأشكال مختلفة من تقسيمات القياصرة، إلى اجتياحات ستالين، وصولًا إلى الحرب الروسية التي انطلقت عام 2022.

معارك أوكرانيا

وحسب "سي إن إن" فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل من التاريخ سلاحًا سياسيًا، فقبل أشهر من شن الهجوم الشامل على أوكرانيا، نشر مقالًا مطولًا تجاوز خمسة آلاف كلمة، دعا فيه صراحة إلى تفكيك أوكرانيا وإنهاء وجودها كدولة مستقلة، وعندما أعلن بدء الحرب في فبراير 2022، قدّم خطابه على أنه رد تاريخي على "مظالم الغرب" ضد روسيا.

وبعد شهور قليلة، شبّه بوتين نفسه بالقيصر بطرس الأكبر، مروجًا لفكرة أنه يستكمل "المهمة الإمبراطورية" في استعادة أراضي روسيا التاريخية، وهذا الاستخدام المكثّف للتاريخ جعل الحرب الحالية مشبّعة بالرمزية.

ويشير محللو "سي إن إن" إلى أن الساسة والخبراء يبحثون باستمرار عن نماذج تاريخية لفهم اللحظة الراهنة، وبرغم أن التشبيهات لا تكون دقيقة بالكامل، فإن ثلاثة أحداث بارزة من القرن العشرين تطرح نفسها بقوة لفهم السياق الحالي، هي ميونخ 1938، ويالطا 1945، وبودابست 1994.

رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نيفيل تشامبرلين في مطار هيستون بعد لقائه مع هتلر في ميونيخ
ميونخ 1938

تشكّل اتفاقية ميونخ النموذج الأكثر استدعاء عند الحديث عن المخاطر التي تحيط بالدبلوماسية الحالية بشأن أوكرانيا، ففي عام 1938، وافق رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين وقادة أوروبيون آخرون على التنازل لألمانيا النازية عن منطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا، على أمل تفادي اندلاع حرب كبرى، لكن النتيجة كانت العكس تمامًا، إذ اعتبر أدولف هتلر ذلك استسلامًا غربيًا شجعه على التوسع أكثر فأكثر، حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، حسب وصف الشبكة البريطانية.

اليوم، يشبّه بعض منتقدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساعيه لعقد صفقات مع بوتين في ألاسكا بسلوك تشامبرلين عام 1938، فقد أبدى ترامب استعدادًا للقاء بوتين بشكل مباشر، وألمح إلى أن أوكرانيا قد تضطر إلى القبول بخسارة بعض أراضيها من أجل إنهاء الحرب.

وكتب السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال على منصة "إكس": "التفكير السحري لترامب يهدد بتكرار خطأ ميونخ البطيء، مكررًا بذلك مأساة الاسترضاء، وهو تدليل قاتل متعطش للدماء بقطع من الأرض ووعود بحُسن السلوك لم يجلب السلام في عصرنا، ولن يجلب لترامب جائزة نوبل للسلام أكثر مما جلبها لتشامبرلين".

ويذهب المحللون العسكريون أبعد من ذلك، محذرين من أن السماح لروسيا بالاحتفاظ بمناطق محتلة، مثل بقية إقليم دونيتسك، سيقوّض البنية الدفاعية الأوكرانية، فالسيطرة الروسية على مدن مثل سلوفيانسك وكراماتورسك ستجعل من الصعب على كييف الدفاع عن نفسها، تمامًا كما جعلت صفقة ميونخ تشيكوسلوفاكيا بلا دفاع تقريبًا.

مؤتمر يالطا عام 1945
يالطا 1945

أما المحطة الثانية فهي مؤتمر يالطا الذي انعقد في فبراير 1945، وجمع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، وكان الهدف رسم ملامح النظام الأوروبي بعد هزيمة ألمانيا النازية، ورغم أنه اعتُبر آنذاك نجاحًا دبلوماسيًا، فإن تقييمًا لاحقًا، خصوصًا من منظور أوروبا الشرقية، يرى فيه بداية إخضاع ملايين البشر لسيطرة الاتحاد السوفييتي خلف "الستار الحديدي".

وحسب "سي إن إن" فإن بعض المراقبين يخشون أن يسعى ترامب إلى إعادة إنتاج "يالطا جديدة" مع بوتين، من خلال صفقة كبرى يتم التفاوض عليها دون مشاركة فعلية من الأوكرانيين أنفسهم.

وفي منشور على "إكس"، كتب السفير الأمريكي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول: "لا يمكن لاجتماع ترامب وبوتين في ألاسكا أن يصبح نسخة مكررة من يالطا، آمل أن يبذل ترامب ووزير الخارجية روبيو وفريقهما جهودًا لجعل القمة ذات معنى، لا لحظة استسلام".

بوتين نفسه لا يخفي إعجابه بمثل هذه الصفقات الكبرى، ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، أشاد بمعاهدة يالطا، واعتبر أن النظام الذي أسس له ساعد العالم على تجنب "اضطرابات واسعة" لعقود طويلة.

المؤرخ سيرجي رادشينكو رد على ماكفول في نقاش عبر "إكس"، وأكد أن "تشبيه الوضع الحالي بيالطا غير دقيق تمامًا، لأن روزفلت في 1945 لم يكن يملك بدائل، بعدما سيطر السوفييت بالفعل على أوروبا الشرقية، ولم يكن أمامه سوى قبول وعود ستالين الزائفة بإجراء انتخابات حرة".

أما اليوم، فالولايات المتحدة ليست بحاجة لروسيا في أي ملف حيوي، وهي قادرة على دعم أوكرانيا لكبح طموحات موسكو، وكتب رادشينكو: "روسيا، بعيدًا عن غزو أوروبا الشرقية، لا تستطيع حتى غزو دونباس، لذا فهناك بدائل حقيقية اليوم، بخلاف ما كان متاحًا في يالطا".

موافقة أوكرانيا على التخلي عن الأسلحة النووية الموجودة بموجب مذكرة بودابست
بودابست 1994

المثال الثالث الذي يلاحق أوكرانيا هو مذكرة بودابست لعام 1994، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت أوكرانيا ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، وبموجب المذكرة، وافقت كييف على التخلي عن أسلحتها النووية مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا باحترام استقلالها ووحدة أراضيها.

لكن هذه الضمانات ثبت أنها غير ذات جدوى، ففي عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم دون أن تتحرك الأطراف الأخرى لحماية أوكرانيا، وفي 2022، شنت موسكو غزوا شاملا رغم تعهداتها السابقة.

وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن، قال الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو: "بصفتي رئيسا لأوكرانيا، حصلت على ضمانة أمنية في شكل مذكرة بودابست، هذا لم يجد نفعا، أي ضمانة أمنية أخرى غير ملزمة أمر غير مقبول"، في إشارة إلى أن كييف لم تعد تثق بالوعود المكتوبة ما لم تقترن بعضوية فعلية في تحالفات مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي.

هل يتكرر التاريخ؟

وتجد أوكرانيا ليوم نفسها عند مفترق طرق تاريخي جديد، فالضغوط تتزايد لعقد محادثات سلام، والخيارات المطروحة تعيد إلى الأذهان دروس ميونخ ويالطا وبودابست، والمخاوف تتراوح بين استرضاء روسيا بالتنازل عن أراضٍ، أو إبرام صفقة كبرى تتجاوز الأوكرانيين، أو الاكتفاء بضمانات أمنية شكلية لا تقي البلاد من أي غزو جديد.

ويخلص تقرير "سي إن إن" إلى أن أوكرانيا ليست فقط ساحة حرب عسكرية، بل هي أيضًا ساحة صراع تاريخي تتقاطع فيها ذاكرة الاسترضاء في ميونخ، وصفقات القوى الكبرى في يالطا، وخيبة الضمانات في بودابست.