تستعد العاصمة السويدية ستوكهولم، غدًا الاثنين، لاستضافة الجولة الثالثة من المحادثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، في تطور يسلّط الضوء على موقع السويد المتقدم على الساحة الدولية وقدرتها على التوفيق بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وجاء اختيار ستوكهولم بعد لقاء عُقد هذا الشهر في جنوب إفريقيا جمع وزراء مالية دول مجموعة العشرين، حيث دُعيت السويد للمشاركة لأول مرة.
وفي السياق، أكدت وزيرة المالية السويدية، إليزابيث سفانتيسون، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في 22 يوليو، أن الوفدين الأمريكي والصيني اقترحا معًا عقد جولة المفاوضات المقبلة في العاصمة السويدية.
وقالت سفانتيسون: "إن لجوء أكبر اقتصادين في العالم إلينا يبرهن على ما تتمتع به السويد من ثقة دولية كبيرة، وعلى دورنا الحيوي في تعزيز الحوار والتعاون العالميين"، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
أرضية متوازنة
ويمثل هذا التوجه نحو استضافة المفاوضات في أراضٍ محايدة تحولًا ملحوظًا عن المفاوضات التي جرت خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي كانت تتركز بشكل أساسي في واشنطن، وكان نائب رئيس الوزراء الصيني آنذاك، ليو هي، يزور البيت الأبيض بانتظام.
لكن المفاوضات الحالية انتقلت إلى أوروبا، حيث استضافت جنيف الجولة الأولى في مايو، تلتها لندن في يونيو، وتُعقد الجولة القادمة في ستوكهولم. ويرى نيكلاس سفانستروم، مدير معهد السياسة الأمنية والتنمية في ستوكهولم، أن هذا التحول يعكس سعيًا لإرساء أرضية تفاوض أكثر توازنًا بين بكين وواشنطن.
ويُرجع محللون اختيار السويد إلى ميزتها الدبلوماسية الفريدة، فهي تحافظ على علاقات متوازنة مع كل من الولايات المتحدة والصين، وتتمتع بتاريخ طويل من الحياد في السياسة الخارجية، وفق "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
وأوضح باتريك ستروم، مدير مركز الدراسات الآسيوية في كلية الاقتصاد بستوكهولم، أن السويد التزمت الحذر خلال فترة التصعيد التجاري في عهد ترامب، وحرصت على عدم إطلاق مواقف عدائية رغم فرض واشنطن تعريفات جمركية واسعة في أبريل الماضي، وهو ما ساعد في الحفاظ على علاقات بنّاءة مع الجانب الأمريكي.
وفي المقابل، حافظت السويد على مستوى عالٍ من الثقة مع الصين، لا سيما في قطاع صناعة السيارات، وهو أحد أبرز ملفات الخلاف بين بكين وبروكسل. وقد لعبت الشراكة الناجحة بين شركة "جيلي" الصينية والعلامة السويدية "فولفو" دورًا أساسيًا في هذا السياق، حيث أسهمت "جيلي" منذ استحواذها على "فولفو" عام 2010 في خلق أكثر من 15 ألف وظيفة في مدينة جوتنبرج، كما دعّمت صادرات "فولفو" الميزان التجاري لصالح السويد مع الصين.
وذكر فريدريك شو، نائب رئيس مجلس التجارة السويدي-الصيني، أن هذا التعاون جعل من السويد واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي تمتعت بفائض تجاري مع الصين، مضيفًا أن السويد امتنعت عن دعم فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية على السيارات الكهربائية الصينية.
وقال شو: "السويد لم تصوت برفض صريح، لكنها لم توافق أيضًا. دول مثل السويد، ذات صناعة سيارات تنافسية عالميًا، لا ترى في الصين تهديدًا، بل فرصة".
علاقات اقتصادية موسعة
وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين السويد والصين أيضًا تحسنًا في اللهجة والخطاب، حيث تبنى السفير الصيني الجديد في ستوكهولم، تسوي آي مين، نهجًا أكثر مرونة مقارنة بسلفه "جوي تسونج يو" المعروف بأسلوبه الصدامي الذي يُعرف بـ"دبلوماسية الذئب المحارب".
ويشير سفانستروم إلى أن السفير الحالي يُنظر إليه كشخص بنّاء، مضيفًا أن دوائر الأعمال السويدية تدعو لمنح الصين فرصة ثانية في ضوء هذا التحول.
وبحسب بيانات الجمارك السويدية، تعتبر الصين الشريك التجاري غير الأوروبي الأكبر للسويد من حيث الواردات، حيث صدّرت بكين بضائع بقيمة 102 مليار كرونا (نحو 10.7 مليار دولار) إلى السويد خلال عام 2024.
وفي المقابل، تعد الولايات المتحدة أكبر وجهة غير أوروبية للصادرات السويدية، إذ صدّرت ستوكهولم إليها ما قيمته 186 مليار كرونا في العام نفسه.