الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تأثر فيلق القدس الإيراني بالتصعيد الإقليمي؟

  • مشاركة :
post-title
فيلق القدس

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

في غمرة التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، تعرض فيلق القدس -وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني- للعديد من الضربات القاسية التي استهدفت هيكله القيادي وتقييد قدرته على دعم وإسناد وتوجيه حلفائه وأذرعه بالخارج، انتهاءً بقطع خطوط الإمداد الرئيسية عبر الأراضي السورية، وإعاقة قدراته على ترميم صفوف حلفائه عبر حملات القصف المكثفة على حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومع تلك الضغوط، برز حضور فيلق القدس في الأراضي السورية، حيث أعلنت وزارة الداخلية السورية في 7 يوليو الجاري اعتقال نحو 50 شخصًا مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني في مدينة البوكمال وريفها على الحدود مع العراق، بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال اعتقال خلية تابعة لفيلق القدس في عملية ليلية بمنطقة تل قدنة جنوبي سوريا.

وتأسيسًا على ما سبق، يتناول التحليل التالي حدود تأثر فيلق القدس بالتصعيد الإقليمي، وانعكاسات ذلك على حضوره وانتشاره الإقليمي وتكتيكاته المستقبلية.

استهدافات متعددة

في أحدث الضربات الموجهة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أعلنت الخزانة الأمريكية في 9 يوليو الجاري فرض عقوبات على 22 شركة في هونج كونج وتركيا والإمارات بدعوى تسهيلها تجارة النفط الإيراني، واستخدامها كواجهة لتحويل عائدات بمئات الملايين من الدولارات موجهة لدعم وحدة العمليات الخارجية للحرس الثوري؛ لتعزيز برنامجها الصاروخي ودعم الأذرع الإقليمية.

وفي خضم التصعيد الإقليمي الذي خلفته الحرب على غزة، تكبَّدت وحدة العمليات الخارجية العديد من الخسائر الضخمة والتي أثرت في طبيعة المواجهة بين الفصائل الموالية لإيران من جهة وإسرائيل بدعم وغطاء استخباراتي ولوجيستي أمريكي من جهة أخرى، وهو ما يمكن الإشارة إليه في النقاط التالية:

أبرز الاغتيالات في صفوف فيلق القدس خلال المواجهة الأخيرة

(*) تسلسل القيادة: أثر انخراط قيادات فيلق القدس مع بعض الفصائل في عملية صنع القرار وتنسيق أنشطة المحور الموالي لإيران خلال المواجهة مع إسرائيل في توجيه ضربات قاصمة ساهمت في تقليص قدرات المحور، وبدأت سلسلة الاستهدافات بقصف القنصلية الإيرانية بدمشق في أبريل 2024 واغتيال عدد من عناصر الحرس الثوري، على رأسهم العميد محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، قبل أن تنطلق عمليات جيش الاحتلال ضد حزب الله في لبنان التي استهدفت القيادة التكتيكية للمحور ممثلًا في الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى جانب قائد فيلق القدس في لبنان العميد عباس نيلفروشان في 27 سبتمبر 2024، كما استهدفت إسرائيل في حرب الـ12 يومًا مع إيران بعض القيادات المسؤولة عن التواصل مع الفصائل، ومن بينهم قائد فرع فلسطين بالفيلق ومسؤول التنسيق مع الفصائل الفلسطينية والوحدة 3900 بحزب الله العميد سعيد إيزادي، وقائد وحدة نقل الأسلحة العميد بهنام شهرياري.

(*) سلاسل الإمداد والدعم اللوجيستي: رسم طيران جيش الاحتلال الإسرائيلي بالنار خطوط التصعيد مع المحور الإيراني، عبر تحييد مخاطر تعدد جبهات المواجهة وقصف مخازن الأسلحة والصواريخ في لبنان وقطع خطوط الإمداد الإيرانية عن حزب الله في لبنان والسيطرة الجوية الكاملة على الأراضي السورية والتي تضمنت تدمير عشرات المعابر الرسمية وغير الرسمية والمواقع الحدودية بين سوريا ولبنان في سبتمبر وأكتوبر 2024.

وفي خضم المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف منشآت تخزين طائرات مُسيَّرة ووسائل قتالية في قاعدة بحرية للحرس الثوري في ميناء الشهيد رجائي ببندر عباس، وتزعم إسرائيل أن الوحدة 190 المسؤولة عن تهريب الأسلحة للوكلاء الإقليميين هي المسؤولة عن تشغيل تلك المنشأة.

(*) تفكيك المحور الإقليمي: مثَّل العدوان على لبنان خلال العمليات المكثفة في الفترة من منتصف سبتمبر وحتى 27 نوفمبر 2024 -وما تلاها من عمليات قصف متواصل لأهداف تابعة للحرس الثوري وعناصر حزب الله وأجنحة الفصائل الفلسطينية في لبنان حتى الآن- الجهد الرئيسي لتفكيك محور النفوذ الإقليمي الإيراني وتفكيك الأسس المالية والتنظيمية لترابط تلك الفواعل من خلال استهداف المركز المالي لحزب الله ممثلًا في مؤسسة القرض الحسن وبنوك الصرافة التي تمثل غطاءً لحركة الأموال بين إيران والفصائل المسلحة في كل من سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما تشمل قائمة الأهداف تفكيك الوحدة 3900 التي تصفها مؤسسات بحثية إسرائيلية بالوحدة المشتركة بين كل من فيلق القدس الإيراني وحزب الله، واستهدفت غارة إسرائيلية بالضاحية الجنوبية لبيروت في 1 أبريل 2025، القيادي بالوحدة ومعاون مسؤول الملف الفلسطيني في حزب الله ومسؤول التنسيق مع الفصائل الفلسطينية حسن بدير والمعروف بـ"الحاج بدير".

إعادة التموضُع

وعلى الرغم من تلك الضغوط التي نجحت في دفع نظام بشار الأسد في سوريا للانهيار سريعًا، وتعزيز نتائج العدوان على لبنان ومحاصرة الفصائل العراقية سياسيًا لإنهاء عملياتهم ضد إسرائيل، تظهر التحركات الأخيرة في سوريا ولبنان مساعي فيلق القدس لإعادة ترميم شبكة النفوذ الإقليمي وإعادة بناء قدرات حزب الله تحت القصف، وإيجاد موطئ قدم في سوريا لإرباك مسار التطبيع المحتمل بين دمشق وتل أبيب برعاية أمريكية.

وعلى الجانب الآخر، عزز تراجع دور حزب الله وخسارة سوريا في المعادلة الإقليمية من أهمية الاتكاء على الحوثيين في إعادة بناء توازن الردع وتشييد درع أمني بديل في مساحة أكثر أمانًا للتمدد والعمل بحرية تعزز من ثقل الفاعل الحوثي في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ما دفع لتسريع عمليات الجماعة ضد السفن المدنية في البحر الأحمر جنبًا إلى جنب مع الالتزام بقصف إسرائيل بالمسيرات والصواريخ الباليستية في ظل استمرار الحرب على غزة.

ويمتلك التعاون مع الحوثيين فرصًا أكبر من حزب الله، على صعيد توجيه العمليات العسكرية عبر مستشارين من الوحدة 6000 بفيلق القدس والمسؤولة عن اليمن والجزيرة العربية، إلى جانب تعزيز ترسانة الأسلحة من الصواريخ والمُسيَّرات عبر الوحدة 190 المسؤولة عن توريد الأسلحة، إلى جانب الوحدة 430 المسئولة عن نقل المعارف التقنية العسكرية للفصائل للمساعدة في إنتاج الأسلحة محليًا والتغلب على تحديات تعقب سلاسل التوريد.

وإجمالًا؛ يُظهِر تضرر كل أفرع فيلق القدس إثر انخراطهم في قيادة وتوجيه العمليات العسكرية وتوفير التدريب التقني والعسكري لعناصر الفصائل خلال التصعيد الإقليمي الأخير باستثناء الساحة اليمنية التي لا تزال توفر سماءً آمنة لنشاط مستشاري فيلق القدس في مناطق سيطرة الحوثيين. 

ورغم البيئة العدائية التي تواجه إيران في سوريا إثر دعمها النظام السابق، يسعى فيلق القدس لإعادة التموضع مجددًا في سوريا وترميم قدرات حزب الله، بالتوازي مع تسريع الدعم العسكري والتقني للحوثيين بهدف إعادة بناء توازن الردع أو بحد أدنى تدشين جدار أمني خارجي يساهم في الدفاع عن المصالح الإيرانية والتصدي للدينامية الأمريكية الإسرائيلية لإعادة تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط.