الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انقسامات جديدة.. تداعيات انسحاب دول الساحل من "أوموا"

  • مشاركة :
post-title
شعار "أوموا"

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في تطور جديد يعكس تصاعد التوترات داخل المنظومة الإقليمية لغرب إفريقيا، أعلنت دول تحالف الساحل الثلاث – مالي والنيجر وبوركينا فاسو – في الثالث عشر من يوليو 2025، انسحابها من الدورة العادية الثانية لمجلس وزراء الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا "أوموا"، على خلفية فشل في التوصل إلى توافق بشأن تولي بوركينا فاسو رئاسة المجلس رغم أحقيتها القانونية بموجب المادة 11 من المعاهدة التأسيسية.

وقد جاء هذا الانسحاب في سياق متوتر تشهده العلاقات بين هذه الدول والمنظومات الإقليمية التقليدية، خاصًة بعد إعلان الدول الثلاث في 29 يناير 2024 انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وتشكيلها تحالفًا بديلاً عُرف باسم "تحالف دول الساحل"، ويعكس هذا المسار الانفصالي تصاعد الشعور بعدم الانسجام مع التوجهات السياسية والاقتصادية السائدة في الكتل الإقليمية القائمة التي باتت تنظر إلى حكومات هذه الدول بعين الشك وعدم القبول.

ما هي "أوموا"؟

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: هل ينذر انسحاب دول الساحل من "أوموا" بانقسام جديد في غرب إفريقيا؟

أسباب القرار

جاء قرار دول الساحل بالانسحاب من "أوموا" كنتيجة حتمية لمجموعة من الأسباب المباشرة التي شكّلت الأرضية العاجلة للقرار، ويمكن تفصيلها كما يلي:

(*) خرق مبدأ التناوب المؤسسي على رئاسة مجلس وزراء أوموا: تنص معاهدة "أوموا" في مادتها الحادية عشرة على أن تتم رئاسة مجلس وزراء الاتحاد بالتناوب بين وزراء مالية الدول الأعضاء وفق جدول دوري يضمن المشاركة المتساوية، لكن ما حدث في 13 يوليو 2025 من اعتراض بعض الدول على تسليم بوركينا فاسو رئاسة المجلس كما كان متفقًا، مثّل خرقًا صريحًا لهذا الترتيب، مما تمخض عنه شعور لدى قادة دول الساحل الثلاث بأن مشاركتهم داخل "أوموا" رمزية، فكان الانسحاب بمثابة رفض واضح لهذا الانتهاك المؤسسي.

(*) استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية دون تقديم حلول: منذ حدوث التوترات السياسية في مالي (2021)، بوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023)، تعرضت هذه الدول لسلسلة عقوبات اقتصادية ومالية من قِبَل المنظمات الإقليمية بما فيها "أوموا" و "إيكواس"، وشملت هذه العقوبات تجميد الأصول، وتعليق التعاملات البنكية، وفرض عزلة دبلوماسية خانقة، ما ساهم في تعميق أزماتها الداخلية حتى تجاهلت هذه المنظمات الظروف الأمنية المعقدة التي تعاني منها منطقة الساحل. ومن ثم، جاء الانسحاب كرسالة لإبراز رفض الدول الثلاث لاستمرار المعاملة العقابية.

(*) الرغبة في تعزيز شرعية "تحالف الساحل" ككيان بديل: منذ إعلان انسحابها من "إيكواس" مطلع عام 2024، تعمل دول تحالف الساحل على ترسيخ نفسها ككتلة إقليمية مستقلة تسعى لتغيير موازين القوى التقليدية في غرب إفريقيا. ويُعد الانسحاب من الدورة الوزارية لـ "أوموا" امتدادًا لهذا التوجه، في ظل سعي هذه الدول لفك الارتباط التدريجي بالمؤسسات المرتبطة بالفرنك الإفريقي والنفوذ الفرنسي، ويأتي هذا ضمن مسار أوسع يهدف إلى تثبيت "تحالف الساحل" كمنصة سيادية بديلة تمتلك شراكات أمنية واقتصادية جديدة مع قوى دولية مثل روسيا وتركيا، بعيدًا عن الهياكل التي تعتبرها خاضعة لهيمنة خارجية.

تداعيات القرار

يحمل قرار انسحاب دول الساحل من "أوموا" في طياته مجموعة من التداعيات، تتمثل في:

(*) تصدُع في منظومة "أوموا" وتمهيد لانسحاب كامل: يعكس الانسحاب من الدورة الوزارية لـ “أوموا" أزمة ثقة حادة داخل المنظمة، ويكشف عن تراجع قدرتها على احتواء الخلافات بين أعضائها، مما يهدد بفقدان "أوموا" لدورها التقليدي كإطار تنسيقي جامع في غرب إفريقيا. فهذا التصعيد قد يكون مقدمة لانسحاب كامل، ما سيؤثر على الاتحاد الجمركي وسوق العملة المشتركة وحركة رؤوس الأموال في المنطقة.

(*) تصعيد المسار نحو التخلي عن الفرنك الإفريقي: يُفسَر انسحاب دول الساحل من أوموا كخطوة تمهيدية للتخلص من التبعية النقدية لفرنسا عبر الفرنك الإفريقي، فالفرنك يرتبط مباشرة ببنك فرنسا المركزي، واستمرار عضوية دول الساحل في "أوموا" كان يُناقض خطابها السيادي الذي تتبناه منذ التوترات السياسية. من هنا، يبدو أن الانفصال التدريجي عن العملة الموحدة بات احتمالًا واقعيًا ضمن مسار الانفكاك الكامل عن الترتيبات الاقتصادية القديمة.

(*) تعميق الانقسام السياسي داخل غرب إفريقيا: يحمل هذا القرار أبعادًا سياسية لا تقل أهمية عن تلك الاقتصادية والنقدية، إذ يؤكد على ترسّخ الانقسام داخل الإقليم إلى كتلتين متمايزتين: الأولى تمثلها دول الساحل المنسحبة، والتي تسعى لتأسيس مسار سيادي جديد قائم على تحالفات غير تقليدية (مع روسيا وتركيا). والثانية تقودها دول مثل نيجيريا وساحل العاج والسنغال، والتي لا تزال تدافع عن البنى الإقليمية التقليدية كمؤسسات شرعية للتعاون في غرب إفريقيا. هذا الانقسام الجغرافي – السياسي يُنتج واقعًا جديدًا من التنافس الإقليمي، وقد يؤدي إلى ضعف فاعلية السياسات الجماعية وتضارب المصالح الاستراتيجية، لا سيما مع تباين مواقف القوتين الكبريين في المنطقة (نيجيريا من جهة، و"تحالف الساحل" من جهة أخرى) بشأن قضايا مثل الأمن الحدودي ومكافحة الإرهاب وإدارة الموارد العابرة للحدود.

في هذا السياق، يتحول غرب إفريقيا من ساحة لتجارب التعاون المتعدد الأطراف إلى ميدان استقطاب إقليمي حاد، قد تتسع دوائره ليشمل الأطراف الدولية الكبرى، ما يهدد بتقويض الرؤية الوحدوية التي يطمح إليها الاتحاد الإفريقي على المدى البعيد.

ختامًا، يمكن القول إن انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من الدورة الثانية لمجلس وزراء "أوموا"، لا يُعد مجرد خطوة احتجاجية محدودة بل مؤشرًا إضافيًا على اتساع الفجوة بين هذه الدول والمؤسسات الإقليمية في غرب إفريقيا. فالخلاف لم يعد فقط حول رئاسة أو منصب، بل حول رؤية مختلفة لمسار المنطقة وتوازناتها. ومع تزايد الخطوات الانفصالية، يبدو أن تحالف الساحل يسير بخطى ثابتة نحو بناء كيان موازٍ، ما ينذر بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي.