أثار قرار الكابينت الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة بالكامل، موجة من الانتقادات الحادة سواء داخل إسرائيل أو خارجها، ففي حين وصفت المعارضة القرار بخطوة كارثية، طالبت العديد من الدول بوقف فوري للخطة.
وأدانت مصر -بأشد العبارات- هذا القرار مؤكدة أنه يهدف إلى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، ومواصلة حرب الإبادة في غزة، والقضاء على كل مقومات حياة الشعب الفلسطيني وتقويض حقه في تقرير مصيره وتجسيد دولته المستقلة وتصفية القضية الفلسطينية، وذلك في انتهاك صارخ ومرفوض للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
مصر تحذر
جددت مصر التأكيد على أن مواصلة إسرائيل سياسة التجويع والقتل الممنهج والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وتزيد من تصعيد التوتر وتعميق الكراهية ونشر التطرف في المنطقة، والذي تفاقم بالفعل بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وما خلفه من كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية.
ودعت مصر المجتمع الدولي -بما في ذلك مجلس الأمن وجميع الأطراف المعنية- إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف سياسة العربدة وغطرسة القوة التي تنتهجها إسرائيل والتي تهدف إلى فرض أمر واقع بالقوة، وتقويض فرص تحقيق السلام، والقضاء على آفاق حل الدولتين.
وأعادت مصر التأكيد على أنه لا أمن ولا استقرار ستنعم به إسرائيل والمنطقة إلا من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
دعوة لإنهاء الحرب
دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى وقف خطتها الرامية للسيطرة العسكرية على غزة، وجاء في بيان لها: "ندعو إلى وقف الخطة الإسرائيلية بشأن غزة فورًا".
كما أصدرت 28 دولة غربية بيانًا مشتركًا يدعو إلى إنهاء الحرب وبدء الاستعدادات الحقيقية لحل إنساني شامل، وأكد البيان على ضرورة منع إلحاق المزيد من الضرر بالمدنيين وضمان وصول المساعدات دون قيود.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إنه يجب إعادة النظر في قرار الحكومة الإسرائيلية بتمديد عمليتها العسكرية في غزة، مضيفة أنه يجب وقف إطلاق النار الآن وإيصال المساعدات إلى القطاع فورًا والإفراج عن المحتجزين.
وطالبت وزارة الخارجية التركية، إسرائيل بوقف خططها العسكرية في غزة بشكل فوري، معتبرة أن خطوات حكومة بنيامين نتنياهو لمواصلة الإبادة الجماعية وتوسيع احتلال القطاع تمثل ضربة قاصمة للسلام والأمن العالميين.
وقررت ألمانيا إيقاف الصادرات العسكرية لإسرائيل، مؤكدة على ضرورة وقف إطلاق النار بغزة، وأكد المستشار الألماني فريدريش ميرز، أنّ الحكومة أوقفت الصادرات العسكرية إلى إسرائيل حتى إشعار آخر ردًا على قرار احتلال غزة.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، موافقة الحكومة الإسرائيلية على تصعيد هجومها على غزة بالقرار الخاطئ، وحثها على إعادة النظر فورًا في القرار، وفقًا لوكالة "رويترز".
ودعت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وانج إسرائيل، صباح اليوم، إلى التراجع عن هذه الخطوة، محذرة من أن احتلال غزة سيفاقم الأزمة، وقالت "أستراليا تدعو إسرائيل إلى عدم اتباع هذا المسار، الذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة".
وانضم وزير الخارجية البلجيكي إلى موجة الإدانات بعد قرار إسرائيل احتلال غزة، وإضافةً إلى ذلك استُدعي السفير الإسرائيلي في بلجيكا للتعبير عن "رفضه التام لقرار احتلال غزة وتجديد المستوطنات"، كما أعلنت الدولة الأوروبية.
وصرح وزير خارجية النرويج: "إذا سيطرت إسرائيل سيطرة كاملة على قطاع غزة، فسيكون ذلك انتهاكًا غير مقبول للقانون الدولي". فيما قال وزير الخارجية الهولندي: "خطة إسرائيل لزيادة نشاطها في غزة خاطئة، والوضع الإنساني كارثي ويتطلب تحسينًا فوريًا. قرار إسرائيل لا يُسهم بأي شكل من الأشكال في إطلاق سراح المحتجزين".
وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألبرز: "ندين قرار إسرائيل احتلال غزة، الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة. إن وقف إطلاق النار الدائم، وإتاحة وصول المساعدات فورًا وعلى نطاق واسع، وإطلاق سراح المحتجزين، أمورٌ ملحة".
وصرح وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن، أن قرار إسرائيل تكثيف عملياتها العسكرية في غزة خاطئ ويجب أن تتراجع عنه فورًا، وفقًا للقناة الثانية في التلفزيون الدنماركي.
من جهتها، عبرت الرئاسة الفلسطينية، عن رفضها وإدانتها الشديدين للقرارات الخطيرة التي أقرّها "الكابينت" الإسرائيلي، معتبرة إياها جريمة مكتملة الأركان تمثل استمرارًا لسياسة الإبادة الجماعية والقتل الممنهج والتجويع والحصار، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية.
ورفض أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، هذه الخطة أُعلن عن مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر عليها، وتقضي بـ"إعادة" احتلال قطاع غزة، ووضعه تحت سيطرة إسرائيلية، وتهجير سكان مدينة غزة وحشر أغلب سكان القطاع في زاوية ضيقة في جنوبه.
وأدان الأردن الخطة التي أقرها الكابينت، وأوضح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير سفيان القضاة: أن "السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة تنسف الجهود الدولية المستهدفة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية في القطاع".
انتقادات داخلية
في الداخل، قال رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، اليوم، إنه "سيكون من الصعب على القوات الإسرائيلية السيطرة طويلة الأمد في غزة"، وفقًا لصحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية.
وذكر "زامير" أن "وحدات الاحتياط تعاني حالة إرهاق وسيكون للأمر تداعيات ملموسة وصعبة".
من جهتها، انتقدت المعارضة في إسرائيل الخطة ووصفتها بـ "الكارثة" التي ستؤدي إلى مقتل المحتجزين والجنود الإسرائيليين.
ووصف زعيم المعارضة يائير لابيد هذه الخطوة في منشورٍ على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" بأنها "كارثةٌ ستؤدي إلى كوارثَ أخرى كثيرة"، مضيفًا أنها "اتُّخذت بتناقضٍ تامٍّ مع رأي الصفوف العسكرية والأمنية".
وأضاف لابيد "أن وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش جرّا نتنياهو إلى خطوةٍ ستستغرق شهورًا، وستؤدي إلى مقتل المحتجزين والعديد من الجنود، وستكلف دافعي الضرائب الإسرائيليين عشرات المليارات، وستؤدي إلى انهيارٍ سياسي".
وذكر أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق أن "قرار مجلس الوزراء بالضغط من أجل الاستيلاء على غزة رغم اعتراض كبار مسؤولي الدفاع يُثبت أن قرارات مصيرية تُتخذ على خلاف الاعتبارات الأمنية وأهداف الحرب".
وأضاف: "رئيس وزراء 7 أكتوبر يُضحي مرة أخرى بأمن المواطنين الإسرائيليين من أجل منصبه".
وقال يائير جولان، رئيس حزب الديمقراطيين، لإذاعة جيش الاحتلال إن القرار بمثابة "كارثة لأجيال"، مؤكدًا "أنه يعني التخلي عن المزيد من المحتجزين".
وأضاف: " إنها خطوة نموذجية لنتنياهو، إنه ضعيف، سهل الضغط، يفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرار، والقدرة على الربط بين ما يقدمه المستوى المهني ومجموعة المسيطرين على الحكومة".
حكم بالإعدام على المحتجزين
وقال منتدى عائلات المحتجزين في بيان: "حكمت الحكومة الإسرائيلية الليلة على المحتجزين الأحياء بالإعدام، وعلى الموتى بالاختفاء".
وأضاف: إن قرار مجلس الوزراء ببدء عملية احتلال القطاع هو إعلان رسمي بالتخلي عن المحتجزين، في تجاهل تام للتحذيرات المتكررة من قبل القيادة العسكرية والرغبة الواضحة لدى معظم الإسرائيليين".
وتقول إسرائيل إنها تسيطر حاليًا على 75% من القطاع، بينما تجنب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى حد كبير دخول الـ 25% المتبقية، والتي تضم في الغالب مدينة غزة ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع؛ لاعتقاده أن معظم المحتجزين موجودون هناك.
فيما يتواجد حاليًا جميع سكان غزة تقريبًا، البالغ عددهم مليوني نسمة، في الجزء الضئيل غير الخاضع لسيطرة جيش الاحتلال.