بعد ست سنوات من الغياب عن عالم الألبومات، يعود المؤلف الموسيقي المصري هشام خرما بعمل فني مغاير يحمل اسم "أُفُق"، ليأخذ الجمهور في تجربة صوتية وبصرية، تمتد إلى ما وراء الحدود الجغرافية والثقافية.. الألبوم الجديد لا يكتفي بتقديم موسيقى، بل يطرح رؤية متكاملة تستدعي التأمل والتجدد، وتُعيد تعريف العلاقة بين الفنان وذاته، وبين الموسيقى وجمهورها.
عودة بروح متجددة
منذ طرح خرما ألبومه السابق "كُن"، بدأ جديًا في الإعداد لألبومه الجديد "أُفُق" كـ"مشروع فني طموح، يفتح نوافذ جديدة في عالم الموسيقى، ويجسد رحلة روحانية وصوتية تعبر المستمعين نحو مساحات أرحب من التأمل والتجدد".
يتضمن الألبوم عشر مقطوعات، تبدأ بـ"Awakening" التي ترسم ملامح البداية، من لحظة "الصحوة"، ثم تمر بمحطات من التفتح والانفتاح، حتى الوصول إلى اللانهاية.
وتأتي المقطوعة الثانية "أُفُق"، حاملة اسم الألبوم، بمزيج متفرد من الموسيقى الأوركسترالية والآلات الشرقية، في توزيع يطرح "أصواتًا غير تقليدية على الإطلاق".
موسيقى تمثل جسرًا إنسانيًا
يركز خرما في "أُفُق" على الانفتاح الثقافي كقيمة موسيقية وإنسانية، عبر تعاونات مع مطربين من خلفيات مختلفة، مثل المطربة الفرنسية إيليم في أغنية "Le Silence"، والمغربية أميمة جعواني في "أيها القلب"، التي استلهمها من أشعار جلال الدين الرومي.
وفي "Runaway" تتألق المغنية أليساندرا كوتا، بينما تمزج مقطوعة "مدار" بين الكمان الهندي وآلات شرقية وفلوت البامبو، أما "Rhythms of Gaia" فتخلق تناغمًا فريدًا بين الإيقاع الإفريقي والكمان والأوركسترا.
رحلة بصرية موازية
لم يكتف خرما بتقديم موسيقى فقط، بل أصر على صياغة بُعد بصري موازٍ، فصوَّر مقطوعة "Skyline" على شاطئ البحر الأحمر، و"Pathways" عند أهرامات الجيزة، ويؤكد: "صورنا مقطعين حتى الآن، والبقية ستأتى، وبعض الأعمال أخذت وقتًا طويلًا حتى تبلورت، كما حدث معي في السابق بمقطوعة وادي الملوك التي بدأت العمل عليها منذ سنتين، ولم أطرحها إلا بعد أن شعرت أنها نضجت بما يكفي".
الألبوم تجربة لا تُختصر
عن تمسكه بإصدار الألبومات، رغم هيمنة الأغاني الفردية، يوضح: "الألبوم يحمل حالة وفكرة وتاريخًا باقيًا، وأنا أعبر عن أفكاري عبر الموسيقى، كأنها رحلة متعددة المشاهد، وهذا ما يمنحه عمقًا مختلفًا عن الأغاني المنفردة، وأنا أقف عند حالة موسيقية أردت أن تصل للجمهور من خلال (أُفق)".
ويتابع عن كواليس الإنتاج: "أنا منتج الألبوم، وأتحكم في تفاصيله كافة، من الصوت إلى الشكل، وهذا يمنحني حرية فنية أتمكن من خلالها من التجريب وتقديم ما يعبر عني تمامًا".
مساحة للابتكار
يؤمن خرما بأن المزج بين الإلكترونيك والآلات الحية يفتح بابًا واسعًا للابتكار، ويقول:"الموسيقى الإلكترونية ليست بديلة عن الآلات الحية، بل هي شريك يمنحك فرصة لتقديم صوت جديد على الأذن، والتحدي هنا أن تُبقي المستمع مشدودًا، وأنا أحب هذا التحدي".
الذكاء الاصطناعي في خدمة الإبداع
لم يتجاهل خرما أدوات العصر، إذ يوضح استخدامه للذكاء الاصطناعي كأداة فنية، موضحًا: "أنا مع المدرسة التي ترى الذكاء الاصطناعي أداة مهمة، أستخدمه للحصول على أصوات جديدة، ثم أوظف هذه الأدوات في خدمة رؤيتي الفنية".
اختيارات دقيقة في التنفيذ
بدأ خرما العمل على الألبوم قبل أربع سنوات، وانتقى مقطوعاته بعناية شديدة، قائلًا: "استغرق الألبوم ثلاث سنوات من العمل المكثف، انتقيت 10 مقطوعات من بين 50 على الأقل، ولم أطرح الألبوم إلا بعد أن شعرت أنه جاهز تمامًا، لا أعمل لمجرد التواجد، بل أبحث عن شيء يعيش طويلًا".
وعن أغنية "أيها القلب"، أضاف: "حتى الأغنية الصوفية، وضعت عليها أصواتًا لعدة مطربين، ولم أقتنع إلا عندما وصلت إلى صوت المطربة المغربية أميمة جعواني، لأنها حملت الإحساس الذي كنت أبحث عنه".
الموسيقى التصويرية
لخرما حضور بارز في الموسيقى التصويرية، ووضع بصمته في مسلسلات مثل "النهاية" و"سوتس بالعربي"، إلى جانب محافل دولية كمؤتمر المناخ ومهرجان الدراما، ويعلق على هذه التجربة قائلا: "التأليف الموسيقي للدراما فرق في مشواري كثيرًا، وأنت لا تحكي القصة فقط، بل ترتدي شخصية العمل وتترجمها إلى صوت، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة، ويدفعك لاكتشاف أصوات لم تكن لتجربها في ألبوم".
الجمهور تغير
يعترف خرما بتغير ذائقة الجمهور المصري، قائلًا: "كنت أحضر حفلات عمر خيرت وأرى كيف يتفاعل الناس، واليوم أرى جمهورًا يملأ القاعات من أجل الموسيقى فقط، وهذا يثبت أن لكل نوع موسيقي جمهوره، وأنا أؤمن بأنني أقدم ما أحب".
الصدق طريق التأثير
واختتم حديثه برسالة صادقة تختزل فلسفته الفنية: "نمر جميعًا بمرحلة نحتاج فيها أن نكون أنانيين مع أنفسنا بشكل صحي، وهذا الألبوم يعكس تلك الحالة.. فأنا أردت أن أقدم موسيقى ترضيني أولًا، لأنني جمهوري الأول، وعندما أتحرر من القيود أُبدع، والتأثير سيأتي تلقائيًا عندما تكون صادقًا مع نفسك".