غيَّب الموت الفنان والموسيقار اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد إسهامات فنية واسعة تركت إرثًا استثنائيًا من الموسيقى والمسرح، عكست الواقع اللبناني ببراعة لا نظير لها.
وُلِد زياد الرحباني في الأول من يناير عام 1956، في بيت مُشبَّع بالفن، فوالدته هي سفيرة الصوت العربي الأصيل، فيروز، ووالده عاصي الرحباني، أحد الأخوين الرحباني الذيْن رسّخا المسرح والموسيقى في وجدان لبنان والعالم العربي.
منذ سنواته الأولى، لم يكن زياد طفلًا عاديًا، إذ كان في عمر السادسة يقطع فروضه المدرسية ليحكم على ألحان والده بقول "جميل" أو "ينقصه شيء"، ما دفع عاصي لاكتشاف الموهبة الفريدة المختبئة في نجله، والتي لم تلبث أن صارت تيارًا فنيًا له بصمته الخاصة.
كانت أولى محاولات زياد الإبداعية أدبية الطابع، عبر ديوان شعري بعنوان "صديقي الله"، كتبه بين عامي 1967 و1968، كاشفًا عن شاعر كان من الممكن أن يحتل مكانة مرموقة لولا أن الموسيقى اختطفته.
وفي عام 1971، قدَّم زياد أول ألحانه بعنوان "ضلك حبيني يا لوزية"، غير أن اللحظة الفارقة جاءت في عام 1973، عندما لحن لوالدته فيروز أغنية "سألوني الناس"، بعد أن أقعد المرض عاصي، وكان من المفترض أن تُعرض المسرحية الجديدة للأخوين الرحباني دون وجوده، وهكذا أوكل منصور رحباني مهمة كتابة كلمات الأغنية، وأسند التلحين لزياد الشاب، الذي منح فيروز واحدًا من أجمل ألحانها وأكثرها وجعًا.
اشتهر زياد بأسلوبه الساخر في معالجة قضايا السياسة والمجتمع، مُبتكرًا شكلًا جديدًا من المسرح الغنائي والسياسي لم يعهد له مثيل في العالم العربي، إذ لم يكن فنه فقط موسيقى أو حكايات، بل مقاومة فكرية ومرآة حادة للواقع اللبناني المتأزم.
امتلك زياد لغة فنية خاصة، وموسيقى هجينة جمعت بين الكلاسيكية الغربية والمزاج الشرقي، بين الجاز والمسرح، بين النقد والهزل، ليصبح بذلك رائدًا في الموسيقى العربية المعاصرة.
برحيل زياد الرحباني، يخسر العالم العربي صوتًا حرًا، وفنانًا استثنائيًا لم يرضَ بالتصفيق المجاني ولا بالمواقف الرمادية.