عقب اجتماع بارز في البيت الأبيض جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى جانب سبعة قادة أوروبيين، سيطر القلق على القادة الأوروبيين من محاولات موسكو استعادة زمام المبادرة ومن تقلب مواقف واشنطن.
وحسب تقرير تحليلي صادر عن مركز "أتلانتيك كاونسل" الأمريكي للدراسات، فرض الأوربيون على نفسهم مسؤولية الحفاظ على الزخم وبناء إستراتيجية أكثر صلابة تضمن مصالحهم ومصالح أوكرانيا.
اجتماع البيت الأبيض
يشير "أتلانتيك كاونسل" إلى أن الاثنين الماضي كان يومًا جيدًا لفريق أوروبا، فقد سار اجتماع البيت الأبيض، الذي جمع ترامب وزيلينسكي وسبعة قادة أوروبيين بشكل إيجابي، على عكس القلق الذي رافق القمة الأمريكية الروسية السابقة في ألاسكا بين ترامب وبوتين.
وأسهمت الحملة الترويجية المنظمة، والرسائل السياسية الحثيثة، والخطاب القوي الذي تبناه الأوروبيون، في إنعاش مشهد الوحدة عبر الأطلسي لصالح دعم أوكرانيا، ومع ذلك، يحذّر التقرير من أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة، إذ يتعين على القادة الأوروبيين الاستمرار في الدفع باتجاه تحالف أطلسي متماسك.
قلق من قمة ألاسكا
وأوضح "أتلانتيك كاونسل" أن القمة الأخيرة في ألاسكا بين ترامب وبوتين أثارت قلقًا بالغًا في العواصم الأوروبية، فالقمة لم تحمل سوى ذرائع واهية ولم تقدم أي ضمانات ملموسة للأمن الأوروبي، بل إن بعض المعلقين شبهوها بمؤتمري ميونيخ ويالطا التاريخيين، اللذين ارتبطا في الذاكرة الأوروبية بالتنازلات أمام عدوان استبدادي، وما ترتب عليه من إخضاع ملايين الأشخاص لأنظمة حكم قمعية دون مشاركتهم في تقرير مصيرهم.
ولم تترك نتائج قمة ألاسكا مجالًا كبيرًا للتفاؤل، إذ تراجع ترامب عن شروط مسبقة كانت مطروحة مثل ضرورة وقف إطلاق النار قبل الدخول في مفاوضات، بل وتبنى فكرة السماح بتنازلات أوكرانية لأراضٍ غير محتلة من قبل الروس، ورغم محاولات القادة الأوروبيين إقناعه بالتراجع عن هذه المواقف، فإنها ظلت مصدر قلق متزايد في أوروبا.
زيارة زيلينسكي المفاجئة
يضيف التقرير أن زيارة زيلينسكي المفاجئة إلى واشنطن جاءت لتعيد إلى الأذهان كوابيس لقاء المكتب البيضاوي، فبراير الماضي، الذي كان كارثيًا من منظور أوروبي، وخشيت العواصم الأوروبية من سيناريو أسوأ يتمثل في فرض موسكو وواشنطن اتفاقًا مجحفًا على كييف.
ولمواجهة هذا الاحتمال، قرر الأوروبيون الاصطفاف خلف زيلينسكي وإرسال وفد رفيع المستوى ضم المستشار الألماني فريدريش ميرز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إضافة إلى الأمين العام لحلف الناتو مارك روته.
كانت الفكرة المتمثلة في إرسال هذا الوفد دعمًا لزيلينسكي خطوة إبداعية، ونجحت بالفعل في تعزيز صورته أمام ترامب وإظهار أوروبا ككتلة موحدة، كما أثمرت المحادثات عن تركيز مشترك على قضيتين محوريتين هما الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتكريس دور أمريكي قوي في تقديم ضمانات أمنية ذات معنى لكييف.
وحدة أوروبا
بحسب مركز "أتلانتيك كاونسل"، فإن السرعة التي تحرك بها القادة الأوروبيون لتنسيق مواقفهم وتحديد أولوياتهم أظهرت أوروبا في أبهى صورها ككتلة متماسكة تعمل على تعزيز الدعم الأطلسي لأوكرانيا وأنها مستعدة لتحمل نصيبها من الأعباء.
ورغم النجاح النسبي، يشير التقرير إلى أن القادة الأوروبيين لم يتمكنوا من إقناع ترامب بضرورة وقف إطلاق النار كشرط أساسي لأي تقدم في المفاوضات، وهذه النقطة تمثل إنذارًا خطيرًا، إذ تكشف مدى محدودية تأثير الضغوط الأوروبية على الرئيس الأمريكي، الذي أظهر استعدادًا للتراجع عن مواقفه بمجرد اجتماعه مع بوتين.
بوتين يستعيد زمام المبادرة
من ناحية أخرى، أوضح التقرير أن بوتين يسعى بوضوح إلى استعادة زمام المبادرة في المفاوضات، ففي مؤتمره الصحفي مع ترامب، شدد الرئيس الروسي على أنه يتوقع التفاوض المباشر مع واشنطن، محذرًا من محاولات أوروبا وكييف "عرقلة التقدم" عبر صفقات جانبية.
ويحذّر التقرير من أن موسكو قد تعمل على تصوير أوروبا وأوكرانيا كطرف غير عقلاني في أي محادثات مستقبلية، بهدف دفع ترامب لتبني مواقف أكثر مرونة تجاه الكرملين. ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: هل تستطيع أوروبا إعادة الكرة بزيارة أخرى للبيت الأبيض إذا غير ترامب رأيه تحت تأثير اجتماع جديد مع بوتين؟
أولويات أوروبا
يرى "أتلانتيك كاونسل" أن على أوروبا التركيز على نقطتين أساسيتين في المرحلة المقبلة، هما تأكيد قوة النفوذ المشترك بتذكير ترامب باستمرار أن واشنطن تملك نفوذًا أكبر عندما تعمل مع أوروبا، كما أن الصورة الرمزية لترامب محاطًا بحلفاء أوروبيين داعمين لعملية السلام تجعله يبدو أقوى من بوتين المعزول نسبيًا.
النقطة الثانية، إظهار الاستعداد لدفع التكلفة، إذ تحتاج أوروبا إلى إثبات جديتها عبر الاستعداد لإنفاق الموارد اللازمة لبناء سلام دائم، وهذا يشمل توضيح تفاصيل الضمانات الأمنية، التي تعتزم الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة تقديمها.
ومن بين الخيارات المطروحة نشر قوات أوروبية في الأراضي الأوكرانية غير المحتلة لردع أي عدوان جديد، مع الاعتماد على الدعم الاستخباراتي واللوجستي الأمريكي دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر من قوات الولايات المتحدة.