الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما أبعاد تأسيس برلمان مشترك لتحالف دول الساحل على موازين القوى في غرب إفريقيا؟

  • مشاركة :
post-title
تحالف دول الساحل يخطط لإنشاء برلمان التحالف

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في الفترة من 11 حتى 15 أغسطس 2025، عقدت العاصمة البوركينية واجادوجو اجتماعات رفيعة المستوى جمعت برلمانيين وخبراء قانونيين من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ضمن أعمال اللجنة التحضيرية لإنشاء برلمان مشترك لتحالف دول الساحل. وركزت هذه الاجتماعات على إعداد النصوص التأسيسية التي ستؤطر عمل الهيئة التشريعية الجديدة، بما في ذلك آليات التمثيل البرلماني، مدة العضوية، تنظيم الجلسات، اختصاصات البرلمان، النظام الداخلي، والبروتوكول الإضافي المكمل لمعاهدة الاتحاد. يأتي هذا التحرك في إطار التطور المؤسسي الذي يشهده تحالف دول الساحل، الذي تأسس رسميًا بتوقيع ميثاق ليبتاكو-جورما، سبتمبر 2023 كتحالف دفاعي، ثم تحوَل إلى اتحاد كونفدرالي، يوليو 2024 خلال قمة نيامي بعد انسحاب الدول الثلاث من إيكواس. ويأتي مشروع البرلمان المشترك في سياق استكمال بناء الهياكل المؤسسية للاتحاد، بوصفه آلية تنظيمية لتنسيق السياسات العامة، وتوحيد التشريعات، وتعزيز التعاون السياسي بين الدول الأعضاء.

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما أبعاد تأسيس برلمان مشترك لتحالف دول الساحل على موازين القوى في غرب إفريقيا؟

أبعاد التأسيس

يحمل مشروع إنشاء البرلمان المشترك لتحالف دول الساحل أبعادًا سياسية ومؤسسية متعددة، تتمثل في:

(*) البُعد السياسي: يمثل تأسيس البرلمان المشترك خطوة مهمة نحو تحويل تحالف دول الساحل من مجرد تنسيق بين سلطات تنفيذية إلى كيان سياسي مؤسسي حقيقي. من خلال هذه المؤسسة التشريعية، يُمنح المواطنون في الدول الأعضاء تمثيلًا فاعلًا عبر آليات تشريعية اتحادية، ما يرسخ مفهوم المشاركة السياسية على مستوى أوسع. كما يتيح البرلمان بلورة سياسات موحدة ومتسقة في مجالات الحكم والتشريع، عوضًا عن الاكتفاء بالتنسيق الحكومي، ما يعزز من قوة التحالف ويزيد من فاعليته. هذا التطور يجعل من التحالف نموذجًا سياسيًا موازيًا كبديل إقليمي لهيمنة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس". إضافة إلى ذلك، يوفر البرلمان منصة حوارية داخلية قد تسهم في تهدئة التوترات السياسية، خصوصًا في ظل الانتقال المعقد من أنظمة الحكم العسكري إلى المدنية في هذه الدول، ما يعزز الاستقرار السياسي ويقوي أواصر التعاون بين مختلف الأطراف.

(*) البُعد الأمني والاستراتيجي: يأتي تشكيل تحالف دول الساحل في سياق تحديات أمنية معقدة ومتصاعدة، لا سيّما مع تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات المسلحة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. في السياق ذاته، يُعد البرلمان المشترك أداة حيوية توفر غطاءً سياسيًا وقانونيًا مهمًا لعمليات التحالف العسكرية المشتركة. فمن خلال سن تشريعات موحدة ومتناسقة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، يُسهم البرلمان في إضفاء الشرعية على القرارات الأمنية المشتركة، ويحولها إلى سياسة إقليمية متماسكة بدلًا من قرارات منفردة تتخذها كل دولة على حدى. كما يعزز البرلمان التنسيق الاستراتيجي بين الدول الأعضاء، ما يزيد من كفاءة العمليات العسكرية الموحدة ويعزز قدرة التحالف على مواجهة التهديدات الأمنية بشكل جماعي ومنظم.

(*) البُعد الاقتصادي: يلعب البرلمان المشترك دورًا محوريًا في دفع عجلة التكامل الاقتصادي بين دول الساحل، من خلال إحداث إطار تشريعي ينظم السوق المشتركة، ويضمن توحيد الجمارك والإجراءات التجارية بين الدول الأعضاء. كما سيكون مسؤولًا عن متابعة نشاط البنك التنموي الإقليمي والمشروعات الاستثمارية المشتركة؛ لضمان سيرها وفق السياسات الاقتصادية الموحدة للتحالف. إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يتولى البرلمان وضع القوانين الأساسية الخاصة بإطلاق العملة الموحدة، ما يرسخ التكامل المالي والاقتصادي بين الدول الثلاث. هذا البعد الاقتصادي يعزز استقلالية التحالف عن الدعم الخارجي ويخلق بيئة جاذبة للاستثمار الداخلي، فضلًا عن تنشيط حركة التجارة البينية، ما يُسهم في تحسين التنمية الاقتصادية والاستقرار المالي لدول الساحل.

(*) البُعد الجيوسياسي والإقليمي: يمثل تأسيس البرلمان المشترك خطوة جيوسياسية بارزة تعكس تحولًا في موازين القوى داخل غرب إفريقيا، إذ يتبلور تحالف دول الساحل ككتلة سياسية قوية تتمتع بهيكل مؤسسي يمكنها منافسة هيمنة إيكواس التقليدية. يتيح البرلمان لهذه الدول تعزيز علاقاتها مع شركاء جدد على الساحة الدولية مثل روسيا وتركيا والصين، من خلال إطار قانوني وتنظيمي يسهل التعاون متعدد الأطراف. كما يشكل هذا البرلمان أداة ضغط على إيكواس من أجل مراجعة سياساتها تجاه التوترات السياسية ومواقفها من النفوذ الخارجي، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية. وعلى مستوى القارة الإفريقية، يمكن أن يكون البرلمان نموذجًا يحتذى به في بناء تكتلات إقليمية بديلة تركز على السيادة الوطنية والاستقلالية عن النفوذ الأجنبي.

تحديات التأسيس

رغم أهمية هذه الخطوة سياسيًا، إلا أن فكرة تشكيل برلمان مشترك لتحالف دول الساحل تواجه عدة تحديات قد تقف عائقًا أمام نجاح مشروع البرلمان وفعاليته على المستوى الإقليمي، هي:

(*) تحديات داخلية: يُواجه تحالف دول الساحل ظروفًا داخلية صعبة تعرقل فعالية أي مؤسسات مشتركة، مثل البرلمان المقترح. تشمل هذه التحديات هشاشة اقتصادات الدول الثلاث وضعف البنية التحتية وتراجع معدلات النمو والاستثمار، إلى جانب التوترات الاجتماعية والانقسامات العرقية والمطالب الشعبية المتزايدة بالعودة إلى الحكم المدني، كما تشكل سيطرة الجماعات المسلحة على أجزاء واسعة من الأراضي تهديدًا مباشرًا لأي مشروع سياسي مشترك.

(*) تحديات خارجية: تتمثل في وجود عُزلة إقليمية وتوترات مع دول الجوار، إذ تعاني دول التحالف من علاقات متوترة مع محيطها الإقليمي، خاصة عقب انسحابها من مجموعة إيكواس، ما حرمها من امتيازات اقتصادية وسياسية. كما أن استمرار إغلاق الحدود والخلافات السياسية، كحالتَي النيجر وبنين، يحد من قدرة التحالف على توسيع نفوذه أو جذب دول أخرى إليه، ويُعقد هذا الوضع فرص نجاح البرلمان المشترك في التأثير الحقيقي على موازين القوى بغرب إفريقيا.

ختامًا، يمكن القول إن مشروع إنشاء برلمان مشترك لتحالف دول الساحل يُمثل محطة فارقة في مسار تشكل هذا الكيان الإقليمي الجديد، إذ يعكس إصرار مالي والنيجر وبوركينا فاسو على بناء مؤسسات بديلة قادرة على ترجمة تطلعاتها في الاستقلالية السياسية والأمنية والاقتصادية. فالبرلمان لا يعد مجرد هيئة تشريعية اتحادية، بل هو أداة لإعادة صياغة التوازنات بغرب إفريقيا، ورسالة بأن هذه الدول تمتلك الإرادة لتقرير مصيرها بعيدًا عن الأطر التقليدية التي كانت تتحكم في المنطقة لعقود. ومع أن الطريق محفوف بالتحديات، إلا أن نجاح البرلمان في أداء دوره سيجعل من تحالف دول الساحل فاعلًا يصعب تجاوزه في المعادلة الإقليمية، وقد يفتح الباب أمام تحولات أوسع في أنماط التعاون والتكامل داخل القارة الإفريقية.