في الوقت الذي تتكثف فيه سحب الحرب وتزداد توترات المشهد السياسي والعسكري في إسرائيل، يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه في مفترق طرق خطير، بين غموض في القرارات، وتضارب في المواقف، وصراع داخلي آخذ في التصاعد بين رأس السلطة السياسية وقيادة جيش الاحتلال.
بداية المأزق
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حسم أمره، وطرح بالفعل على المجلس الوزاري الأمني السياسي اقتراحاً بالسعي نحو "احتلال كامل" لقطاع غزة، بهدف هزيمة حركة حماس، وهي خطوة تعد انقلابا على تحذيرات صريحة من قادة الجيش الإسرائيلي بشأن مخاطر العملية على حياة المحتجزين، واستنزاف جيش الاحتلال من قواته الاحتياطية والنظامية.
ورغم هذه التحذيرات، كشفت مصادر إسرائيلية مطلعة على الاجتماع، بحسب الصحيفة العبرية، أن نتنياهو بدا عازمًا على المضي قدمًا في تنفيذ هذا القرار، خلال نقاش أجري مساء بشأن استمرار الحرب، وشارك فيه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان اللواء إيال زامير، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس إدارة العمليات اللواء إيتسيك كوهين.
أزمة الثقة
في خضم هذا التحول الجذري، بدأ المحيطون بنتنياهو، وعلى رأسهم نجله يائير، حملة داخلية لنزع الشرعية عن رئيس الأركان إيال زامير، ووصف زامير بأنه ينتمي إلى ما يسمى بـ"جيل الحمل"، وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى أولئك الذين كانوا جزءًا من النخبة السياسية والعسكرية التي شهدت كارثة السابع من أكتوبر.
الحديث الدائر في أروقة نتنياهو يزعم أن رئيس الحكومة لم يكن يريد زامير منذ البداية، وأنه عين تحت ضغط وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي رفض توسيع قائمة المرشحين، بل إن بعض التقارير السابقة أشارت إلى تدخل من سارة نتنياهو، التي رغبت بإضافة ديفيد زيني إلى القائمة، الذي أصبح لاحقًا مرشحًا لرئاسة جهاز "الشاباك".
وفي حفل تغيير رئيس الأركان قبل خمسة أشهر، أثنى نتنياهو على زامير قائلًا: "رشحتك ثلاث مرات، والآن حان وقت البلبل"، في تلك المناسبة، تحدث نتنياهو بإعجاب عن التزام زامير المهني والصهيوني، في تناقض صارخ مع الحملة الحالية ضده.
تسويق الغزو
في ظل فشل جهود الوساطة، قد يقدم نتنياهو على تسويق قرار الغزو الكامل باعتباره السبيل الوحيد لإنقاذ المحتجزين، خاصة بعد عرض لقطات لأسرى إسرائيليين مثل روم بريسلافسكي وإيفاتار ديفيد، وأن تكون الرسالة المحتملة هي أن "حماس لا تريد اتفاقًا بل تماطل، وفي هذه الأثناء يموت المحتجزين جوعًا".
وقد يعمد نتنياهو إلى الادعاء بأنه منح فرصًا متعددة للوساطة، لكن الرفض المتكرر من حركة حماس وغياب التنازلات دفعاه، بدعم أمريكي، لاتخاذ القرار الحاسم بإنهاء حكم حماس في غزة بالقوة.
ورغم أن الخطاب الرسمي لا يعترف بذلك، إلا أن موقف نتنياهو الجديد ينسجم مع الرؤية التي تبناها مبكرا وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير، الذين طالبوا منذ البداية باحتلال غزة وإخضاع حماس، بل إن سموتريتش طالب أيضًا بضم الأراضي، وهو ما وعد به نتنياهو لاحقًا "رمزيًا" في حال فشل الاتفاق.
ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه الخطة قد يشعل أزمة دبلوماسية مع الحلفاء، في ألمانيا، على سبيل المثال، التي هددت بأنه في حال أقدمت إسرائيل على ضم أراضٍ، فستضطر إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتنضم إلى سلسلة دول اتخذت هذا التوجه أخيرًا.
الضوء الأخضر الأمريكي
تؤكد "يديعوت أحرونوت" أن جزءًا من قرار نتنياهو كان مشروطًا بحسابات أمريكية دقيقة، فبعد أن حاول كسب وقت للمفاوضات بشأن صفقة المحتجزين، واحتوى الأولويات الأمريكية المرتبطة بالملف الإيراني، حصل أخيرا على ما وصفه بـ"الضوء الأخضر" من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي منحه، بحسب التقرير، مهلة شهرين لاستنفاد قنوات الحوار.
ومع انهيار المفاوضات الأخيرة، يرى نتنياهو أن اللحظة قد حانت للمضي بخطته، قائلًا "إن الهجوم الكامل هو وحده من سينقذ المحتجزين، بعد أن بات الانتظار نوعا من الإعدام البطيء لهم".
رغم المظاهر الحاسمة، لا يستبعد مراقبون، بحسب "يديعوت أحرونوت" أن تكون تحركات نتنياهو الأخيرة مجرد تكتيك، إما للضغط على حماس، أو لدفع رئيس الأركان زامير إلى الاصطفاف خلف رؤيته أو حتى الاستقالة، تمهيداً لإعادة تعيين قائد عسكري يؤمن بـ"النصر المطلق".
من جانب آخر، هناك تيارات داخل الجيش ترى أن الغزو الكامل يهدد حياة المحتجزين، وتدعو للمرونة والعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي المقابل، يرد نتنياهو بأن هناك "خطوطًا حمراء" لا يمكن تجاوزها.
في ظل تصاعد التوترات، سيكون على نتنياهو أن يخاطب الجمهور الإسرائيلي بصوته الشخصي، لا عبر "شخصيات سياسية" مجهولة، ليعلن بوضوح ما إذا كانت خطته لغزو غزة تعبر عن إرادته فعلاً أم أنها مناورة سياسية لتجاوز أزمة داخلية أو خارجية.