الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حرب التجويع.. كيف يمنع جيش الاحتلال وصول المساعدات إلى سكان غزة؟

  • مشاركة :
post-title
شاحنات محملة بالمساعدات تنتظر العبور لغزة

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

رصدت صحيفة "هآرتس" العبرية طبقات من العوائق البيروقراطية والمادية، التي فرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي، على كل مرحلة من مراحل توصيل المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى غزة، من تقييد عبور الشاحنات لمنع تأمين البضائع.

ونقلت الصحيفة عن مصادر إنسانية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح بتأمين الإمدادات بشكل صحيح قبل مغادرة الشاحنات معبر كرم أبو سالم لدخول المناطق التي يعيش فيها سكان غزة الجائعون.

وأفادت مصادر في غزة، بأن جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي يسارعون إلى تحميل عمال الإغاثة بالبضائع بسرعة، ما يؤدي إلى تأخير الشاحنات لساعات وإجبارها على سلوك طرق خطرة. ولأن الطعام غير محكم الربط، يسهل سرقته، وتتعرض معظم المساعدات التي تدخل غزة في أثناء الطريق للنهب. كما يتسرب بعض الطعام بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالطرق.

على مدى أشهر، ناشدت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية، جيش الاحتلال الإسرائيلي السماح بدخول الغذاء عبر معابر أخرى، ومنحه الوقت الكافي لتأمين الشحنات وحمايتها، واستخدام طرق أكثر أمانًا لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين ورفضت طلباتهم مرارًا وتكرارًا.

وهذه ليست سوى واحدة من العقبات العديدة التي تضعها إسرائيل في طريق إطعام سكان غزة ووقف أزمة الجوع. ظاهريًا، ثمة فجوة محيرة بين ادعاءات إسرائيل المتكررة بزيادة إمدادات الغذاء إلى غزة والتقارير اليومية المستمرة عن وفيات ناجمة عن الجوع وسوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال.

والسبب أن المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، وعشرات غيرها، لم تتمكن من إعادة بناء شبكة توزيع الغذاء التي كانت تعمل في غزة قبل بدء الأزمة الحالية، 2 مارس 2025. في ذلك الوقت، أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية لمدة 78 يومًا بالكامل، ما تسبب في انهيار الشبكة.

ويزعم المسؤولون الإسرائيليون، بدءًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أدنى مستوياته، إلى جانب ممثلي ما تُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، أن الفشل في إمداد غزة بشكل كافٍ يرجع إلى الإهمال أو عدم الكفاءة من جانب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى.

ومع ذلك، منذ بدء الحصار، فرضت إسرائيل العديد من العراقيل البيروقراطية والمادية في كل مرحلة من مراحل إيصال الغذاء والمساعدات إلى غزة. وتدعم هذه القيود أحكامًا صادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية، أو تنفذ بأوامر تعسفية من ضباط إسرائيليين من ذوي الرتب الدنيا في الميدان. والنتيجة هي استمرار الجوع.

العقبة الأولى

العقبة الأولى بيروقراطية، تتعلق بتسجيل المنظمات المسموح لها بنقل الغذاء إلى غزة عبر إسرائيل. قبل اندلاع الحرب 7 أكتوبر 2023، كانت وزارة الرعاية الاجتماعية تعنى بتسجيل المنظمات الإنسانية العاملة في الأراضي الفلسطينية، وتصدر خطابات توصية لموظفيها للحصول على تأشيرات. بعد بدء الحرب، أوقفت وزارة الرعاية الاجتماعية عملية التسجيل من جانب واحد.

لمدة 17 شهرًا لم تتمكن منظمات الإغاثة من التسجيل أو الحصول على تأشيرات. وعقب تقديم التماس إلى المحكمة العليا، اعتمدت الحكومة الإسرائيلية، مارس الماضي، إجراءات تسجيل جديدة وأكثر صرامة. وتم نقل المسؤولية إلى مكتب وزير شؤون الشتات عميحاي تشيكلي، الذي يُعارض علنًا منظمات الإغاثة الدولية. ووصف "تشيكلي" الإجراء الجديد بأنه تحول جذري في السياسة يستهدف الجهات الأجنبية التي تسعى، تحت ستار العمل الإنساني، إلى تقويض إسرائيل، وتشجيع المقاطعة، وتشويه صورتها.

يتضمن الإجراء قواعد مثل رفض التسجيل إذا دعا أي عضو بارز في المنظمة إلى مقاطعة إسرائيل، خلال 7 سنوات قبل تقديم الطلب. ويلزم بند آخر مثير للجدل المنظمات بتقديم قوائم بأسماء موظفيها الفلسطينيين، وهو مطلب ترى بعض المنظمات أنه ينتهك قوانين الخصوصية في بلدانها.

ومن المقرر أن يدخل الإجراء حيز التنفيذ الكامل، سبتمبر المقبل، إلا أن العديد من المنظمات تواجه صعوبات في إيصال المساعدات بسبب مشكلات في التسجيل. ووفقًا لمنتدى خبراء إسرائيلي حول المساعدات الإنسانية لغزة، تم منع 29 منظمة من إرسال شحنات، خلال يوليو الماضي وحده بسبب مشكلات في التسجيل.

العائق الثاني

يتعلق بدخول المواد الغذائية والمساعدات إلى إسرائيل. منذ أن استولت تل أبيب على معبر رفح ودمرته قبل أكثر من عام، لا يمكن للبضائع دخول غزة إلا برًا عبر إسرائيل. يجب أن تسافر الشاحنات من الحدود الإسرائيلية الأردنية، أو ميناء أشدود، أو الضفة الغربية، إلى معابر غزة، ما يتطلب تنسيقًا مُعقدًا مع السلطات الإسرائيلية وموافقة الجمارك.

وتعتمد معظم عمليات التسليم على نظام "الشحن من ظهر إلى ظهر": تصل شاحنة أردنية أو فلسطينية وتنقل البضائع إلى شاحنة إسرائيلية، ثم تتجه إلى معبر كرم أبو سالم لتفريغها. يعاد تحميل البضائع على شاحنة فلسطينية لتوصيلها غزة. هذه العملية المعقدة تزيد التكاليف وتتسبب في تأخيرات متكررة.

العائق الثالث

يتعلق بقيود غير واضحة ومتغيرة باستمرار على ما يمكن إدخاله إلى غزة. في الأسبوع الماضي، رفض منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، وهو الهيئة العسكرية المسؤولة عن تنسيق المساعدات الإنسانية، طلبات إدخال التمور والبطاطس المنتجة في إسرائيل إلى غزة. رفضت البطاطس نظرًا لطول فترة صلاحيتها، ما قد يسمح لمسلحي حماس بالاتجار بها أو سرقتها. واعتبرت التمور سلعة "كمالية".

في يوليو، نشرت "هآرتس" قائمة بالمواد المحظورة من قبل إسرائيل، التي تشمل المعدات الطبية واللوجستية الأساسية لعلاج سوء التغذية، مثل هياكل العيادات، والمولدات، والبطاريات، والألواح الشمسية، ومجموعات الاختبار الكيميائية، وثلاجات تخزين الدم.

العائق الرابع

محدودية تشغيل معبري كرم أبو سالم الجنوبي، وزيكيم الشمالي بين إسرائيل وغزة. كرم أبو سالم، المعبر الرئيسي لمعظم المواد الغذائية والمساعدات، يُشكل أيضًا نقطة دخول وخروج للعاملين في المجال الإنساني ومتطوعي الرعاية الصحية الأجانب، ما يحول دون استمرارية العمليات.

على عكس الصورة العامة التي تروج لها إسرائيل، فإن دخول الغذاء إلى غزة لا يضمن وصوله إلى السكان الجائعين. تفرغ حمولات الغذاء من الشاحنات في منطقة لوجستية واسعة قرب المعبر الحدودي، لكن المنظمات الإنسانية لا تملك حرية نقله من هناك. وتظل الخطوة الأخيرة، المتمثلة في نقل الغذاء من هذه المنطقة إلى السكان، الذين يعيش معظمهم في خيام على بعد كيلومترات العقبة الأكبر.

ويجب على منظمات الإغاثة الحصول على إذن مسبق لإدخال الشاحنات. ولا يسمح لها بتحميل البضائع المعتمدة إلا ضمن إطار زمني محدد. بعد التحميل، يضطر السائقون إلى الانتظار، أحيانًا لساعات، حتى يحصلوا على تصريح بالمواصلة. يحدد جيش الاحتلال المسارات المستخدمة، التي تشير مصادر إنسانية إلى أنها تختار لتسهيل استهداف القوافل على اللصوص.

ورغم كثرة الطلبات لتغيير المسارات، يضطر السائقون إلى استخدام نفس الطرق مرارًا وتكرارًا ليعرف اللصوص أين ينتظرون. لا يرافق الجيش القوافل، وأضاف مؤخرًا المزيد من نقاط التفتيش، ما يتسبب في مزيد من التأخير.

وأفادت بعض المنظمات بأن جيش الاحتلال سمح لأشهر بعمليات نهب لإثبات عجز الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة عن "الوفاء بالتزاماتها". وهذا يسمح لإسرائيل بالقول إن الإخفاقات الإنسانية لا ترجع إلى بيروقراطية عسكرية أو تحديات عملياتية، بل هي نتيجة سياسة متعمدة تهدف إلى إضعاف الشبكة الإنسانية الدولية، وتعزيز ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية".

علاوة على ذلك، استهدف جيش الاحتلال وقتل العديد من ضباط شرطة غزة، ما تسبب في انهيار النظام الاجتماعي بغزة. وحال هذا دون تمكن منظمات الإغاثة من نقل الغذاء بأمان في جميع أنحاء القطاع دون التعرض للسرقة.