الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف يبدو برنامج القبة الذهبية الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

في عالمٍ يشهد تصاعدًا متسارعًا للتنافس الاستراتيجي والتكنولوجي بين القوى الكبرى، برز البرنامج أو المشروع الدفاعي "القبة الذهبية الأمريكية" كرمز للتفوق العسكري والتفوق الفضائي، محدِثًا نقلة نوعية في مفاهيم الدفاع العسكري والتسليح الفضائي، فهذه القبة تهدف إلى إنشاء درع صاروخي متعدد الطبقات يمتد من الفضاء إلى الأرض، لحماية الولايات المتحدة من تهديدات متطورة مثل الصواريخ الباليستية، والطائرات المقاتلة الموجة.

وفي هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات مثل: ما الملامح الأساسية لبرنامج "القبة الذهبية الأمريكية"؟ وما مستويات التهديدات التي من أجلها صُمم هذا البرنامج؟ وهل ستتمكن واشنطن من تنفيذ هذا البرنامج ضمن المهل الزمنية والميزانيات المعلنة (بحلول 2028–2029)؟ وكيف سيرد خصوم أمريكا— روسيا والصين، فهل سيشهد العالم سباق تسليح أكثر تكلفة وأشد خطورة؟

في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة على التساؤلات السابقة من خلال استعراض النقاط الأساسية التالية:

ما هو برنامج "القبة الذهبية الأمريكية (Golden Dome)"؟

مرت الولايات المتحدة بعدة مراحل من محاولات أولية في الخمسينيات، مرورًا بـمشروعات سيبرانية ورقمية في الستينيات والسبعينيات، ثم إلى مبادرات استراتيجية ضخمة في الثمانينيات (SDI)، وصولًا إلى أنظمة واقعية متعددة الطبقات في التسعينيات والقرن الواحد والعشرين، تشمل الصواريخ الأرضية والبحرية والأنظمة الفضائية المتقدمة، في كل هذه المحاولات تهيئ الطريق لـمشروع "القبة الذهبية" الذي يلبي الحاجة لدفاع شامل متكامل من الأرض إلى الفضاء.

ويمثل برنامج "القبة الذهبية الأمريكية" أحدث خطة أمريكية أمنية دفاعية أُعلن عنها في يناير 2025 ضمن "القبة الحديدية لأمريكا" (Iron Dome)، وتم تغيير التسمية لاحقًا إلى "القبة الذهبية"، وتتألف هذه القبة من منظومة متعددة الطبقات تشمل: أقمارًا صناعية قادرة على الكشف والتتبع، واعتراض أكثر تطورًا للصواريخ، فضلاً عن أنظمة أرضية مثل رادارات وصواريخ واعتراضات بالليزر، ورُصدت ميزانية أولية تبلغ 25 مليار دولار، مع تقدير كلي يتراوح بين 175 مليار دولار وفق البيت الأبيض إلى 831 مليار دولار وفق تقديرات مكتب الميزانية(CBO).

وبشكل إجمالي، تستهدف هذه الخطة توفير المزيد من الحماية للولاية المتحدة الأمريكية من الصواريخ الباليستية والحربية التقليدية والفرط صوت والهجمات المشبوهة من الجو والفضاء، وتمثل هذه القبة خطوة نوعية في تحول الدفاع الصاروخي إلى الدفاع الفضائي، مما يعزز ما سُمِّيَ بـ "الردع الواقعي" وليس التقليدي، حيث يمكن اعتراض التهديدات في مهدها. وتمثل تطويرًا لنهج "درع ذكي" وليس مجرد أسلحة، بدمج الذكاء الاصطناعي، والتتبع الفضائي، وأنظمة التحكم الذاتي.

ماذا عن أهمية منظومة القبة الذهبية والمستفيدون منها؟

تأتي هذه المنظومة للقبة الذهبية، استجابة لتصاعد القدرات العسكرية لدى روسيا والصين، وهو الأمر الذي يرسخ لأمريكا مرة أخرى في دور ريادي ضمن سباق الفضاء العسكري، بعد أفكار سابقة مثل مبادرة الدفاع الاستراتيجي "حرب النجوم" في الثمانينيات. وفي ضوء هذه الأهمية لمنظومة القبة الذهبية الأمريكية، يمكن تحديد أهم المستفيدين منها، فيما يلي:

(*) الولايات المتحدة والحلفاء: من شأن تفعيل برنامج القبة الذهبية الأمريكية، أن يسهم في تعزيز الأمن الوطني الأمريكي، وتقديم الولايات المتحدة نموذجًا جديدًا للدفاع، مع إمكانية تمديد الحماية لحلفاء عبر التعاون من خلال "النظام المشترك" (NORAD) .

(*) شركات الدفاع والفضاء: مثلSpaceX، Lockheed Martin، Palantir، Anduril، L3Harris وغيرها، في طليعة المنافسين لتقديم التكنولوجيا والخدمات.

(*) القطاع الفضائي التجاري: قد يستفيد من نمو العقود الحكومية وتوسع البحث والتطوير في الأقمار الصناعية الذكية والخدمات الفضائية.

الرد الروسي والصيني

فيما يتعلق بالرد الروسي على تبنى الولايات المتحدة لبرنامج "القبة الذهبية"، فإن روسيا ترى أن "القبة الذهبية" تهدد مبدأ الردع النووي المتبادل الذي يقوم على ضمان قدرة كل طرف على توجيه ضربة انتقامية، لذلك يُحتمل أن تشهد الفترة المقبلة قيام روسيا بما يلى:

(*) تطوير جيل جديد من الصواريخ النووية المتقدمة: وهذا يشمل تعزيز برامج مثل "أفانجارد" Avangard (مركبات فرط صوتية مناورة)، و"بوريفيستنيك" Burevestnik "(صواريخ نووية مجنحة بعيدة المدى)، و"بوسيدونPoseidon " (طوربيدات نووية تحت مائية عابرة للقارات)، فهذه الأسلحة تُصمم لتجاوز الدفاعات الأمريكية بقدرتها على المناورة وسرعاتها العالية.

(*) تصعيد سباق التسلح الفضائي مع الولايات المتحدة الأمريكية: وهذا يتضمن نشر روسيا لأنظمة مضادة للأقمار الصناعية (ASAT) لتعطيل أو تدمير الأقمار الأمريكية التي ستشكل "عيون" القبة، وتطوير أسلحة ليزر أرضية أو فضائية تستهدف أنظمة الاستشعار الأمريكية.

(*) شن روسيا الحروب السيبرانية:تستهدف هذه الحروب المحتملة مراكز القيادة والسيطرة وأنظمة الاتصالات للقبة بهجمات إلكترونية متقدمة.

(*) توسيع التعاون العسكري عبر تحالفات مضادة لواشنطن: يُتوقع أن تقوم موسكو بتوسيع التعاون العسكري مع الصين وإيران وكوريا الشمالية لتشكيل شبكة ردع مشتركة أمام واشنطن، وتبادل تقنيات التخفي والمناورة والتشويش.

وفيما يتعلق بالرد الصيني على تبنى الولايات المتحدة لبرنامج "القبة الذهبية، فإن الصين، مثل روسيا، تخشى من أن القبة ستقوض توازن الردع، لكنها قد تتبع مسارات أكثر تدرجًا تشمل ما يلي:

(*) زيادة حجم الترسانة النووية الصينية:ويرتبط ذلك بالإسراع في برنامج مضاعفة الرؤوس الحربية النووية (كما تتوقع تقارير البنتاجون أن تصل إلى 1500 رأس بحلول 2035)، فضلًا عن نشر الصين للصواريخ فرط صوتية بعيدة المدى مثل DF-27 وDF-41.

(*) تبني المزيد من تكتيكات الإشباع الصاروخي (Missile Saturation) : يرتبط ذلك بتطوير القدرات الصينية على إطلاق موجات كبيرة من الصواريخ والدرونات الهجومية؛ لإرباك أنظمة الاعتراض الأمريكية.

(*) زيادة الاهتمام والتركيز الصيني على الفضاء لأغراض عسكرية: وهذا يتضمن تعزيز الصين لبرنامج الفضاء العسكري(CSSHQ) ، وإطلاق أقمار صناعية هجومية أو تشويشية فضلًا عن الاستثمار في أسلحة الطاقة الموجهة (Directed Energy Weapons).

(*) تفعيل المواجهة مع واشنطن على الجبهة الاقتصادية والتكنولوجية: ستحاول الصين حرمان واشنطن من الموارد الحيوية لمشروع "القبة الذهبية" (مثل المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في تصنيع الأقمار والمستشعرات).

وفي النهاية، يمكن القول إن برنامج "القبة الذهبية الأمريكية"، يشكل نقطة فاصلة في تاريخ الدفاع الاستراتيجي، فهو يمثل تحول جوهري نحو الدفاع الفضائي المتقدم، ومرحلة جديدة من التوازنات العسكرية، فالقبة الذهبية" ليست مجرد مشروع دفاعي، بل معادلة ردع جديدة تحاول واشنطن فرضها في سباق التسلح، من الأرض إلى الفضاء، ورد روسيا والصين على تبني وتنفيذ واشنطن لهذا البرنامج، سيعتمد على مزيج من زيادة القدرات الهجومية واستهداف نقاط الضعف في القبة، بما في ذلك الأقمار الصناعية ومراكز القيادة، فالتهديدات التي تستهدفها هذه القبة متطورة جدًا، وبعضها لم يُختبر بعد في سيناريوهات قتال حقيقية، ما يجعل نجاح المشروع رهنًا بالابتكار المستمر والقدرة على تمويله لسنوات طويلة.