بينما تتقدَّم آلةُ الحربِ الروسيةُ بقوَّةٍ في شرقِ أوكرانيا، تُكثِّف موسكو هجماتها الليلية بالطائراتِ المسيَّرة على المدنِ الأوكرانية والبنيةِ التحتيةِ المدنية، مع زيادةِ إنتاجها من تلك الأسلحة بوتيرةٍ متسارعة، وفقَ ما أوردت شبكةُ "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
ونقلت الشبكةُ عن خبراء، أنَّ العديدَ من الطائراتِ المسيَّرة ليست سريعةً أو عاليةَ التقنية، لكنها رخيصةٌ بما يكفي ليُطلِق الكرملين أكثرَ من 700 طائرةٍ في ليلةٍ واحدة، في محاولةٍ لسحقِ الدفاعاتِ الجوية الأوكرانية وتدميرِ معنوياتِ المدنيين.
وذكرت الشبكةُ أنَّ روسيا بعد حصولها على تصاميمَ إيرانيةٍ لطائرات "شاهد" الهجومية المسيَّرة، بنت مصنعها الضخم لإنتاج آلافِ هذه الأسلحة شهريًّا.
وقالت الشبكةُ إنَّ تكتيكاتِ روسيا المتطورةَ أجبرت أوكرانيا على الردِّ بذخائرَ وابتكاراتٍ أكثرَ تكلفة، حيث أصبحت أساليبُ الدفاع الأقلُّ تكلفةً أقلَّ فعالية.
ونقلت الشبكةُ عن الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، أنَّ روسيا تتجه نحو إنتاج أكثرَ من 6000 طائرةٍ مسيَّرة من طراز "شاهد" شهريًّا. ويُعد إنتاج هذه الطائرات الهجومية داخل روسيا أرخصَ بكثيرٍ مقارنةً بفترة ما قبل الحرب، عندما كانت موسكو تشتريها من طهران.
وقال مصدرٌ في الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية: "في عام 2022، دفعت روسيا ما معدَّله 200 ألف دولارٍ أمريكيٍّ مقابلَ طائرةٍ مسيَّرة واحدة". وأضاف: "في عام 2025، انخفض هذا الرقم إلى حوالي 70 ألف دولارٍ أمريكيٍّ"، وذلك بفضل الإنتاج الضخم في مصنع ألابوجا للطائرات المسيَّرة في منطقة تتارستان الروسية.
لكن تقديراتِ التكلفة تتفاوت بشكلٍ كبير، فقد وجد مركزُ الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركزُ أبحاثٍ مقرُّه واشنطن العاصمة، أنَّ تقديراتِ طائرات "شاهد-136" تتراوح بين 20,000 و50,000 دولارٍ أمريكيٍّ للطائرة المسيَّرة الواحدة. وبالمقارنة، يمكن أن تتجاوزَ تكلفةُ طائرةٍ اعتراضية واحدة من صواريخ أرض-جو 3 ملايين دولارٍ أمريكيٍّ.
وهذه التكلفةُ المنخفضةُ نسبيًّا تمكِّن الكرملين من تكثيف هجماته الليلية بالطائراتِ المسيَّرة، بالإضافة إلى شنِّ هجماتٍ واسعةِ النطاق بوتيرةٍ أكبر. في بداية الحرب، كانت الهجماتُ الصاروخيةُ والطائراتُ المسيَّرة تحدث مرةً واحدةً شهريًّا تقريبًا. أمَّا الآن، فتقع كلَّ ثمانيةِ أيامٍ في المتوسط، وفقًا لتحليلٍ أجراه مركزُ الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وبينما تستخدم روسيا طائراتٍ مسيَّرة بعيدةَ المدى لمهاجمة المدن الأوكرانية على بُعد مئات الأميال من خطوط المواجهة، يصف المدنيون المقيمون في المدن القريبة من المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا هجماتِ الطائراتِ المسيَّرة الموجَّهة بالفيديو اليومية بأنَّها "مطاردة".
وقد سبق لسكان منطقة خيرسون أن صرَّحوا لـ"سي إن إن" أنَّه لا يبدو أنَّ أيَّ هدفٍ مستحيل، حيث وردت تقارير عن هجمات طائراتٍ مسيَّرة موجَّهة بالفيديو على المشاة والسيارات والحافلات وحتى سيارات الإسعاف.
وتضاعفت تقريبًا نسبةُ الطائرات المسيَّرة التي أصابت أهدافَها، حيث قارب معدَّل الإصابة 20% منذ أبريل، مقارنةً بعام 2024، حيث لم يتجاوز متوسِّطُ معدَّل إصابة الأهداف 10%، وفقًا لما ذكره ياسر أتالان، زميلُ البيانات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
قال أتالان لـ"سي إن إن" إنَّ تكتيكاتِ روسيا تتمحور حول "الحفاظ على الضغط المستمر". وأضاف: "استراتيجيتهم الآن تركز أكثر فأكثر على هذا النوع من الاستنزاف".
كما شنَّت أوكرانيا هجماتٍ مضادة باستخدام طائراتٍ مسيَّرة موجَّهة بالفيديو على خطوط المواجهة، وهاجمت البنية التحتية ومنشآت الأسلحة داخل روسيا باستخدام طائراتٍ مسيَّرة بعيدة المدى.
قالت كاترينا ستيبانينكو، المحللةُ الروسية في معهد دراسات الحرب، وهو مركزُ أبحاثٍ مقره واشنطن: "مع كلِّ تطوُّرٍ تكنولوجي، يبحث كلا الجانبين بالفعل عن إجراءٍ مضاد. ودورةُ الابتكار سريعةٌ جدًّا لدرجة أنَّنا نشهد في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تكيفًا مضادًا مع أيِّ تقدُّمٍ تكنولوجي".
وأضافت ستيبانينكو: "لذلك، فإنَّ بعض الأساليب التي قد تكون فعَّالةً حاليًّا قد لا تكون فعَّالةً بنفس القدر في الأشهر المقبلة".
وتعمل كلٌّ من أوكرانيا وروسيا حاليًّا على تطوير طائراتٍ بدون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي، قادرةٍ على اتخاذ قراراتها الخاصة في ساحة المعركة، بالإضافة إلى إنشاء طائراتٍ اعتراضية يمكن نشرها كوسيلةٍ أقلَّ تكلفةً لمواجهة الهجمات الجوية من إطلاق الصواريخ، وفقًا لمعهد دراسات الحرب.
وقالت ستيبانينكو: "هناك تقاريرُ عديدةٌ عن اختبار الأوكرانيين لبعض هذه الطائرات، لكننا لم نرَ نشرَها على نطاقٍ واسع". وأضافت: "إنَّ تطوير طائراتٍ اعتراضية سيعزِّز القدراتِ الأوكرانية، ويساعدُ القواتَ الأوكرانية أيضًا في الحفاظ على بعض صواريخ الدفاع الجوي الخاصة بها لمواجهة الضربات الصاروخية".