تحول مرض الشلل الرخو الحاد من حالة نادرة تظهر مرة أو مرتين سنويًا في قطاع غزة، إلى وباء حقيقي يهدد حياة مئات الأطفال الفلسطينيين، إذ إنه وفقًا لصحيفة "بوليتيكو"، شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تسجيل ما يقارب 100 حالة من هذا المرض النادر الذي يسبب ضعف العضلات وصعوبة التنفس والبلع.
الحصار يحول المرض النادر إلى وباء مدمر
كشف الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس، لصحيفة "بوليتيكو" أن الشلل الرخو الحاد كان قبل أكتوبر 2023 "شيئًا غريبًا ونادرًا جدًا"، لكن الوضع تغير بشكل جذري تحت وطأة الحصار الإسرائيلي، إذ إن الحالات الحالية تشمل التهاب النخاع الرخو الحاد الذي يستهدف الأطفال بشكل أساسي، ومتلازمة "جيلان باريه" الأكثر شهرة، وكلاهما يسبب شللاً مدمراً للضحايا.
وأكدت منظمة الصحة العالمية تسجيل 32 حالة شلل رخو حاد بين الأطفال تحت سن 15 عامًا حتى 31 يوليو الماضي، مشيرة إلى أن الارتفاع الصادم في الأرقام لا يعود فقط لتحسن المراقبة، بل يعكس انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي وانتشار سوء التغذية وتقييد الوصول للرعاية الصحية.
دمار الصرف الصحي بيئة خصبة للفيروسات
حذر المسؤولون الصحيون لشهور من أن تدمير إسرائيل المتعمد لمرافق الصرف الصحي في غزة سيؤدي إلى كارثة صحية، كما حدث مع تفشي شلل الأطفال العام الماضي.
وتؤكد النتائج المخبرية هذه المخاوف، إذ أظهرت عينات أُرسلت إلى الأردن وإسرائيل نتائج إيجابية للفيروس المعوي، وهي مجموعة جراثيم تنتشر عبر المياه الملوثة والطريق البرازي-الفموي.
وأوضح الدكتور الفرا أن انتشار هذه الفيروسات في خان يونس ليس مفاجئًا، حيث تتجمع مياه الصرف الصحي الخام في الشوارع، مما يخلق بيئة مثالية لتكاثر الفيروسات المعوية.
وكشفت منظمة الصحة العالمية أنه في 70% من العينات المفحوصة، تم تحديد السبب كفيروس معوي غير شلل الأطفال، مقارنة بـ26% في السنوات السابقة.
المجاعة تضاعف معاناة الأطفال
يواجه الأطفال في غزة خطرًا مضاعفًا بسبب المجاعة الجماعية التي فرضتها إسرائيل من خلال تقييد دخول الغذاء منذ أكتوبر 2023.
وأشار الدكتور الفرا لـ"بوليتيكو" إلى أن الأطفال باتوا أكثر عرضة للإصابة بسبب نقص الفيتامينات الضرورية لتجديد الأعصاب، خاصة فيتامينات B1 وB6 وB12، موضحًا أنه "لا توجد فواكه، لا خضروات، لا لحوم، لا بيض، لا زبادي، لا شيء".
وتشير الأرقام الرسمية إلى استشهاد 188 شخصًا من الجوع منذ أكتوبر 2023، معظمهم من الأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.
كما تقدر الأمم المتحدة أن 1373 فلسطينيًا استشهدوا أثناء البحث عن الطعام، منهم 859 في مواقع تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة.
نقص العلاج يحول المرض إلى حكم إعدام
تواجه المستشفيات في القطاع أزمة حادة في توفير العلاج المناسب للمرضى، إذ إن طاقم مستشفى الشفاء، الذي دمرته إسرائيل شبه كليًا في بداية 2024، شخّص 22 حالة متلازمة جيلان باريه، توفي منها ثلاثة مرضى بينما أصيب 12 بالشلل وأُحيلوا لمراكز التأهيل، وفقًا لمدير المستشفى الدكتور محمد أبو سلمية الذي أكد لـ"بوليتيكو" أن "العلاج للأسف غير متوفر لدينا".
يتطلب علاج التهاب النخاع الرخو الحاد ومتلازمة جيلان باريه الجلوبولين المناعي الوريدي أو تبديل البلازما، وكلاهما غير متاح في غزة بسبب النقص المزمن في الإمدادات الطبية جراء الحصار الإسرائيلي.
وكشف الدكتور الفرا أن الأطباء ناشدوا زملاءهم المتطوعين مع المجموعات الأجنبية إحضار مرشحات تبديل البلازما، لكن السلطات الإسرائيلية تصادر هذه المعدات بانتظام.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن "التقييم السريري الحاسم صعب للغاية في غزة حاليًا بسبب نقص القدرات التشخيصية والمختبرية والفحوصات"، مما يحول المرض من حالة قابلة للعلاج إلى حكم إعدام فعلي للأطفال الفلسطينيين.