في الـ26 من يناير الجاري، بدأت اجتماعات وزراء الداخلية الأوروبيين في بروكسل، بهدف تقييد إصدار التأشيرات لمواطني الدول غير المتعاونة في ملف الهجرة غير الشرعية، ووفقًا لمراسل "القاهرة الإخبارية" في بروكسل، سلامة عطا الله، فإن الدول الأوروبية ستسعى إلى استخدام الأدوات كافة، للضغط على الدول التي ترفض استعادة مواطنيها، ومكافأة الدول التي يتسلم مواطنيها مجددًا بمزايا جمركية وأفضلية في الشراكات الاقتصادية ورفع القيود عن التأشيرات.
تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل استمرار حالة من الجدل حول التعاطي الأوروبي مع قضايا الهجرة واللجوء خلال عام 2023، وقيام الدول الأوروبية حاليًا بالتنسيق مع جيرانها وأصدقائها من الدول غير الأوروبية لاستيعاب ذوي الملفات المرفوضة الذين وصل عددهم لنحو 340 ألف قرار داخل دول الاتحاد ممن لا يستوفون الشروط المطلوبة في عام 2021مثلما فعلت المملكة المتحدة مع رواندا، ودول الاتحاد مع أنقرة- نحاول في التحليل مناقشة تعاطي السياسة الأوروبية مع قضايا اللجوء والهجرة خلال عام 2023.
إحصاءات صادمة:
عادت حالة المعاناة الأوروبية من ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى ذروتها بعد أن هدأت بعد عام 2016، وأعلنت وكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس) في 13 يناير الجاري عن تسجيلها 330 ألف محاولة لدخول الاتحاد الأوروبي دون تصريح خلال عام 2022. وقد شكل الرجال 80% من محاولات الدخول، ومثَّل السوريون والأفغان والتونسيون نحو 47% من هذه المحاولات، وذلك وفق إحصاءات فرونتكس. وارتفعت نسبة حالات الدخول غير النظامي إلى الاتحاد الأوروبي عام 2022 بمعدل 64% مقارنة بعام 2021. ولم تشمل إحصاءات فرونتكس ما يقرب من 7.2 مليون لاجئ أوكراني، وفق ما أعلنت عنه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو 2022 ممنّ تدفقوا إلى الاتحاد الأوروبي بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتكفلت الحكومات الأوروبية بتوفير العمل والتدريب والسكن اللازم لبقائهم في دول الاتحاد.
ووصل إلى المملكة المتحدة عبر بحر المانش خلال عام 2022 أكثر من 40 ألف شخص وفق بي بي سي، ويُعد هذا أكبر رقم في تاريخ القنال الإنجليزي؛ إذ عبر عام 2021 نحو 28 ألفًا و562، فيما وصل عام 2020 ما يزيد على 8000، وهو ما يعني أن أعداد المهاجرين غير القانونيين الذين يرغبون في اللجوء ببريطانيا يتزايدون بشكلٍ مطرد، وهو ما قد يُفسر توجهات الحكومة البريطانية في الاتفاق مع دول مختلفة كـرواندا على سبيل المثال لاستضافة منَّ تُرفض طلبات لجوئهم. تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا تعاني من حالة ركود وتضخم غير مسبوقة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يجعل مسألة الهجرة غير القانونية إليها تمثل تحديًا وضغطًا على مواردها. ويشير الشكل التالي الصادر عن وكالة أمن الحدود الأوروبية إلى الأوضاع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي عام 2022.
محطات الانطلاق:
تشير تقارير وكالة الحدود الأوروبية إلى اعتماد موجات الهجرة غير الشرعية واللجوء على نقاط محددة للانطلاق نحو الحدود الأوروبية، وهي البحر المتوسط، وغرب البلقان، والقنال الإنجليزي. ونبرز فيما يلي أبرز هذه المسارات تفصيلًا:
(*) مسار البحر المتوسط: كانت نقطة البحر الأبيض المتوسط سواء الشرق أو الوسط أو الغرب من أكثر نقاط الانطلاق نشاطًا منذ عام 2015. وتتم عملية الهجرة غير الشرعية عبر قوارب غير مجهزة، وهو ما يؤدي إلى انتهاء كثير من هذه الرحلات إلى عدم الوصول والغرق في عرض البحر بسبب أطماع عصابات الجريمة المنظمة وتكديسهم لهذه المراكب التي لا تحتمل السفر لكل هذه المسافة، بالإضافة إلى عدم تحملها لهذه الأعداد الكبيرة. وتعود أسباب نشاط هذه النقطة في تصدر أرقام الهجرة غير الشرعية نحو الاتحاد الأوروبي إلى أسبابٍ مختلفة أهمها؛ حالة عدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك تدني مستوى المعيشة وانتشار الفقر مقارنة بالضفة الشمالية التي تتميز باستقرارها السياسي ومعدلات نموها الاقتصادي الكبيرة.
(*) غرب البلقان: شهد عام 2021 ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المهاجرين غير القانونيين عبر مناطق غرب البلقان. واستغل المهربون الحدود البرية الممتدة لتسهيل عبور المهاجرين، وعمل المهربون كـمرشدين محليين لتسهيل مهمة اللاجئين غير الشرعيين في الوصول إلى الحدود الأوروبية. وكانت الحدود الأوروبية البيلاروسية مسار خلافٍ وجدل بين الجانبين؛ إذ أُبلغ عن 7528 حالة تهريب، وكذلك 59960 حالة عبور غير قانوني على حدود الاتحاد الأوروبي مع صربيا، وذلك وفق تقارير وكالة حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس). ومن المرجح أن يشهد عام 2023 زيادة في ضغط الهجرة عبر الحدود البرية، خاصة بعد الضغوط والضربات المستمرة على طريق البحر المتوسط، فوفقًا لوكالة فرونتكس ارتفعت نسبة عدد المهاجرين برًا عبر مناطق غرب البلقان خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2022 إلى 190 في المئة، وهو رقم مقلق للغاية.
(*) بحر المانش: يرغب اللاجئون في فرنسا الانتقال إلى بريطانيا للحصول على حقوق اجتماعية واقتصادية أكبر، خاصة أنه يقابلهم في فرنسا حاجز اللغة بعكس المملكة المتحدة التي تتحدث الإنجليزية، وهي لغة عالمية يُتقنها أغلب سكان العالم، وهو ما يُسهل العمل والدراسة. ونتيجة لتدفق اللاجئين عبر القنال الإنجليزي، شهدت العلاقات بين باريس ولندن توترات بشأن التعاطي مع هذه القضية. وتتم عمليَّات الهجرة غير الشرعية من خلال القنال الإنجليزي عبر القوارب غير الآمنة، إضافة إلى التخفي في الشاحنات التي تعبر من الحدود الفرنسية الإنجليزية عبر نفق المانش الواصل بين الضفتين الفرنسية والإنجليزية. وأعلنت وكالة الحدود الأوروبية في تقرير لها حول تحليل المخاطر في عام 2023 عن توقعاتها باستمرار التدفقات الكبرى للمهاجرين عبر بحر المانش خلال عام 2023، وهو ما يتطلب مزيدًا من التعاون بين السلطات الفرنسية والإنجليزية لتعزيز مراقبة الحدود والبحث والإنقاذ في القنال.
إجراءات متشددة:
تبنت الحكومات الأوروبية مجموعة من السياسات والقرارات بشأن التعاطي مع مسألة الهجرة غير القانونية، واللجوء، ومن هذه السياسات الاتفاقات الثنائية مع الحكومات لاستقبال رعاياها المرفوضة طلبات لجؤهم، وفرض قيود على تأشيرات شنجن الخاصة بالحكومات غير المتعاونة، وتقديم الإغراءات السياسية والاقتصادية مع بعض الدول لاستضافة اللاجئين. ونُجمل هذه السياسات فيما يلي:
وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل ووزير الخارجية الرواندي فنسنت بيروتا يوقعان الاتفاق في 14 أبريل 2022
(#) فرض قيود على تأشيرات الدول غير المتعاونة: وافق الاتحاد الأوروبي منذ ثلاثة أعوام على فرض قيود على تأشيرات الدخول على الدول والحكومات التي يرى أنها لم تتعاون بالقدر المطلوب مع السلطات الأوروبية بشأن عودة مواطنيها. ووفق هذه السياسة، فُرضت عقوبات على دولة جامبيا فيما اقترحت المفوضية الأوروبية خطوات مماثلة مع كل من العراق والسنغال وبنجلاديش. وتُفضل الدول الأوروبية تركيز سياسات الأعضاء نحو معالجة جذور الأزمة بدلًا من الانشغال بمعالجة الخلافات حول كيفية تقاسم رعاية اللاجئين.
(#) إقامة نقاط للفحص السريع: اقترحت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، مشروعًا تجريبيًا يبدأ تطبيقه في يونيو 2023، وهو إقامة نقاط للفحص السريع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ويتم إعادة من لا تنطبق عليهم شروط اللجوء بشكلٍ فوري، بالإضافة إلى اعتماد بعض الدول لإبرام اتفاقيات ثنائية معها لتسريع عمليات الترحيل. وأعرب عدد من الخبراء القانونيين عن قلقهم لمقترح النقاط السريعة كونه لا يتضمن الضوابط الكافية، ومن الممكن أن يؤدي إلى حرمان بعض طالبي اللجوء من الحماية الدولية التي يحتاجونها.
(#) التنسيق مع الحكومات لإعادة رعاياها: تبذل الحكومات الأوروبية جهودًا في الوقت الحالي مع حكومات الدول التي تعتبرها آمنة لاستعادة رعاياها. في هذا السياق، تؤكد المفوضية الأوروبية على الدوام ضرورة مضاعفة الاتفاقيات حتى تستعيد من أسمتهم ببلدان المنشأ رعاياها الذين لا يتمتعون بوضعٍ قانوني في أوروبا.
(#) عقد صفقات مع دول لاستضافة اللاجئين: أقدمت الدول الأوروبية على تقديم الإغراءات السياسية والاقتصادية للحكومات سواءً كنوع من الرشوة السياسية لوقف تدفقات موجات الهجرة غير الشرعية كما فعلت مع أنقرة التي حصلت على دعمِ قُدَّر بستة مليارات يورو، بالإضافة إلى تحقيق أنقرة مكاسب تُسهل على مواطنيها الحصول على تأشيرة "شنجن" لدخول دول الاتحاد في مقابل التعاون في منع المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى دول الاتحاد. على الناحية الأخرى، عقدت حكومة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، اتفاقًا مع حكومة رواندا لاستضافة طالبي اللجوء ممنَّ تُرفض طلباتهم إليها لإعادة التقدم أو حتى الاستقرار في رواندا أو البحث عن دولة ثالثة تقبل لجوئهم. وتعتبر السلطات البريطانية هذه الخطوة تأتي لردع كل منَّ يُفكر في عبور القنال الإنجليزي بالعدول عن المغامرة. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذه الخطة نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني سنويًا وفق تصريحات حكومية.
في النهاية، من المُرجح أن يستمر ملف التعاطي مع قضايا الهجرة غير الشرعية واللجوء الإنساني مصدر قلق للعديد من الدول الأوروبية خلال عام 2023؛ إذ تعتبره هذه الحكومات أحد أهم أسباب صعود التيار اليميني الذي يعتمد على خطابات شعبويَّة لتغذية الانقسام وتعزيز خطاب الكراهية ضد المهاجرين.