الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسارات متشابكة.. ما مستقبل قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار؟

  • مشاركة :
post-title
آثار الدمار في قطاع غزة

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

منذ السابع من أكتوبر 2023 وقطاع غزة يتعرض لأشد الاعتداءات الإسرائيلية على مختلف قطاعاته، إذ تبنى الاحتلال سياسة "الأرض المحروقة" داخل الأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي جعل التكلفة الاقتصادية على القطاع تصل إلى 80 مليار دولار، ومن هنا وبعد 15 شهرًا من الحرب على غزة، جاء اتفاق وقف إطلاق النار، ليُخفف معاناة الفلسطينيين التي زادت حدتها بشكل يفوق الوصف، ويفتح بداية للحديث عن كيفية إعادة إعمار غزة.

وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على حجم الخسائر الناتجة عن الحرب في غزة، إضافة إلى توضيح مسارات إعادة إعمار القطاع، خلال الفترة المُقبلة.

ملامح قطاع غزة بعد الحرب
تقديرات مهمة

يُمكن توضيح التكلفة التقديرية للخسائر الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على غزة على النحو الذي يوضحه الشكل (1):

الشكل (1) يوضح التكلفة التقديرية لإعادة إعمار قطاع غزة

(-) تكلفة القطاع الصحي: يبلغ إجمالي عدد المستشفيات في قطاع غزة نحو 36 مستشفى، ونتيجة الحرب تعمل فقط 16 مستشفى بشكل جزئي، لا تزيد طاقتها الكلية على 1800 سرير، إذ شن الاحتلال 520 هجومًا على المستشفيات بالقطاع خلال الحرب، ووفقًا للصحة العالمية فإن إعادة تأهيل القطاع الصحي في غزة يحتاج إلى 10 مليارات دولار.

(-) تكلفة القطاع التعليمي: في ديسمبر 2024 قدمت منظمة اليونيسف إحصائيات بأن هناك 496 مدرسة متضررة من أصل 564 منشأة تعليمية، إذ تعرضت 396 مدرسة لضربات مباشرة، ومن هنا يُمكن القول إن الـ496 مدرسة يتكلف بناء الوحدة فيها نحو 4 ملايين دولار، وهو الأمر الذي يجعل تكلفة إعمار القطاع التعليمي نحو 1.98 مليار دولار.

(-) تكلفة الخدمات الحيوية: أحدث الاحتلال الإسرائيلي تدميرًا كبيرًا في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء، كما تضرر مبنيان من مرافق شركة الكهرباء، هي فرع الشركة بمحافظة الوسطى وفرعها بمحافظة خان يونس، إضافة إلى تضرر المستودعات والمخازن، إذ تدمر 4 مستودعات بشكل كلي، و3 أخرى دُمرت جزئيًا، وقدرت شركة الكهرباء التكاليف الأولية بنحو 450 مليون دولار، ومن حيث خسائر قطاع المياه، فإن سلطة المياه الفلسطينية أفادت بأن خسائر القطاع تصل نسبتها إلى 80%، بما يشمل الآبار ومحطات الضخ ومحطات التحلية وشبكات التوزيع ومحطات الصرف الصحي، وهو الأمر الذي تُقدر تكلفته بنحو 700 مليون دولار.

(-) تكلفة تدمير الطرق: أوضحت منظمة "يونوسات" الأممية أن إجمالي الطرق المُدمرة في قطاع غزة بلغت نحو 1190 كيلو مترًا، إذ إن هناك 415 كيلومترًا من الطرق المُدمرة بشدة، و1440 كيلو مترًا من الطرق المتضررة بشكل معتدل، وبالتالي تُشير هذه الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 68% من إجمالي شبكة الطرق تضررت في قطاع غزة، وهو ما تبلغ تكلفته التقديرية حسب الخبراء نحو 3 مليارات دولار.

(-) تكلفة تدمير المساجد والكنائس: أوضحت وزارة الأوقاف الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجدًا تدميرًا كاملًا، و148 مسجدًا أُصيبت بأضرار بالغة، من أصل 1245 مسجدًا، كما أن البيانات المستمدة من قاعدة البيانات الجغرافية "Open Street Map" أوضحت أن أكثر من 83% من مساجد غزة تعرضت لأضرار أو دمرت، إضافة إلى ذلك دمر الاحتلال 3 كنائس تدميرًا كاملًا، ولما كان تكلفة إنشاء المسجد أو الكنيسة في غزة تُقدر بنحو مليون دولار، فإن تكلفة إعمار المساجد تبلغ نحو 890 مليون دولار، بينما يتكلف إعمار الكنائس نحو 3 ملايين دولار.

(-) تكلفة المباني السكنية: قدرت الأمم المتحدة، باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، أن 69% من المباني في غزة تعرضت للدمار أو للأضرار، بما في ذلك أكثر من 245 ألف منزل، ولما كان المنزل في غزة يُكلف نحو 100 ألف دولار، فتكلفة الإعمار السكني في غزة تتكلف نحو 24.5 مليار دولار.

(-) تكاليف تقديرية أخرى: إضافة إلى التكاليف التي تم عرضها في الأسطر السابقة، هناك العديد من الخسائر الأخرى التي حدثت في قطاع غزة جراء الحرب، خاصة الخسائر في القطاع الزراعي، إذ إن الاحتلال تعمد تدمير جميع الأراضي الزراعية في قطاع غزة البالغ مساحتها 43 فدانًا، وهو ما جعل حجم الخسائر يصل نحو مليار دولار وفقًا لإحصاءات رسمية، فضلًا عن الخسائر التي حدثت في المنطقة الصناعية بغزة، فكما يوضح الجدول (1) توقف 90% من المنشآت عن العمل، كما تراجع حجم التشغيل بنسبة 92%، إذ قُدر حجم خسائر القطاع الصناعي بنحو 5 مليارات دولار، بما يشمل المباني والمعدات والمواد الخام والنقل والمنتجات، فضلًا عن الخسائر الناجمة عن تدمير 200 مقر حكومي و36 صالة ألعاب رياضية و206 مواقع أثرية، التي تُقدر تكلفتهم بنحو 2.47 مليار دولار، ومن ناحية أخرى فإن إزالة الركام الناتج عن الحرب قُدرت تكلفته بنحو 1.2 مليار دولار بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

الجدول (1) يوضح خسائر القطاع الصناعي في غزة - المصدر: الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية (2024)

وفي السياق ذاته؛ أشار البنك الدولي إلى انهيار الناتج المحلي الإجمالي في القطاع بنسبة 86% في نهاية النصف الأول من عام 2024، إضافة إلى ارتفاع التضخم بنسبة 300%، وهو ما جعل إجمالي الخسائر في قطاع غزة يصل أكثر من 80 مليار دولار.

سيناريوهات مستقبلية

يُمكن بلورة عدة سيناريوهات حول مستقبل قطاع غزة، على النحو التالي:

(-) استمرار الوضع الراهن: يسري هذا السيناريو حال فشل الحل السياسي على الأراضي الفلسطينية، واستمرار تعنت الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، بممارسة الحصار وتردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ما يؤدي إلى مزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على السكان.

(-) تصعيد عسكري: سيحدث التصعيد العسكري حال اندلاع جولات جديدة من الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، إذ يعتمد هذا السيناريو على التوترات في المنطقة والسياسات الإسرائيلية، ويتضمن هذا السيناريو استمرار إسرائيل في سعيها نحو تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.

(-) إقامة دولة فلسطينية: هذا السيناريو مرهون بالتوصل إلى حل سياسي شامل بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة تؤدي إلى تحسين أوضاع غزة، ويعتبر هذا السيناريو من وجهة النظر المتفائلة للغاية، فالاحتلال الإسرائيلي لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية بشكل طبيعي، خاصة مع الدعم الدولي له.

مسارات إعادة الإعمار

يكمُن إعادة إعمار قطاع غزة في العديد من المسارات المهمة، التي سيتم توضيحها فيما يلي:

مسارات إعادة إعمار غزة
أولًا: المسار السياسي

يعتبر هذا المسار هو بداية التفكير في إعادة إعمار غزة، ويمكن توضيح الدعائم الأساسية لهذا المسار، من خلال النقاط التالية:

(-) رؤية سياسية مصرية: أدركت القيادة السياسية في مصر، أن السعي وراء إنهاء الحرب في قطاع غزة، هو الطريق الوحيد نحو استقرارها، فدور مصر المحوري في اتخاذ قرار وقف إطلاق النار بالقطاع من الأدوار الاستراتيجية التي قامت بها الدولة المصرية في الفترة الأخيرة، فحسبما أشار الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، إلى أن هذا الاتفاق كان لا يتحقق دون الدور الجوهري والتاريخي لمصر في الشرق الأوسط، فنجاح هذا الاتفاق كان امتدادًا لدور مصر الفاعل طوال الحرب، وتلخيصًا لهذه الإيديولوجية، يُمكن القول إن الرؤية السياسية لمصر في إعادة إعمار غزة تتمحور في ضرورة إنهاء الحرب والتوصل إلى حل الدولتين، حتى ينعم القطاع بالاستقرار.

(-) ضغط دولي على إسرائيل: لا يُمكن إيقاف الاحتلال الإسرائيلي عن عدوانه الواسع النطاق، إلا من خلال ضغط دولي حقيقي يعمل على كبح جماح هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، فالخسائر الكبرى التي حدثت في القطاع كانت بسبب الدعم الدولي الكبير للاحتلال، وهو ما يؤكد أنه مع وجود توجه عالمي إيجابي من الدول التي تُمارس تأثيرًا كبيرًا على إسرائيل، ستنعم الأراضي الفلسطينية بالاستقرار.

(-) توافق سياسي داخلي: إن الانقسام في الداخل الفلسطيني يعوق أي مسارات لحل الأزمة، فعدم التوافق بين حركتي فتح وحماس يؤخر الاستقرار على الأراضي الفلسطينية، فلا يُمكن الحديث عن إعمار حقيقي دون توافق داخلي، وهو الأمر الذي يُمكن اعتباره شريطة أساسية لأي جهود ترمي نحو وقف المُعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون.

ثانيًا: المسار الاقتصادي

(-) الدور الاقتصادي لمصر: يُمثل الدور المصري في الأزمة الفلسطينية مسارًا من المسارات المهمة في إعادة إعمار القطاع، إذ إن قرب القطاع جغرافيًا من الدولة المصرية يجعل من السهل نقل الإمدادات والمنتجات، خاصة أن هناك العديد من الشركات المصرية التي أبدت استعدادها نحو المشاركة في إعادة الإعمار، إذ تقدم الدولة المصرية نموذجًا من المباني الجاهزة للإسراع من هذه العملية، إذ إنها مصانع مجهزة يُمكن إنشاؤها في مدينة رفح المصرية، وهو أسلوب عملي يُستخدم في حل الأزمات بشكل سريع.

وإضافة إلى ذلك تمتلك الدولة المصرية مواطن قوة كبيرة للمشاركة في إعادة الإعمار، منها قوتها الاستراتيجية في صناعة مواد البناء مثل الأسمنت والحديد والخشب والزجاج، كما أن المشروعات القومية العملاقة التي قامت بها الدولة خلال السنوات الأخيرة شكلت خبرات قوية في عمليات البناء.

(-) توفير آلية تمويلية: إن أي جهود ترمي نحو إعادة إعمار غزة تتطلب وجود آلية واضحة حول توافر مصادر للتمويل، فالتمويل يُعد ضرورة حتمية لعمليات إعمار غزة، فاستعداد الدولة المصرية إلى استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بمشاركة واسعة من مختلف الدول يُعد فرصة جيدة لوضع هذه الآلية بشكل واضح بمشاركة إقليمية ودولية، فالخسائر التي نتجت عن الحرب تُعد تكلفة كبيرة للغاية لا يُمكن أن تتحملها دولة بمفردها، وهو الأمر الذي يجعل توافر عنصر المشاركة في التمويل ضرورة أساسية.

(-) تشكيل لجنة إعادة الإعمار: إن تشكيل هذه اللجنة يأتي في سياق قياس الالتزام الدولي والإقليمي بما يُدلى من تصريحات مختلفة تخص إعادة إعمار القطاع، كما أنه من الممكن أن يتسع دور هذه اللجنة، بأن تشرف على التوصل إلى حلول سياسية في القطاع، بما يضمن الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.

وفي الختام، إن مستقبل قطاع غزة مرهون بقدرة الأطراف المعنية على تحقيق توافق سياسي واقتصادي، مع دعم دولي وإقليمي، إذ إن بقاء الوضع كما هو عليه يزيد من احتمالات التدهور، بينما التعاون والمبادرات البناءة قد تفتح آفاقًا لتحسين الأوضاع، فالشعب الفلسطيني يستحق أن ينعم بالسلام والرخاء الاقتصادي مثله مثل شعوب العالم، وهو الأمر الذي لا بد أن تدركه الفواعل الدولية المهمة، إذ إن أيديولوجية التناقض التي تتعامل بها الدول الغربية المختلفة مهدت للاحتلال الإسرائيلي الطريق نحو إبادة الشعب الفلسطيني، وإحداث خسائر بما لا يقل عن 80 مليار دولار، وهو الأمر الذي لا بد أن يتغير في الوقت الحالي لتحقيق الاستقرار العالمي.