الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محمد خان.. عين فنية رصدت واقع الشارع المصري ونقلت صوته

  • مشاركة :
post-title
محمد خان

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

في قلب مدينة مزدحمة، وفي شارع ربما لا يلتفت إليه أحد، كان محمد خان يلتقط الحكاية بعين ثاقبة، لم يكن يحمل الكاميرا ليصنع بها عملًا فنيًا، بل ليمنح بها للناس صوتًا وملامح، يضعها على الشاشة لا كمجرد شخوص ثانوية، بل كأبطال حقيقيين، في معركة يومية من أجل البقاء والحلم. 

في ذكرى رحيله التاسعة، يعود محمد خان لا كاسم على شريط ذاكرة السينما، بل كعينٍ لا تزال تُبصر تفاصيل يظنها البعض عادية، إلا أنها كانت استثنائية في أفلامه.

رائد الواقعية الجديدة

وُلد محمد خان عام 1942، لأب باكستاني وأم مصرية، وبدأ شغفه بالسينما في سن مبكرة، حين كان يراقب شاشة دار عرض مكشوفة من شرفة منزله، سافر في عام 1956 إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية، لكن لقاؤه بصديق يدرس السينما هناك غيّر مسار حياته، فترك الهندسة والتحق بمعهد السينما، حيث مكث سبع سنوات، استوعب خلالها التيارات السينمائية الأوروبية، وخصوصًا الواقعية الإيطالية وتأثيراتها الإنسانية.

عاد خان إلى مصر عام 1963، وعمل في البداية تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، ثم سافر إلى لبنان ليعمل مساعدًا لعدد من كبار المخرجين، قبل أن يستقر الحال به في مصر عام 1977، ليبدأ رحلته كمخرج سينمائي بفيلم "ضربة شمس" الذي صدر عام 1978، وشكَّل انطلاقة حقيقية لواحد من أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية والعربية.

لم يتعامل خان مع الواقعية بوصفها مدرسة سينمائية فقط، بل كفلسفة حياة، إذ اختار أن يغوص في قلب الشارع، في تفاصيل البيوت الصغيرة، في عيون النساء المقهورات، وأحلام الشباب الضائعين، وضغوط الرجال المنهكين، مفضلًا الابتعاد عن الافتعال، وقرّب كاميرته من الوجوه التي لا تحظى ببطولة في الأفلام.

في "أحلام هند وكاميليا"، كما في "خرج ولم يعد"، و"زوجة رجل مهم"، لم يكن الهدف سرد قصة فحسب، بل التقاط نبض الشارع، وصوت الناس، دون شفقة أو تزييف.

نساء محور الحكاية

من أبرز ما يميز سينما محمد خان، طريقته في تقديم المرأة، إذ لم يرها ديكورًا دراميًا بل كائنًا مركّبًا، يتنفس ويواجه ويقاوم.

في أفلامه، كانت المرأة في مركز الحكاية لا على هامشها، من "موعد على العشاء"، إلى "فتاة المصنع"، مرورًا بـ"بنات وسط البلد"، وتمكن خان من رسم بورتريهات شديدة الحساسية والعمق لنساء يُطاردن أبسط حقوقهن في الحياة، الحب، الأمان، والاحترام.

في زمن سادت فيه صورة البطل الوسيم أو اللامع، أصر "خان" على أن يكون بطله شبيهًا للناس، رجل يركض للحاق بالأوتوبيس، أو شابًا بسيطًا يبحث عن حلم أبسط في زمن معقد، أو مراهقة تهرب من تحكم المجتمع، وأخرى تعمل في مصنع بسيط، أو سائقًا تدور حوله حكاية العمل، فكانت أعماله تلمس رجل الشارع البسيط.

ابتعد محمد خان عن الافتعال، حيث اختار مواقع تصوير حقيقية، واستعان أحيانًا بوجوه غير مألوفة، ليحافظ على صدق التجربة، وهو ما يفسر حركة كاميرته كعين ترصد الواقع.

قدم خان عددًا كبيرًا من الأفلام التي أصبحت علامات فارقة، منها:"الحريف" بطولة عادل إمام، و"طائر على الطريق"، و"زوجة رجل مهم" و"أيام السادات" للفنان أحمد زكي، و"في شقة مصر الجديدة"، و"بنات وسط البلد"، و"فتاة المصنع"، كما شارك في كتابة سيناريو فيلم "سواق الأتوبيس" لعاطف الطيب، أحد أبرز أفلام الثمانينيات من القرن الماضي.

لم يكتفِ خان بالإخراج، بل ظهر كممثل في بعض الأفلام مثل: "ملك وكتابة" و"عشم"، كما حاضر وكتب مقالات نقدية وفكرية عن السينما، وفي عام 2014، حصل على الجنسية المصرية، ليكرّس رسميًا انتماءه الذي كان قد اختاره فنيًا وإنسانيًا منذ سنوات طويلة.