في قطاع غزة لا يوجد حسيب أو رقيب على جرائم الاحتلال التي تجاوزت كل خيال، فلم يعد هدم المنازل جزءًا من العمليات العسكرية فحسب، بل بات طقسًا انتقاميًا لأهواء شخصية لجنود الاحتلال، إذ كشف موقع "Ha-makom" الإسرائيلي أن مقتل جندي في وحدة هندسية، تحول إلى ذريعة لهدم 409 مبانٍ فلسطينية تحت غطاء عسكري، وبتمويل وتحريض من شبكات استيطانية متطرفة.
هدم 409 مبانٍ بلا سبب
أفاد موقع Ha-makom بأن قوة أوريا (الوحدة 2640 التابعة لفرقة غزة)، وهي وحدة هندسية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قامت بهدم 409 مبانٍ في قطاع غزة خلال فترة "شيفا" (أسبوع الحداد اليهودي) تكريمًا لعضوها أبراهام أزولاي، الذي قُتل في عملية عسكرية بخان يونس في 9 يوليو 2025.
جاء في بيان عبر مجموعات واتساب تابعة لمروّجي الاستيطان في غزة: "تُهدي قوة أوريا المباني الـ409 التي دُمرت خلال فترة الحداد إلى ذكرى أبراهام، تمهيدًا للاستيطان اليهودي في قطاع غزة".
وتتكوّن قوة أوريا من نحو 100 عنصر، معظمهم مستوطنون تم تجنيدهم من شركات بناء مدنية في الضفة الغربية، وتدخل هذه القوة مناطق القتال دون تدريب عسكري كافٍ، ترافقها وحدات قتالية من جيش الاحتلال، وتعمل تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، بينما تنفذ هدمًا واسع النطاق للبنية التحتية المدنية في غزة، ضمن ما وصفه التقرير بسياسة "التهويد" غير المعلنة.
من سجين هارب لرتبة لواء
انضم أزولاي لقوة أوريا في يونيو 2025 بعد سجله المثير للجدل في الجيش، فقد أكمل 66 يومًا فقط من الخدمة في كتيبة 7106 للمشاة، ثم هرب من الجيش، وسُجن وخفضت رتبته من "رقيب أول" إلى "جندي"، وبعد سجنه، عاد للخدمة لمدة 201 يوم كسائق حفارة.
وقُتل خلال عملية في جنوب القطاع، إثر هجوم لعناصر المقاومة الفلسطينية باستخدام قذائف RPG، تلاه إطلاق نار أثناء محاولته الفرار، وقد وصف رفاقه العملية بأنها فشل أمني، لاحقًا، وقرر رئيس الأركان الإسرائيلي، بموافقة وزير الدفاع، إعادة رتبته وترقيته إلى رتبة لواء "نظرًا لقسوة مقتله"، بحسب وصف الجيش.
هدم ممنهج للمباني
في جنازته، نُقل عن أزولاي قوله: "200 عربي آخر لن يعودوا إلى غزة، 500.. ألف.. سأدمر منازلهم حتى لا يعودوا أبدًا، هذا انتقام"، وفقًا لما رواه والده إسحاق لموقع Ha-makom.
وأُسِّست قوة "أوريا" أواخر 2024 على يد أوريا لوبيربوم، شخصية بارزة في تيار اليمين المتطرف وزعيم شبابي سابق في حركات استيطانية كـ"غوش عتصيون" و"البيت اليهودي".
وفي مارس 2024، أعلن لوبيربوم أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع أنه يمتلك 116 جرافة خاصة جاهزة للمساهمة في عمليات الهدم، في حال وجود "نقص في ميزانية الجيش".
وبالفعل، بدأت تلك الجرافات بالعمل في غزة، جنبًا إلى جنب مع قوات المشاة الإسرائيلية، وتحمل شعارات مثل "أوريا باور"، وتم تصويرها في يناير وهي تهدم منازل في القطاع.
تجارة الموت
الهدم لم يعد فقط مهمة عسكرية، بل مشروع ربحي، حيث يدفع الجيش الإسرائيلي 2500 شيكل لهدم مبنى من 3 طوابق، و5000 شيكل للمباني الأعلى، ما يعني أرباحًا تصل لعشرات آلاف الشواقل شهريًا لمشغّلي الجرافات.
أحد مقاطع الفيديو، التي بثتها حركة حماس بعد مقتل أزولاي، أظهرت جرافة ترفع علم شركة "أياش إيرث ووركس"، وهي شركة بناء خاصة كانت قد شاركت في تطوير مستوطنة "إفياتار" بطلب من دانييلا فايس، رئيسة حركة "نحلة" الاستيطانية.
في السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن الجرافات التي كانت تُستخدم لإنشاء البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية باتت تُستخدم الآن لهدم أحياء اللاجئين في قطاع غزة، وأصبحت هذه الشركات الخاصة جزءًا لا يتجزأ من الآلة العسكرية، تُسهم في تدمير البنية التحتية بأيديولوجيا استيطانية، وبدوافع تجارية.
ما لا يقل عن 70% من مباني قطاع غزة أصبحت غير صالحة للسكن، في وقت تروج فيه شبكات استيطانية لهذا التدمير باعتباره "تمهيدًا للعودة اليهودية" إلى القطاع، مستغلة الخطاب الرسمي والعسكري لصالح مشروع طويل الأمد.