الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محفزات داخلية.. لماذا عاد التصعيد للأراضي المحتلة؟

  • مشاركة :
post-title
وزيرا المالية والأمن القومي الإسرائيليين بالكنيست في 28 ديسمبر 2022- رويترز

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أعلن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، يوم السبت 28 يناير 2023، إجراءات تصعيدية ضد من وصفهم بـ"الإرهابيين" وعائلاتهم، في إشارة إلى منفذي حادثي إطلاق النار على مستوطنين إسرائيليين في القدس، ردًا على اقتحام مخيم جنين منذ الخميس الذي سبقه، واستشهاد 9 فلسطينيين على الأقل.

ويتناول التحليل التالي أسباب التصعيد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، في ضوء الاتفاقيات الائتلافية لحكومة الاحتلال، ومجمل التطورات في مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

محفزات التصعيد

لا يمكن تناول التصعيد الأخير دون الإشارة لتحولات المشهد السياسي الإسرائيلي بعد مرور أربعة أسابيع على تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة، التي حملت بصمات واضحة لليمين المتطرف، وتمثل أبرز أسباب التصعيد في التالي:

(*) النزاع مع المحكمة العليا: بدأت الحكومة الجديدة ولايتها بمساعي إعادة هندسة العلاقة بين السلطات الثلاث، والحد من سلطة المحكمة العليا، في ظل الملفات والقضايا المفتوحة ضد عدد من أعضائها البارزين، والتي تهدد بإقصائهم من المشهد السياسي، قبل أن تعلن الأخيرة بطلان تعيين زعيم حزب شاس آرييه درعي وزيرًا للداخلية والصحة على خلفية إدانته بالاحتيال الضريبي، فيما بدا مؤشرًا على بداية صراع بين الائتلاف الحكومي والسلطة القضائية مدعومة بالمعارضين لها سياسيًا وشعبيًا. ففيما استغلت الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو الحكم القضائي في الهجوم على المحكمة العليا ووضعها في مواجهة جمهور الناخبين الإسرائيليين، ولتعزيز رؤية الائتلاف في تمرير "الإصلاح القضائي". شهدت إسرائيل احتجاجات كبيرة خلال يناير الجاري رفضًا لمشروع "الإصلاح القضائي" الذي أعلن عنه وزير العدل في 4 يناير 2023، تجاوز أعداد المحتجين بالشوارع والميادين الرئيسية، في 21 يناير نحو 100 ألف محتج.

سموتريتش إلى جوار نتنياهو في الكنيست-أرشيفية

(*) التحديات الائتلافية: اختبرت أزمة إقالة درعي ومن قبلها أمر وزير الدفاع يوآف جالانت بتفكيك بؤرة أور حاييم الاستيطانية يوم الجمعة 20 يناير 2023، مدى تماسك الائتلاف الحكومي وأظهرت التباين في معالجة القضية الفلسطينية وما يرتبط بها من ملفات وعلى رأسها حدود التصعيد في الضفة، وملف الاستيطان الذي يعزز من حظوظ اليمين الديني في الحكم، وهو ما ظهر في المصادمات بين وزير الدفاع من جهة ووزير العدل ومهندس اتفاقات الائتلاف ياريف ليفين ووزير المالية وزعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش حول أحقية جالانت في تفكيك البؤرة الاستيطانية، في حين تشمل الاتفاقات الائتلافية على منح سموتريتش الصلاحيات الخاصة بالاستيطان في الضفة الغربية باعتباره كذلك وزيرًا في وزارة الدفاع مسؤولًا عن "الشئون المدنية" في الضفة الغربية المحتلة. وكإجراء عقابي على قرار تفكيك البؤرة الاستيطانية التي لم تحظى بدعم وموافقة حكومية، غاب على إثرها وزراء الصهيونية الدينية عن الاجتماع الوزاري الأسبوعي يوم الأحد 22 يناير الجاري. وعلى الجانب الآخر يتضمن تفويض وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير تولي قيادة "قوات حرس الحدود" -(إلى جانب جهاز الشرطة)- التي من المفترض أن تخضع في المناطق المحتلة لسلطة الجيش ووزير الدفاع، فيما اعترض "بن جفير" على تنفيذ قرار الإخلاء رغم خضوع الضفة الغربية لصلاحياته الوزارية وبالتبعية القوات الموجودة فيها، حسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. ويتمحور الخلاف الحالي داخل الحكومة على منح زعيم الصهيونية الدينية سلطة الإدارة المدنية في "المنطقة C" التي تمثل 61% من أراضي الضفة الغربية، ما سيعني توسيع عمليات الاستيطان في تلك المنطقة وخضوع الضفة تحت سلطة سموتريتش وبن جفير سياسيًا وأمنيًا، وسينعكس على تصاعد حجم الإدانات الدولية.

(*) تحديات اقتصادية: بلغت نسب التضخم والفقر مستويات قياسية في أحدث الإحصائيات الحكومية، حيث نقلت وسائل إعلام فلسطينية وعربية (العربية/ المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية) عن مكتب الإحصاء المركزي ارتفاع نسبة التضخم في إسرائيل إلى أعلى مستوى له خلال 20 عامًا بمعدل 5,3% خلال 2022، وسجل ارتفاعًا في شهر ديسمبر الماضي وحده بنسبة 0,3%. وأشارت مؤسسة التأمين الإسرائيلية إلى تسجيل 2 مليون مواطن تحت خط الفقر من بينهم 853 ألف طفل، و213 ألف متقاعد في عام 2021، لترتفع نسبة الفقر إلى 21%، مقارنة بعام 2020 الذي سجل 20,6%، حسب وكالة "صفا" الفلسطينية.

(*) تحديات أمنية وشيكة: ذكر موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي عن مسئولين إسرائيليين قولهم إن التصعيد في الضفة الغربية جاء نتيجة معلومات استخباراتية عن نية مجموعة مسلحة في جنين مهاجمة قوات الاحتلال تتبع حركة الجهاد. وتشن إسرائيل منذ مارس العام الماضي هجمات في مدينة جنين ومخيمها، تنوعت بين استهداف مشتبه بهم، ومحاولات هدم منازل منفذي عمليات إطلاق نار في تل أبيب ومناطق أخرى بالداخل، في إطار ما أطلقت عليه حينها عملية "كاسر الأمواج"، كما اعتقلت القيادي في حركة "الجهاد" بسام السعدي في أغسطس الماضي بعد اشتباك وحدة من المستعربين مع عناصر الحركة في جنين. وجاءت تحركات جيش الاحتلال حينها تحت بند منع وإعاقة تمركز أي من الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية. وتتخوف الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية من اندلاع انتفاضة فلسطينية مسلحة في القدس والضفة الغربية مع زيادة عمليات إطلاق النار في مدن الداخل من قبل أجيال شابة من الفلسطينيين (الجيل Z) غير منضمين لكتل سياسية أو فصائل معروفة. وتسعى السلطات الإسرائيلية لنزع الأسلحة الشخصية من عموم الفلسطينيين في مناطق ومحافظات الضفة الغربية المحتلة.

مستشار الأمن القومي مع نتنياهو في 19 يناير الجاري

(*) إحباط مساعي حل الدولتين: يسهم الضغط الميداني في إحباط توجه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بصورة منفردة والمطالبة بالحصول على العضوية الكاملة، ومع كل تصعيد يتبعه رد فعل مسلح تشدد الولايات المتحدة على التزامها بأمن إسرائيل بينما تتباطأ مساعيها لتنفيذ التزامها الأساسي بتحقيق السلام الشامل المتمثل في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار أن الوضع الحالي لا يوفر بيئة مناسبة حتى لاستئناف المفاوضات، بالتوازي مع استمرار عمليات الاستيطان في الضفة الغربية واستمرار تهويد القدس. ومن الممكن القول إن استمرار تصعيد الخطاب والسلوك المتطرف.

وإجمالًا؛ يشير تسلسل التصعيد في الأراضي المحتلة إلى مخاطر محدقة بالحكومة الإسرائيلية واحتمالات تفككها بالتزامن مع تحديات داخلية من الشارع الغاضب على خطط الإصلاح القضائي التي تتخوف أوساط سياسية وشعبية منها على تقويض التوازن بين السلطات وتكريس هيمنة اليمين على الحكم في إسرائيل، تدفعها باتجاه التصعيد الذي يخدم توحيد الائتلاف وبثّ الخوف في صفوف المعارضين للحكومة عبر استدعاء التهديد الفلسطيني، لكن إجراءات ترخيص الأسلحة للمستوطنين ينذر بموجات عنف غير محكومة ليس فقط في القدس والضفة الغربية، ولكن قد يمتد مستقبلًا في الداخل بين اليهود والعرب في المدن المختلطة، ومع وجود رموز التطرف على رأس السلطة، حيث اتهم المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي في مايو 2021، إيتمار بن جفير بإشعال الاضطرابات في المدن المختلطة بسلوكه المتطرف، وذلك قبل أن تسمح اتفاقات الائتلاف له بالسيطرة على جهاز الشرطة وخضوع "شبتاي" لسلطته.