الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود التكلفة الاقتصادية لاستمرار حرب غزة

  • مشاركة :
post-title
قطاع غزة

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

منذ اندلاع الحرب على غزة، 7 أكتوبر 2023، تتصاعد التكلفة الإنسانية والسياسية والاقتصادية بشكل كبير، ففي ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وعدم التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، تتزايد الأعباء الاقتصادية على جميع الأطراف بشكل يومي، مع عواقب وخيمة على المديين القصير والطويل على الاقتصادات المحلية والإقليمية.

ويتحمل هذه التكلفة في المقام الأول، الفلسطينيون والإسرائيليون، ومواطنو الدول المتأثرة بتلك الحرب خاصة دول الجوار الجغرافي لفلسطين المحتلة وإسرائيل عبر تزايد العجز والديون فيها، والمانحون الدوليون "الأمم المتحدة، دول الخليج، أوروبا، وأمريكا"، والأجيال القادمة عبر تراكم الديون وتأجيل التنمية.

في السياق ذاته، تثار العديد من التساؤلات؛ أهمها ما الخسائر الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على غزة على طرفي الصراع؟، وإلى أي مدى تأثر الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط بل والعالم باستمرار الحرب؟ وما السبيل لوضع نهاية لتلك الخسائر؟

في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة على التساؤلات السابقة من خلال استعراض النقاط الأساسية التالية:

خسائر غزة الباهظة

يمكن تحديد حجم التكلفة الاقتصادية لاستمرار آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، فيما يلي:

(*) الخسائر المباشرة على القطاع: نتج عن الحرب الإسرائيلية على غزة، دمار واسع للبنية التحتية بنحو 10-15 مليار دولار "طرق، شبكات مياه وكهرباء، مستشفيات، ومدارس". فقد تم تدمير أكثر من 70% من المباني السكنية في غزة، فضلًا عن التوقف التام لمعظم الأنشطة الاقتصادية "تجارة، زراعة، وخدمات".

(*) الخسائر غير المباشرة على القطاع: تشمل هذه الخسائر انهيار شبه كلي للاقتصاد المحلي، وارتفاع معدل البطالة في غزة إلى أكثر من 80%. وترتب على ذلك خسائر في الناتج المحلي الإجمالي تصل 25-30%، فضلًا عن زيادة الاعتماد على المساعدات الدولية والإغاثية.

بشكل إجمالي، بلغت الأضرار المباشرة وغير المباشرة لاستمرار الحرب على غزة، أكثر من 70 مليار دولار، وبالتالي تحقيق خسائر في الإنتاج والنشاط الاقتصادي، تُقدر بنحو 25-30 مليار دولار. وقد ترتب على ذلك خسائر للاقتصاد الفلسطيني الذي انكمش ناتجه المحلي بنسبة 25-30%، وتأثر كذلك بتراجع النمو في الضفة الغربية بسبب آثار هذه الحرب، واستمرار العمليات العسكرية فيها. ويتوقع استمرار هذه الخسائر في ظل تعثر المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتهريب رؤوس الأموال وهروب الاستثمارات من الضفة الغربية خوفًا من التصعيد.

خسائر إسرائيل

تُقدر التكلفة العسكرية المباشرة للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، بنحو 12 إلى 18 مليار دولار، إضافة إلى خسائر اقتصادية نتيجة إغلاق مدن ومصانع وتعليق الأنشطة في إسرائيل، التي تُقدر بنحو 8 إلى 10 مليارات دولار.

وتُقدر التكلفة الإجمالية الإسرائيلية للحرب على غزة بنحو 250 مليار شيكل "نحو 67.57 مليار دولار"، وفقًا لتقديرات بنك إسرائيل. وسجلت إسرائيل عجزًا في الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل "نحو 5.2 مليارات دولار"، ديسمبر 2024، نتيجة ارتفاع النفقات العسكرية وتراجع الإيرادات.

وفيما يتعلق بأهم القطاعات المتأثرة سلبًا بتلك الحرب، فإنها تشمل السياحة، إذ تراجعت السياحة الوافدة لإسرائيل بنسبة تجاوزت 70% مقارنة بعام 2023، وأغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها. كذلك تأثرت قطاعات البناء والتقنية الفائقة والزراعة والطيران، مع تراجع الاستثمارات في قطاع التقنية بنسبة 15%. ويتوقع استمرار هذه الخسائر في ظل تعثر المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

تداعيات ممتدة

تتجلى بعض هذه الخسائر في تأثر سلاسل الإمداد نتيجة اضطرابات في موانئ وممرات إقليم الشرق الأوسط، وبالتالي تراجع ثقة المستثمرين في استقرار هذا الإقليم. فتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس "بسبب هجمات الحوثيين"، أثر سلبًا على إيرادات القناة بفقدان نحو 6 مليارات دولار، إضافة إلى انخفاض عائدات السياحة في دول قريبة أو معنية بالصراع.

ومن شأن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، استمرار تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي عبر ارتفاع أسعار النفط والنقل البحري، خصوصًا مع استمرار تهديد الملاحة الدولية، وهو الأمر الذي من شأنه استمرار اضطراب سلاسل التوريد، بسبب عدم الاستقرار، ما يفاقم التضخم عالميًا.

وفي النهاية، يمكن القول إن عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يُشكل نزيفًا اقتصاديًا متواصلًا، يُعيق أي أمل في الاستقرار أو التنمية ليس فقط لطرفي الصراع، وإنما لإقليم الشرق الأوسط. وعلى النقيض من ذلك، في حالة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإنه يمكن البدء في إعادة الإعمار وتخفيف الأعباء الاقتصادية في قطاع غزة. ومن المتوقع استعادة معدلات نمو بنسبة من 5 إلى 7% سنويًا في غزة والضفة الغربية. وبالتالي إمكانية تحقيق تخفيض كبير في الحاجة للمساعدات الطارئة. فوقف إطلاق النار ليس فقط ضرورة إنسانية، بل أيضًا خيار اقتصادي عقلاني يُخفف العبء عن كل الأطراف، ويُعيد فتح الأفق أمام عملية إعادة البناء والتنمية المستدامة، وهو الأمر الذي يتطلب تكثيف الضغوط الدولية لإقرار وقف إطلاق نار شامل في غزة عبر تعزيز جهود الوساطة المصرية القطرية الأمريكية في هذا الخصوص، على أن يتم بالتزامن مع ذلك تنفيذ الخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار والمرتبطة بوقف دائم للحرب، ووضع آليات رقابة دولية لضمان استدامة السلام والاستقرار الاقتصادي في غزة والضفة الغربية.