الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد القبض على والد ترامب بـ98 عامًا .. الرئيس الأمريكي يححق أمنية أبيه

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في صراع أمريكي ممتد منذ قرنين ونصف، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2025، حاملاً راية ما يسميه "استعادة الهوية الأمريكية"، وفي خطوة وصفت بأنها الأكثر جدلا في التاريخ الدستوري الحديث، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا يلغي حق المواطنة بالولادة، وهو الحق الذي حماه التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي لأكثر من 150 عامًا.

القرار يستهدف أبناء المهاجرين غير النظاميين المولودين على الأراضي الأمريكية، وحسب مجلة "فير أوبزيرفر" الأمريكية فالقرار يفتح أبواب مواجهة سياسية وقضائية حول تعريف "من هو الأمريكي" بين معايير الأرض وميراث الدم.

خلفية تاريخية

تعود جذور موقف ترامب المتشدد إلى إرث عائلي قديم، ففي عام 1927، وبينما كانت الولايات المتحدة تستقبل موجة هجرة ضخمة من غير البروتستانت والبيض غير المنحدرين من أصول إنجليزية أو ألمانية، ألقت شرطة نيويورك القبض على فريد ترامب، والد الرئيس الحالي، خلال شجار ذي طابع فاشي قرب مسقط رأس العائلة في كوينز.

آنذاك، كان فريد ترامب يرتدي زي جماعة "كو كلوكس كلان" (KKK) ويعلن أن "الأمريكيين البروتستانت المولودين في البلاد" يتعرضون لاعتداءات من "شرطة الروم الكاثوليك"، محذرًا من تهديد المهاجرين لـ"العلم الأمريكي" و"اللغة الإنجليزية".

ووصفت مجلة "فير أوبزيرفر" قرار ترامب بإلغاء حق المواطنة بالولادة، بأن "الابن الأب أصبح كالأب"، مشيرة إلى أن حادث القبض على والد ترامب عام ١٩٢٧، كان بسبب ما اعتقده بأن أمريكا ولغتها وعلمها أصبحوا مهددون من قبل المهاجرين.

والآن، بعد 98 عامًا، وفي أول يوم له في الرئاسة، أوفى ترامب بوعده الانتخابي، فأصدر أمرًا تنفيذيًا أنهى بموجبه "حق المواطنة بالولادة"، الذي منح الجنسية الأمريكية تلقائيًا، لأكثر من 150 عامًا، لأي شخص وُلد على أراضي الولايات المتحدة، ليواصل كفاح أبيه وأمريكا، الذي اتسم أحيانًا بالعنف والعنف، على مدار 250 عامًا، لتعريف من وما هو "أمريكي"، وأثار جدلًا ثوريًا بين المعتقدات والدم والأرض.

الدستور الأمريكي

وكفل التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة الأمريكية حق المواطنة بالولادة وحق الأرض لمدة 160 عامًا، وهو يرسخ أحد مبادئ المجتمع الأمريكي بأن الأمريكيين معرفون، وأمريكا مترابطة بمجموعة مثل عليا هي الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الفرد، والتسامح بين جميع الأديان والأعراق.  

لكن في التاريخ الأمريكي، تكررت مرارًا وتكرارًا في أربعينيات وسبعينيات وعشرينيات وستينيات القرن التاسع عشر، وحتى اليوم تتصاعد حدة النزعة المناهضة للهجرة عندما شعرت الثقافة البروتستانتية البيضاء، التي تأسست في أمريكا، وسكانها بالتهديد من قِبَل أعداد كبيرة من المهاجرين غير البيض وغير البروتستانت. 

وتتصاعد المطالبات بتقييد المواطنة بموجب حق الدم، وحق الولادة بالدم، وحق الإرث . وهذا ما يسعى دونالد ترامب إلى تحقيقه، كجزء من إجراءاته لوقف جميع أشكال الهجرة غير الشرعية.

المهاجرون والمجرمون

نظرة على الحدود الأمريكية المكسيكية توضح الدافع وراء القرار، فبحسب الأرقام، شهد عام 2022 دخول 2.6 مليون مهاجر غير نظامي من المكسيك، فيما يشكل المهاجرون 14% من سكان الولايات المتحدة، وهي أعلى نسبة منذ قرن.

ويقدّر عدد المقيمين غير الشرعيين بأكثر من 11 مليون شخص، أغلبهم من أصول لاتينية ويتحدثون الإسبانية، ونصفهم تقريبًا يواجه صعوبات في اللغة الإنجليزية.

لطالما ردد ترامب ومؤيدوه روايات عن المهاجرين غير النظاميين بوصفهم عبئًا على الاقتصاد ومصدرا للجريمة، لكن البيانات تظهر صورة مغايرة؛ فعددهم ظل مستقرًا منذ عقد، وهم يدفعون الضرائب، ويحصلون على إعانات أقل من المواطنين، ويرتكبون جرائم أقل منهم، فيما أظهرت استطلاعات أن 52% من الأمريكيين يعارضون إلغاء حق المواطنة بالولادة، مقابل 24% فقط يؤيدونه.

وتحذّر الدراسات من أن إلغاء حق المواطنة بالولادة قد يضرب ركائز الاقتصاد الأمريكي، إذ تعتمد الولايات المتحدة تاريخيًا على الهجرة لزيادة القوة العاملة وتحريك النمو، ووقف الهجرة أو تقييدها بشدة قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة، وزيادة التضخم، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن تسارع شيخوخة المجتمع وتفاقم عجز الموازنة.

كما أن حرمان أبناء المهاجرين غير النظاميين من الجنسية سيزيد عدد "العديمي الجنسية" بملايين خلال العقود المقبلة، مكوّنًا طبقة اجتماعية مهمشة تصل إلى 24 مليون شخص يعيشون خارج نطاق الحماية القانونية.

بالنسبة لترامب وأنصاره، تظل القضية ذات جذور ثقافية وعرقية أكثر منها اقتصادية، ويتوقع أن تسعى المحاكم، التي تشهد ميلًا متزايدًا لتوجهات ترامب، إلى إيجاد تفسيرات قانونية تدعم موقفه، رغم وضوح النصوص الدستورية في حماية حق المواطنة بالولادة.