في يناير 2024 انضمت مصر رسميًا إلى تكتل البريكس، وذلك بعد أن تمت دعوتها في أغسطس الماضي، بجانب خمس دول أخرى؛ للانضمام إلى التكتل، خلال القمة الـ 15 التي عُقدت في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، تحت شعار "بريكس وإفريقيا.. الشراكة من أجل النمو السريع والمستقر"، ويُمكن القول إن انضمام مصر إلى هذا التكتل الاقتصادي الكبير يُحقق لها العديد من الفوائد الاقتصادية في الأجل القريب.
ويُذكر أن الحكومة المصرية خصصت وحدة خاصة بـ"بريكس"؛ انطلاقًا من حرص مصر على تعزيز التعاون مع الدول الأعضاء بالتكتل، وتحويل الفرص المُمكنة إلى مشروعات على أرض الواقع، إذ ستختص بدراسة القوانين اللازمة لتنفيذ الاتفاقيات والالتزامات المطلوبة، كما تختص بتنسيق الجهود في تحضير الخطط والاستراتيجيات المهمة.
وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على تكتل البريكس ووضعه الحالي بعد انضمام أعضاء جدد، كما سيتم توضيح الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد المصري.
وضع تكتل البريكس
يُمكن التعرف على الوضع الحالي لتكتل البريكس، من خلال مجموعة من المؤشرات، على النحو التالي: -
(-) اقتصاد الدول الأعضاء عام 2023: يتكون تكتل البريكس من دول لها تأثير اقتصادي كبير في النظام الدولي، كما يوضح الشكل رقم (1)، فالصين تحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث الناتج الإجمالي خلال عام 2023، إذ بلغ 17.70 تريليون دولار، الأمر الذي جعل صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني خلال عام 2024 إلى 4.6% بدلًا من 4.2%، وهو ما يوضح الانتعاش الاقتصادي الذي حققته الصين خلال عام 2023، وتأتي الهند في المرتبة الخامسة عالميًا، إذ حققت ناتج محلي إجمالي يُقدر بـ 3.73 تريليون دولار، فقد وصل الاقتصاد الهندي إلى معدلات نمو مرتفعة في أواخر عام 2023، وهو ما جعل البنك الدولي توقع نمو الاقتصاد الهندي بمعدل 6.3% في السنة المالية الحالية التي سوف تنتهي في مارس 2024.
وجاءت البرازيل في المرتبة التاسعة بناتج محلي إجمالي 1.86 تريليون دولار، وكما حقق الاقتصاد الروسي نموًا كبيرًا خلال عام 2023 بالرغم من العقوبات الأوروبية الكبيرة عليه، إذ جاء في المرتبة الـ 11 بناتج محلي إجمالي 1.86 تريليون دولار، حيث أوضحت خدمة الإحصاءات الحكومية في روسيا إن نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 5.5% في الربع الثالث من 2023 بالمقارنة بانكماش قدره 3.5% في نفس الفترة من العام الماضي، واحتلت جنوب إفريقيا المرتبة الـ 41 بناتج محلي إجمالي 380.91 مليار دولار (0.38 تريليون دولار)، ومن هنا يتضح مرونة اقتصاد هذه الدول في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية.
(-) التكتل في عام 2024: تكتل البريكس في عام 2024 سيُحقق نموًا أكبر مما حققه في السنوات السابقة، حيث أن نسبة مساهمة مجموعة البريكس في الاقتصاد العالمي ترتفع من 25% إلى 40%، إذ إن توسيع العضوية مع دول لها ميزات اقتصادية كبيرة، سيُحقق الأهداف التي يسعي إليها التكتل بشكل كفء وسريع، وجاءت هذه النظرة من مجموعة من الملامح الأساسية التي يُمكن توضيحها فيما يلي: -
(*) مميزات الاقتصاد المصري: انضمام مصر إلى تكتل البريكس رسميًا في عام 2024، سيضيف العديد من المزايا الاقتصادية للتكتل، حيث حققت مصر ناتج محلي إجمالي قدره 398.40 مليار دولار في عام 2023، إذ جاءت في المرتبة الـ 38 عالميًا، متفوقة بذلك على اقتصاد جنوب إفريقيا الذي احتل المرتبة الـ 41 بناتج محلي إجمالي 380.91 مليار دولار، حيث حققت مصر معدل نمو 3.8% خلال العام المالي 2022/2023، هذا بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية التي قامت بها الدولة منذ عام 2014، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للدولة المصرية والنمو السكاني الكبير الذي من شأنه أن يعمل تحقيق الأهداف التنموية الكبيرة لتكتل البريكس.
(*) اقتصاد الأعضاء الجدد الآخرين: حققت السعودية ناتجًا محليًا إجماليًا خلال عام 2023 يُقدر بـ 1.07 تريليون دولار، حيث احتلت بذلك المرتبة الـ 19 عالميًا، بينما احتلت الإمارات المرتبة الـ 31 بناتج محلي إجمالي 509.18 مليار دولار، وكما يأتي وجود الإمارات والسعودية في التكتل من الأمور التي تعمل على توفير الطاقة للدول الأعضاء بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وذلك لكونهم دول نفطية في المقام الأول، وهو ما يوضح الاستفادة الكبيرة التي ستعود على التكتل من عضويتهم، هذا ومع دخول إيران بناتج محلي إجمالي 366.44 مليار دولار، وإثيوبيا بناتج 155.80 مليار دولار، سترتفع الميزة الاقتصادية للتكتل.
وعليه يصبح إجمالي ناتج التكتل بعد انضمام 5 دول جُدد إليه 28.3 تريليون دولار، بدلًا من 25.8 تريليون دولار قبل توسيع العضوية، أي ارتفع ناتج التكتل بـ 2.5 تريليون دولار، وهو ما يوضح أن دخول الأعضاء الجدد في تكتل البريكس، يُساهم في جعله قوة اقتصادية في النظام الدولي لا يُستهان بها.
انعكاسات إيجابية
انضمام مصر إلى تكتل البريكس سينعكس إيجابيًا بشكل كبير على الاقتصاد المصري، كما سيتم توضيحه على النحو التالي:
(-) تخفيف الضغط على الدولار: إن دخول مصر في تكتل البريكس واستفادتها من السياسات التي يُطبقها على الدول الأعضاء، خاصة المتعلقة باعتماد عملة مشتركة بين أعضاء البريكس، وخلق منطقة تجارة حرة، وتفعيل اتفاقيات الدفع المباشرة، تعمل على تخفيض سعر الواردات المصرية بشكل كبير، الذي من شأنه أن يعمل على تقليل الضغط على الدولار داخل الدولة المصرية، وهو الأمر الذي يُحقق الاستقرار في سعر الصرف الرسمي، ويقضي على السوق السوداء للعملة التي تستغل الطلب الكبير على الدولار.
ويُمكن توضيح ذلك من خلال الشكل رقم (2) الذي يوضح واردات مصر من أعضاء تكتل البريكس خلال عام 2022، إذ تستورد مصر بقيمة 11.37 مليار دولار من الصين، بينما تستورد بقيمة 3.36 مليار دولار من روسيا، و3.43 مليار دولار من الهند، و2.79 مليار دولار من البرازيل، و122.49 مليون دولار من جنوب إفريقيا، وذلك بإجمالي 21.07 مليار دولار، وهو ما يعني أن مصر قبل انضمامها إلى البريكس كانت تحتاج توفير حوالي 21 مليار دولار؛ لدفع قيمة الواردات من دول البريكس، ولكن بعد انضمامها واتجاه البريكس نحو اعتماد عملة مشتركة بين أعضاء التكتل، ستوفر الدولة المصرية هذه القيمة الدولارية وسيتم إخراج قيمتها من منظومة الدفع الدولاري، كما سيزداد توفير الدولار في مصر مع الانضمام الرسمي للإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا، حيث تستورد ما قيمته 9.74 مليار دولار من هذه الدول في عام 2022، ومن هنا يصبح إجمالي ما تستورده مصر من دول تكتل البريكس التسع 30.81 مليار دولار، حيث ستتعامل مصر مع قيمة هذه الواردات بنظام العملة المشتركة للتكتل أو العملة المحلية، وهو ما سينعكس بالإيجاب على سعر الدولار في مصر.
(-) جذب مزيد من الاستثمارات: من المتوقع بشكل كبير أن تزداد استثمارات دول البريكس داخل الدولة المصرية، إذ أشار الرئيس الروسي" فلاديمير بوتين" إلى أنه سيعمل في إطار هذا التكتل على تنفيذ العديد من المشروعات المختلفة داخل القارة الإفريقية، وستزداد الاستثمارات الروسية في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، وهذه ستكون سياسة الدول الأخرى داخل تكتل البريكس، حيث ستقوم هذه الدول بفتح آفاق استثمارية جديدة داخل القارة الإفريقية، خاصة في مصر، إذ بلغت استثمارات دول المجموعة في مصر حوالي 891 مليون دولار في عام 2022، بالمقارنة بـ 610.9 مليون دولار في 2021، وعليه فإن السياسات الاستثمارية لتكتل البريكس في إفريقيا ستزيد من حجم الاستثمارات داخل مصر بشكل كبير في الفترة المُقبلة.
(-) توفير التمويل الميسر: ستعمل عضوية مصر في بنك التنمية التابع لتكتل البريكس، على فتح الفرص التمويلية الميسرة للعديد من المشروعات الإنتاجية المختلفة داخل الدولة المصرية، إذ إن الهدف الأساسي لهذا البنك، هو إنشاء بنية تحتية جديدة وتحسين جودة الحياة داخل الدول الأعضاء، وعليه بعضوية مصر في تكتل البريكس سيرتفع حجم التمويل الممنوح لمصر في مجالات نقل التكنولوجيا، وحل مشاكل أمن الطاقة والغذاء وخلق التنمية، وسيكون هذا التمويل بشروط ميسرة جدًا على الدولة المصرية، بعكس الإجراءات الصعبة في مؤسسات التمويل الدولية الأخرى، وهو الأمر الذي سينعكس على تقليل الضغط على الدولار، إذ إن هذا التمويل لن تكون تكلفته بالدولار.
(-) تطوير قطاع الصناعة: تواجد مصر في تكتل البريكس، يعمل على إمكانية استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وكما أن التكتل يُتيح لمصر الاستفادة من خبرات الدول الأعضاء في إجراءات تطوير الصناعة في بلادهم، وكما يمنحها الفرصة في نقل تكنولوجيا التصنيع التي تعمل على النهوض بالقطاع الصناعي بها بشكل كبير، إذ إن عضوية مصر في البريكس تجعلها تعمل على تطوير منتجاتها ورفع جودتها؛ لتحقيق الميزة التنافسية للصناعة المصرية بين اقتصاديات الدول الأعضاء، وعليه يزداد تصدير المنتجات الصناعية المصرية.
(-) زيادة التبادل التجاري: هناك علاقة إيجابية بين عضوية مصر في تكتل البريكس، وبين زيادة التبادل التجاري مع الدول الأعضاء، إذ إن تعزيز التبادل التجاري من الأهداف الأساسية التي يعمل عليها التكتل، والجدير بالذكر هنا أن حجم التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس بلغ 47.8 مليار دولار خلال عام 2022، وهو من المتوقع أن يرتفع بقدر كبير جدًا، بعد انضمام مصر للتكتل، الأمر الذي ينعكس على تحسين الميزان التجاري في مصر.
وعليه يُمكن القول إن تكتل البريكس في عام 2024 وبعد توسيع عضويته، سيصبح قوة اقتصادية كبيرة في النظام المالي العالمي، وهو ما يجعل عضوية مصر فيه من الأمور التي ستُفيد الاقتصاد المصري بشكل كبير في الفترة المُقبلة، خاصة في تخفيف الضغط على الدولار داخل السوق المصري، وكما يعمل التكتل على تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، الأمر الذي سيُلقي بآثاره الإيجابية على مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة المصرية.