الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما هي الانعكاسات الاقتصادية لمخرجات قمة "بريكس" الـ 17؟

  • مشاركة :
post-title
قمة البريكس الـ17

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

انعقدت في يومي 6 و7 من يوليو الجاري قمة مجموعة "بريكس" السابعة عشرة في مدينة "ريو دي جانيرو" البرازيلية بمشاركة 20 دولة تحت شعار "تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب من أجل حوكمة أكثر شمولًا واستدامة".

وتأتي هذه القمة في ظل مجموعة من الأزمات العالمية التي تحتاج إلى تكاتف جميع دول المجموعة؛ لتحقيق المرونة الاقتصادية في مواجهة المخاطر الخارجية، والتحديات الجيوسياسية التي تواجه العديد من الدول، خاصة النامية منها.

ومن الجدير بالذكر هنا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب صدور البيان الختامي للقمة، هدد على منصة "تروث سوشيال" بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الدول المُنحازة لسياسات مجموعة "بريكس".

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على القضايا الاقتصادية التي تناولتها القمة، مع توضيح انعكاساتها على مستقبل دول المجموعة.

قضايا محورية

يُمكن توضيح القضايا التي تناولتها قمة "بريكس" الـ17 من خلال النقاط التالية:

(-) توسيع استخدام العملات الوطنية: دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمة عبر تقنية الفيديو خلال القمة، إلى التوسع في استخدام العملات الوطنية بين دول "بريكس"، مع تمهيد إطلاق نظام مدفوعات مشترك يُعرف بـ “BRICSPAY” دون السعي لاستبدال الدولار بالكامل.

وأكد بوتين أن مجموعة "بريكس" تتفوق بشكل كبير على تكتلات أخرى مثل مجموعة السبع من حيث معدلات القوة الشرائية، إذ تُشكل دول المجموعة نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار تعادل القوة الشرائية (PPP) في عام 2024، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 41% في عام 2025.

ووفقًا للشكل (1)، يتضح أن المجموعة بدأت في تخطي معدلات النمو العالمية، إذ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بها 4% في عام 2024، بتوقعات نمو 3.4% في عام 2025، بينما بلغ معدل النمو العالمي 3.3%، بتوقعات نمو 2.8%، وهو ما يتضح أنه على الرغم من توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض النمو في كل من بريكس والعالم، فإن انخفاضه في المجموعة أقل بكثير من انخفاضه على مستوى العالم.

الشكل (1) يوضح معدل نمو مجموعة البريكس ومعدل النمو العالمي في عامي 2024 و2025-المصدر: تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2025

(-) إصلاح النظام المالي العالمي: أشار البيان الختامي للقمة إلى أهمية تعزيز التعددية وإصلاح الحوكمة المالية العالمية، إذ تطرقت لأول مرة إلى إصلاح الحصص والحوكمة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بألا يكون إعادة تنظيم الحصص على حساب الدول النامية، مع ضرورة أن تزيد حصص الاقتصادات الناشئة والنامية، بشكل يُحسن من تمثيلها وتوسيع النفوذ المالي لها.

ومن ناحية أخرى، تطرقت القمة إلى وضع أدوات تمويل بديلة، من بينها تقوية دور بنك التنمية الجديد وتوسيع آلية الاحتياط الطارئة المشتركة (CRA).

(-) تعزيز نظام تجاري متعدد الأطراف: دعم البيان الختامي للقمة نظامًا تجاريًا متعدد الأطراف قائمًا على القواعد، ومفتوحًا وشفافًا وعادلًا وشاملًا وغير تمييزي، ويستند إلى توافق الآراء، وتتمحور حوله منظمة التجارة العالمية، مع منح أعضائها من البلدان النامية معاملة خاصة تفضيلية. وتأكيدًا لذلك، أوضحت القمة سبل ربط سلاسل الإمداد وتسهيل التجارة الرقمية لتشجيع نمو أكثر استدامة وشمولية.

وجاء ذلك في ظل تخوف مجموعة "بريكس" من تصاعد التدابير الجمركية الأحادية، التي تشوه التجارة العالمية، وتخالف قواعد منظمة التجارة العالمية.

(-) الأمن الغذائي وتمويل التنمية: شهد جدول أعمال القمة نقاشًا حول أمن الإمدادات الغذائية؛ بسبب تأثير الأزمة العالمية والقيود التصديرية على بعض الدول، وعليه أشار بوتين إلى أن المجموعة تمضي قدمًا نحو إنشاء بورصة للحبوب ومنصة لوجستية دائمة.

(-) الاقتصاد الرقمي والابتكار: دعمت أجندة قمة "بريكس" الاقتصاد الرقمي بشكل كبير، إذ تم إطلاق مجموعة عمل لتعزيز الاقتصاد الرقمي، مع التركيز على دعم التكنولوجيا، وتطوير الخدمات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، كما دعم البيان الختامي للقمة الحوكمة الدولية الشاملة والمسؤولة للذكاء الاصطناعي لتسخير إمكانات هذه التكنولوجيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

انعكاسات اقتصادية

تتبلور مجموعة من الانعكاسات الاقتصادية الإيجابية لقمة "بريكس"، والتي تتضح في النقاط التالية:

(-) تعزيز نمو الدول النامية: يتأثر اقتصاد الدول النامية إيجابيًا مع توسع ونمو مجموعة "بريكس"، فاستخدام العملات المحلية في التعامل بين دول المجموعة يحقق مكاسب كبيرة على مختلف الأصعدة، ومع إقرار بوتين سداد مصر تمويل مشروع محطة الضبعة النووية بالروبل الروسي، سيزداد التعاون الاقتصادي المصري بالعملات المحلية، كما أنه سيخفف الضغط على العملة الصعبة. وكما يوضح الجدول (1)، فإن هذا القرار سيوفر نحو 1.01 مليار دولار سنويًا على الدولة المصرية.

الجدول (1) يوضح تفاصيل تمويل محطة الضبعة النووية

ومن هنا يُمكن القول إن اتخاذ خطوات مع مصر للتعامل بالعملات المحلية، من المحتمل أن يُعمم على باقي دول المجموعة خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يعزز من معدلات النمو الاقتصادي داخل دول "بريكس".

ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن يترتب على تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على دول "بريكس" تأخير تنفيذ هذه الخطوة؛ باعتبارها تؤثر على اعتماد هذه الدول على الدولار.

(-) إنعاش التجارة العالمية: إن تركيز مجموعة "بريكس" على تحقيق التنوع في التجارة العالمية بشكل يراعي متطلبات الدول النامية، سيحقق انتعاشًا كبيرًا للتجارة بين دول المجموع. ومن الشكل (2)، يتضح أن حجم تجارة دول المجموعة ارتفع بشكل كبير فيما بينها، فقد ارتفعت تجارة مصر مع مجموعة "بريكس" بنسبة 19.5% في عام 2024، إذ ارتفعت من 42.5 مليار دولار إلى 50.8 مليار دولار، وفي الإمارات ارتفع التبادل التجاري مع المجموعة بنسبة 10.5%، من 219.9 مليار دولار إلى 243 مليار دولار.

وعلى هذا النحو، يتضح أن انضمام الدول إلى مجموعة أنعش التجارة بشكل كبير بينهم، وهو الأمر الذي يفسر ارتفاع نسبة مساهمة "بريكس" في التجارة العالمية إلى نحو 24%.

الشكل (2) يوضح تجارة مصر والإمارات مع مجموعة البريكس في عامي 2023 و2024

(-) تعدد الفرص التمويلية: ترتفع الفرص التمويلية الميسرة أمام دول "بريكس" بشكل كبير، فقد وافق بنك التنمية الجديد على أكثر من 120 مشروعًا بقيمة 40 مليار دولار حتى منتصف عام 2025. ويمتلك البنك رأس مال مصرحًا به يصل إلى 100 مليار دولار، بالإضافة إلى 50 مليار دولار رأس مال مكتتب، كما تبلغ القروض السنوية المقدرة له نحو 34 مليار دولار سنويًا. ومن المتوقع أن ترتفع هذه القيم مع الدعوة إلى تعزيز رأسمال البنك وزيادة عدد أعضائه.

وعليه، فإن بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة "بريكس" سيحد من الشروط الصارمة لمؤسسات التمويل الدولية الأخرى، التي تُفرض بشكل خاص على الدول النامية.

ومن ناحية أخرى، تركز تمويلات البنك على مجالات مهمة مثل تمويل مشاريع البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة، وهو الأمر الذي يوضح أنه يستهدف تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة داخل دول المجموعة.

(-) تعزيز الأمن الغذائي: يترتب على إنشاء بورصة للحبوب داخل مجموعة "بريكس" تعزيز الأمن الغذائي داخل الدول الأعضاء بشكل كبير، إذ أنها تسهل تجارة الحبوب على نطاق واسع بين الدول، كما أنها تحدد أسعارًا عادلة للحبوب بناءً على العرض والطلب. ونظرًا لأن الطلب على الحبوب في الدول النامية يُعتبر المحدد الأساسي للأمن الغذائي، فهذه البورصة ستساعد على نمو القطاع الزراعي داخل اقتصاديات الدول الأعضاء.

وفي النهاية، يُمكن القول إن مجموعة "بريكس" باتت تظهر ككيان اقتصادي ضخم في النظام العالمي، فالمتابعة الدقيقة للرئيس الأمريكي لهذه المجموعة، وتهديده بفرض رسوم جمركية 10% على دولها، تعكس محاولته للحد من صعود هذا التكتل الذي يزداد نفوذه الاقتصادي والسياسي، وهو ما يوضح الثقل الكبير لهذه المجموعة، وأنها قادرة على المساهمة بنسبة أكبر في الاقتصاد العالمي، من خلال تسريع مشاريعها البديلة، مما يعود بالنفع على الدول الأعضاء.

وفي ضوء هذه المعطيات، تبدو المرحلة المقبلة حاسمة: فإما أن تُفضي هذه التوترات إلى نظام عالمي أكثر توازنًا وتعددية قطبية، أو أن يدخل الاقتصاد العالمي في حالة من عدم الاستقرار نتيجة التصعيدات المتبادلة. وفي كلتا الحالتين، فإن مجموعة "بريكس" وما جاءت به في القمة الـ17 يُمثل نقطة تحول مفصلية في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي.