الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بلوشستان على خط النار.. توابع الحرب الإيرانية الإسرائيلية تضرب باكستان

  • مشاركة :
post-title
إقليم بلوشستان لا يزال يعاني من ارتدادات الحرب الإسرائيلية الإيرانية

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

رغم أن دوي القصف بين إيران وإسرائيل خفت مع إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن أصداءه لا تزال تتردد بقوة في مناطق بعيدة عن خطوط المواجهة المباشرة، فإقليم بلوشستان، الواقع في أقصى جنوب غرب باكستان، وجد نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة أمنية وإنسانية، لا بفعل نيران الحرب وحدها، بل بفعل ارتداداتها الطائفية، والاقتصادية، والسياسية.

مجلة "فير أوبزرفر" الأمريكية، تستعرض تأثير الحرب القصيرة المدى وطويلة الأثر على واحدة من أكثر مناطق جنوب آسيا هشاشة.

توابع الحرب

انتهت المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، التي استمرت 12 يومًا بدءًا من 13 يونيو حتى إعلان وقف إطلاق النار في 24 من الشهر ذاته، بعد أن بدأت بضربات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية إيرانية ورد إيراني انتقامي، ورغم توقف القتال رسميًا، فإن التوترات الإقليمية تواصل ضغطها على أطراف عدة، لا سيما في باكستان، وتحديدًا إقليم بلوشستان المتاخم لإيران.

وحسب المجلة الأمريكية، فقد تسبب الصراع في تعطيل التجارة الحدودية ونقص حاد في الوقود، مما أدى إلى تعميق الأزمات الإنسانية والأمنية في المنطقة، وأمام هذا التصعيد، عقدت لجنة الأمن القومي الباكستانية اجتماعًا عاجلاً في 23 يونيو لتقييم التداعيات الاستراتيجية والدفاعية، إلى جانب الأبعاد الإنسانية التي تهدد الاستقرار الاجتماعي على حدود البلاد الغربية.

ويُعد إقليم بلوشستان، الأكبر مساحة في باكستان، أحد أبرز المناطق الجيوستراتيجية في البلاد، نظرًا لامتداده الحدودي الطويل مع إيران (نحو 562 ميلًا)، وقد انعكست ارتدادات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية بوضوح على هذا الإقليم، ما فاقم الهشاشة الأمنية وأجج النزعات الطائفية ضمن مجتمع متنوع تنتمي غالبيته إلى الطائفة السنية، مع وجود أقلية شيعية تُقدَّر بنحو 15% من السكان.

هذه التركيبة الطائفية المعقدة جعلت من بلوشستان ساحةً مُحتملة لتسرب الخطاب الطائفي، واستغلال التوترات من قبل جماعات مسلحة مثل جيش تحرير بلوشستان، الذي قد يعيد إحياء الدعوات الانفصالية تحت راية ما يُعرف بـ"بلوشستان الكبرى".

مؤشرات تمرد

ورصدت تقارير إعلامية وأمنية أنشطة متزايدة لمسلحين بلوش في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية خلال فترة الحرب، وقد شهدت جامعة المحافظة احتجاجات طلابية عنيفة، ردًا على تصريحات وصفت بأنها مهينة من دانييل أسد الله، أحد أعضاء الجمعية الإسلامية في الجامعة وعميل أمني، تجاه الشعب البلوشي.

ونشر المولوي طيب إسماعيل زاهي، نجل رجل الدين المعروف المولوي عبد الحميد، منشورًا على "إنستجرام" يشيد فيه بكرامة ووحدة الشعب البلوشي، داعيا إلى الصبر والدعاء من أجل رفعة الوطن، يُشار إلى أن الناشط يقود حملة لإسعاد الشعب البلوشي ونقل صوته إلى العالم، خاصة في مدينة جيه (نيكشهر).

ومع تصاعد التوترات، شددت السلطات الإيرانية الإجراءات الأمنية عند مداخل مدينة زاهدان، مركز الثقل الأمني للحرس الثوري الإيراني، كما أغلق المسلحون البلوش عدة محاور رئيسية مثل طريق سرباز-مهرستان، وطريق بهرا نيشخار-جابهار، للسيطرة على حركة دخول وخروج القوات العسكرية.

في حادث نوعي، تشير التقارير إلى مقتل طالبي فرد، ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في منطقة فرج، أثناء محاولته الفرار، في عملية نسبها الإعلام المحلي إلى ناشطين بلوش، وتعد هذه العملية الهجوم الرابع من نوعه منذ اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل.

أمن باكستان على المحك

لا تقتصر تداعيات الصراع الإيراني-الإسرائيلي على الداخل الإيراني فحسب، بل ألقت بظلالها على الحدود الباكستانية أيضًا، وعلى الرغم من نجاح الوساطة الأمريكية في الوصول إلى وقف لإطلاق النار، فإن المخاوف لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بـمضيق هرمز، الشريان البحري الحيوي للتجارة العالمية.

كانت تهديدات إيران بإغلاق المضيق، إذا نُفذت، ستُحدث اضطرابات كبيرة في أسواق النفط العالمية، بما في ذلك ارتفاع الأسعار، وتفاقم التضخم، وتدهور سعر صرف الروبية الباكستانية، وزيادة حدة أزمة الطاقة.

في بلوشستان، حيث تعتمد قطاعات واسعة من السكان على التجارة غير الرسمية، فإن استمرار التوترات قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية محققة، وتعكس هذه الهشاشة مدى تأثر باكستان البعيد ظاهريًا عن مسرح الحرب المباشر، بالتحولات الجيوسياسية الإقليمية.

وقف هش لإطلاق النار

رغم هشاشة وقف إطلاق النار، إلا أنه يمثل فرصة ثمينة لاحتواء التصعيد ومنع توسع رقعة النزاع في غرب وجنوب آسيا، دعت مجلة "فير أوبزرفر" إلى استثمار هذا الهدوء المؤقت عبر جهود دبلوماسية مشتركة، بمشاركة الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، وباكستان، لإنشاء منتدى سلام محايد بقيادة الأمم المتحدة.

يجب أن يركز هذا المنتدى على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية، والتطرف الديني، والحرب بالوكالة، والخطاب الطائفي، كما أن تعزيز الدعم الإنساني وضمان استمرار وقف إطلاق النار يُعدّ أمرًا حيويًا لمنع عودة الحرب.

وحسب "فير أوبزرفر" فالسلام الهش، إن لم يدعم بخطوات جادة، قد يتبخر، ويعود العنف إلى الواجهة، ما ستكون له آثار مدمرة على الاستقرار الإقليمي والعالمي على حد سواء.