الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تتفاعل الفصائل العراقية مع دعوات نزع سلاحها؟

  • مشاركة :
post-title
عناصر من هيئة الحشد الشعبي

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

على هامش حملة الضغوط الأمريكية القصوى على إيران، يبدو العراق ساحة رئيسية في تلك المواجهة لتقليم الأذرع الإيرانية ومحاولة فك ارتباط العراق عن الغاز الإيراني. ونقلت وكالة "شفق نيوز" المحلية في 12 يوليو الجاري عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية قوله إن الولايات المتحدة تحثُّ الحكومة العراقية على كبح جماح الجماعات المسلحة المدعومة من إيران التي تنخرط في "أنشطة عنيفة ومزعزعة للاستقرار"، فيما واصلت الإدارة الأمريكية دعواتها للحكومة العراقية بحل أو دمج تلك الفصائل ومحاولة عرقلة إصدار قانون جديد لهيئة الحشد الشعبي.

وفي ضوء ما سبق؛ يتناول التحليل التالي دعوات نزع سلاح الفصائل العراقية الموالية لإيران وحدود استجابتها لتلك الضغوط.

متغيرات ضاغطة

اكتسب سلاح الفصائل الموالية لإيران مساحة واسعة من النقاشات العامة في العراق على مدار الأعوام الماضية، إلا أن التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب الإسرائيلية على غزة ووصولًا للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة عزّزت من تلك المطالبات في دوائر سياسية ودينية عراقية، جاء في مقدمتها دعوة ممثل المرجع الأعلى علي السيستاني في كربلاء عبد المهدي الكربلائي في 26 يونيو الماضي لحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها.

وتتنوع الضغوط على الفصائل الموالية لإيران على النحو التالي:

(*) الضغط الأمريكي: تدفع الإدارة الأمريكية لفرض المزيد من القيود على الفصائل الموالية لإيران وتسعى لنزع سلاحها وضمان عدم انخراطها في أي مواجهة محتملة مع إيران. وتشير وسائل إعلام محلية إلى أن الولايات المتحدة تضغط من أجل إيجاد حل لقضية الفصائل الموالية لإيران التي "تنخرط في أنشطة عنيفة ومزعزعة للاستقرار"؛ إما بحلها أو دمجها. كما شملت الجهود الأمريكية الضغط على الدولة العراقية لمنع تموضع الحوثيين والفصائل الفلسطينية في بغداد عبر مكاتب تمثيل.

وتشير تصريحات في أوساط الحشد الشعبي العراقي إلى وجود تهديدات أمريكية بفرض عقوبات تستهدف الهيئة ومصرف الرافدين ضمن سياسة أمريكية واضحة للضغط الأقصى على إيران والعناصر الموالية لها في ضوء التشكيك بوجود تلاعب محتمل في أعداد المقاتلين بالهيئة. ففي أواخر يونيو الماضي قال قائد فرقة العباس القتالية ضمن "حشد العتبات" ميثم الزيدي إلى أن الجانب الأمريكي "أبلغ الحشد الشعبي ومصرف الرافدين بضرورة إيقاف الشركة المشرفة على توزيع مرتبات المنتسبين"، وهو ما تسبب في تأخير صرف رواتب الحشد عشرة أيام إلى مطلع يوليو الجاري.

كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية كشفت في 31 مايو 2025 إلى اعتماد الفصائل الموالية لإيران على المصارف العراقية للحصول على الدولار في العامين الماضيين، وأشار التقرير إلى أن حجم المعاملات عبر الحدود في السوق العراقي ببطاقات فيزا وماستر كارد ارتفعت من 50 مليون دولار شهريًا مطلع عام 2023 وصولًا إلى 1.5 مليار دولار في أبريل من العام نفسه. كما طلبت وزارة الخزانة الأمريكية من البنك المركزي العراقي حظر 200 ألف بطاقة يستخدمها عناصر الفصائل بدعوى مكافحة الاحتيال التي حققت أرباحًا بنحو 450 مليون دولار في 2023.

(*) الصراعات الانتخابية: تلقي الصراعات السياسية بظلالها على هيئة الحشد الشعبي عمومًا والفصائل الموالية لإيران على ضوء اقتراب الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، حيث تضغط بعض أطراف الإطار التنسيقي لإقرار قانون الخدمة والتعاقد لمنتسبي الحشد الشعبي الذي يهدف لتحديد سن التقاعد للإطاحة برئيس هيئة الحشد فالح الفياض، إلى جانب إحالة نحو 4 آلاف عنصر آخرين للتقاعد، ما أدى لسحب مشروع القانون من البرلمان منتصف مارس الماضي حرصًا على وحدة الصف داخل الإطار.

على الجانب الآخر يثير مشروع القانون المقدم لإعادة تنظيم هيئة الحشد الشعبي كذراع أمنية للدولة العراقية وضبط هيكلته الإدارية والتنظيمية العديد من الخلافات داخل البرلمان وخارجه، فعلى الرغم من البنود المتعلقة بالحوكمة وأبرزها أن يتولى ضباط من الجيش النظامي مناصب قيادية في هيئة الحشد الشعبي، خاصة مع ما يمنحه مشروع القانون من حصانة للهيئة في إطار مهمتها المقترحة هي حماية النظام الدستوري والدفاع عن وحدة وسلامة الأراضي العراقية ومكافحة الإرهاب، التي تعزز من استقلالية الهيئة دون وجود ضمانات حقيقية بمنع تسييسها، خاصة في ظل التضخم المتسارع في أعداد منتسبيها، حيث ارتفع عدد عناصر الحشد من 122 ألفًا في 2022 إلى 238 ألفًا بنسبة 95%، حسب موازنة عام 2023 والتي شهدت ارتفاعًا في مخصصات الهيئة من 2.16 مليار دولار (2022) إلى 2.8 مليار دولار، قبل أن تبلغ 3.4 مليار دولار في موازنة 2024.

(*) تأثير التيار الصدري: التقط زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعوة المرجعية الشيعية ليعزز الضغوط على الفصائل وأجنحتها السياسية، داعيًا في 4 يوليو 2025 إلى تسليم "الأسلحة غير المنضبطة" وحل الميليشيات وتعزيز الجيش والشرطة.

ويمثل انسحاب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر تحديًا رئيسيًا لمكونات الإطار التنسيقي الشيعي نظرًا لكتلته الانتخابية المؤثرة في الشارع العراقي، ورغم مقاطعة التيار للعمل السياسي والانتخابي عقب استقالة نوابه من مجلس النواب الحالي في يونيو 2022؛ إلا أن حساب المتحدث باسم التيار الصدري صالح محمد العراقي أشار إلى أن قادة التيار الصدري في حالة اجتماع مستمر، ملوحًا بإمكانية في العملية السياسية لدعم التيارات والكتل التي تضع على رأس برنامجها الانتخابي "حل الميليشيات ودمج الحشد الشعبي في القوات الأمنية". وفيما يبدو ردًا على تساؤلات بشأن إمكانية عودة التيار للحياة السياسية، أعاد المتحدث في 10 يوليو الجاري نشر "الوثيقة الوطنية" التي وقع عليها مقتدى الصدر إلى جانب قادة من الإطار التنسيقي وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، وهي الوثيقة الموقعة في أغسطس 2021 في إطار مساعي إقناع التيار بخوض، وتشمل 16 بندًا الانتخابات من بينها "حصر السلاح بيد الدولة وإعادة هيبة الدولة وإنهاء كافة المظاهر المسلحة".

حدود الاستجابة

جاءت المطالبات بنزع السلاح في توقيت حاسم في السياسة العراقية قبيل انتخابات نوفمبر 2025، كما ترتبط حدتها بخطورة التصعيد الداخلي على خلفية المواجهات بين تلك الفصائل وعناصر سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في 2021 من جهة، والتصعيد الإقليمي في أعقاب المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة.

ويمكن النظر لمواقف الفصائل الموالية من تلك الدعوات على النحو التالي:

(&) التحصين القانوني والسياسي: كانت الميليشيات الموالية لإيران في العراق الذراع الخارجي الرئيسي والأوحد في المواجهة الأمريكية الإيرانية خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشملت تلك المواجهة تصعيدًا صاروخيًا ضد السفارة ومواقع انتشار القوات الأمريكية في العراق خاصة في إقليم كردستان، وهو ما شهد رد فعل أمريكي عنيف باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ومؤسس "كتائب حزب الله" أبو مهدي المهندس في 3 يناير 2020.

ونجحت الولايات المتحدة في إدارة الصراع مع الفصائل التي تستخدم الهجوم على المصالح الأمريكية ضمن حملة الضغط على واشنطن لسحب قواتها من العراق، من خلال اتباع استراتيجية "جز الشعب" واستهداف قيادات الفصائل المسؤولة عن تلك الهجمات، وهو ما ظهر في استهداف القياديين في "كتائب حزب الله" أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي في 7 فبراير 2024 ردًا على الهجوم بالمسيّرات الذي استهدف موقع "برج 22" شمال شرق الأردن وأسفر عن مقتل ثلاث جنود أمريكية.

وفي ضوء تلك الضغوط كانت الفصائل العراقية أكثر براجماتية من باقي مكونات المحور الموالي لإيران في إطار المواجهة مع إسرائيل عقب اندلاع "طوفان الأقصى"، حيث شكّلت في بداية المواجهة ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، التي أنهت عملياتها عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وسقوط النظام السوري السابق.

ويشمل مشروع القانون الجديد تحصين هيئة الحشد الشعبي كمؤسسة أمنية مستقلة تتبع القائد العام للقوات المسلحة، ومن ثم تعزيز دور فصائلها وخاصة الفصائل الولائية التابعة لإيران في قلب النظام السياسي العراقي.

(&) التصعيد الخطابي: واجهت الفصائل الموالية لإيران دعوات نزع سلاحها بانتقادات علنية ومبطنة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتصدت "كتائب حزب الله" وجناحها السياسي حركة حقوق للرد على تلك الدعوات باعتبارها "خيانة لدماء الشهداء"، ودعى حساب "أبو علي العسكري" المحسوب على الحركة في 5 يوليو الجاري للحفاظ على "سلاح المقاومة" وتوجيه الأنظار إلى التواجد العسكري الأمريكي في العراق باعتباره احتلالًا. وعلى الجانب الآخر اتخذت حركة الصادقون الجناح السياسي لـ"عصائب أهل الحق" على لسان النائب علي تركي الجمالي في 16 يوليو 2025 موقفًا وسطًا سعى لفصل خطاب المرجعية عن موقف التيار الصدري، وإبراز الالتزام بسلاح الحشد عمومًا بوصفه "سيفًا للمرجعية" في إشارة لاستجابة الفصائل لفتوى الجهاد الكفائي والتزام الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد كمؤسسة حكومية بحصر السلاح بيد الدولة، ولم يخل البيانان من البُعد الغيبي وتأكيد التمسك بالسلاح "حتى ظهور الإمام المهدي".

وإجمالًا؛ تتعزز المخاوف إزاء المشهد الأمني في العراق على وقع التحديات السياسية المرتبطة بالانتخابات المقبلة والضغوط الأمريكية والدولية لتصفية النفوذ الإقليمي لإيران، وهو ما يوجه سهام التصعيد نحو الفصائل العراقية باعتبارها نقطة ارتكاز رئيسية في مساعي إعادة تسليح ما يسمى بـ"محور المقاومة". ومن المحتمل أن تلعب بعض الفصائل العراقية دورًا لوجيستيًا في ترميم قدرات المحور الإيراني عبر تعزيز أنشطة تهريب الأسلحة عبر الحدود في ضوء خطة إعادة التموضع الإيراني وإعادة تسليح "حزب الله". وتبدي الفصائل اهتمامًا أكبر بتعزيز حضورها في النظام السياسي العراقي عبر تحصين هيئة الحشد الشعبي وإعادة توجيهها لتواكب توجهاتها السياسية والعقائدية.