الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قضايا منتظرة.. ما المحتمل من قمة البريكس المُقبلة؟

  • مشاركة :
post-title
اجتماع وزراء خارجية تكتل بريكس (ونائب وزير خارجية الصين) يونيو 2023

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الجاري، تُعقد في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، القمة الخامسة عشر لدول مجموعة البريكس، التي تأتي بُناءً على دعوة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

وتُعد هذه القمة أول اجتماع شخصي لقادة البريكس، ما يدل على أهميتها، إذ إنه من المتوقع مناقشتها لمجموعة من القضايا المهمة والمؤثرة على أطرافها، على رأسها موضوع "العملة الموحدة" البديلة للدولار الأمريكي، مع العلم بأن اجتماع دول مجموعة البريكس في الكاب بجنوب إفريقيا يونيو الماضي، جاء ليؤكد أن المجموعة منفتحة على انضمام أعضاء جدد، وأهمية إعادة توازن النظام العالمي.

في ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل توضيح ملامح الكتلة الاقتصادية لتجمع البريكس، والموضوعات المحتمل مناقشتها في القمة المُقبلة، بالإضافة لقراءة تحديات وفرص تطبيق مبادرة عملة البريكس الموحدة.

ماهية "البريكس":

تعد مجموعة البريكس من التكتلات الاقتصادية القديمة، التي بدأت المفاوضات لتشكيلها في عام 2006، وعقدت أول قمة لها في عام 2009، ويمكن توضيح الحجم الاقتصادي لمجموعة البريكس من خلال رصد وتحليل اقتصاديات الدول الأعضاء، وحجم المجموعة ككتلة واحدة، وذلك كالتالي:

شكل (1) يوضح معدلات النمو في البرازيل من يوليو 2020 إلى الربع الأول من عام 2023

(*) البرازيل: وفقًا للشكل رقم (1) تعتبر البرازيل أقوى اقتصاد في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إذ بلغ معدل النمو الاقتصادي 2.9% خلال عام 2022، وتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023، مُتزايدًا عن ارتفاع قدره 1.9% في الفترة السابقة، ونظرًا لقوة اقتصاد البرازيل، سجّل الاقتصاد أقل معدل انكماش خلال فترة وباء كورونا، ما يعكس المرونة الشديدة في الاقتصاد البرازيلي، الأمر الذي جعله الاقتصاد السابع عالميًا، إذ يبلغ حجم اقتصادها تريليون و600 مليار دولار.

شكل (2) يوضح معدلات النمو في روسيا من يوليو 2020 إلى الربع الأول من عام 2023

(*) روسيا: تعرّض الاقتصاد الروسي للانكماش في فترة فيروس كورونا التي عبّر عنها الشكل رقم (2) بمعدلات النمو السالبة من يوليو 2020 إلى الربع الأول من عام 2021، وخلال الأزمة الروسية الأوكرانية، انخفض الاقتصاد بنسبة 4.5% في يوليو 2022، لكن بدأ الاقتصاد الروسي يتعافى خلال الربع الأول من عام 2023، إذ انخفض بمعدل 1.8% مقارنة بانخفاض 2.7% في الربع الأخير من عام 2022، وعلى الرغم من العقوبات الغربية، استطاعت روسيا العودة إلى قائمة أكبر 10 اقتصادات في العالم بنهاية عام 2022.

شكل (3) يوضح معدلات النمو في الصين من يوليو 2020 إلى يوليو 2023

(*) الصين: تحتل الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحجم 17.94 تريليون دولار، ما يوضح مدى النمو الكبير الحاصل في جمهورية الصين الشعبية، ويوضح الشكل رقم (3) أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 6.3% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2023، مقارنة بمعدل نمو 4.5% في الربع الأول، وكان هذا النمو مدفوعًا بتسارع النمو الصناعي في الصين، وعلى الرغم من هذا النمو المرتفع، إلا أنه جاء أقل من توقعات السوق البالغة 7.3%، ويرجع هذا الانخفاض إلى تراجع صادرات الصين بسبب ارتفاع التضخم في الأسواق الرئيسية.

شكل (4) يوضح معدلات النمو في الهند من يوليو 2020 إلى مارس 2023

(*) الهند: تعتبر خامس أكبر اقتصاد بالعالم، إذ يبلغ حجم الاقتصاد الهندي 2.94 تريليون دولار، ما جعلها تحل محل بريطانيا، وتحصل على المركز الخامس. كما يُذكر أن الهند تخطت اقتصاد فرنسا في 2017 واحتلت المركز السابع، وكان ذلك التطور مدعومًا بتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي، كما يوضح الشكل رقم (4)، إذ بلغ معدل النمو الاقتصادي 7.2% في مارس 2023، ما فاق توقعات الحكومة البالغة 7%.

(*) جنوب إفريقيا: يُعد اقتصاد جنوب إفريقيا ثاني أكبر اقتصاد في القارة السمراء، إذ يمتلك العديد من الثروات الطبيعية مثل الذهب والكروم والفحم والمنجنيز والنحاس والغاز الطبيعي، كما تمتلك الدول الإفريقية 13% من الاحتياطيات العالمية من الذهب، وبلغ مجموع إيرادات الموارد الطبيعية وفقًا لبيانات البنك الدولي 7.30% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، إذ تقوم جنوب إفريقيا بتصدير أكثر من ثلثي المعادن التي تستخرجها.

(*) حجم البريكس ككتلة واحدة: بفعل معدلات النمو المتسارعة التي حققتها الدول الأعضاء في التجمع، بالإضافة إلى تركُز نحو 41.3% من تعداد سكان العالم به، بات تكتل البريكس يستحوذ على 18% من حجم التجارة الدولية، ويتفوق على مجموعة السبع الصناعية في أبريل 2023، إذ إن مجموعة البريكس ساهمت بـ31.5% في الاقتصاد العالمي بالمقارنة بـ23% في عام 2017، بينما ساهمت مجموعة السبع الصناعية بـ30.7%.

نقاشات محتملة

ترجح التقديرات أن النقاش في القمة المُقبلة يدور حول مجموعة من القضايا الهامة، يُمكن توضيحها على النحو التالي:

(#) البت في طلبات الانضمام: قدمت نحو 22 دولة طلب الانضمام رسميًا إلى مجموعة البريكس، منهم مصر والسعودية وإيران، ما يوضح أن التكتل يجذب اهتمام العديد من الدول وخاصة الإفريقية والعربية. بالتالي قد يكون من المحتمل أن تحتل قضية توسيع عضوية البريكس أولوية مهمة على طاولة القمة المُقبلة من خلال التأكد من توافق الشروط الاقتصادية على الدول الراغبة للانضمام، ومن المتوقع أن تنال مصر والسعودية عضوية في تجمع البريكس في الاجتماع المقبل.

(#) دراسة العملة الموحدة: من المُرجح أن يدور النقاش الأساسي في القمة المُقبلة حول العملة الموحدة البديلة للدولار التي يسعى التكتل لإصدارها، بأن تكون عملة احتياطية دولية تعتمد على سلة من عملات دول مجموعة البريكس، بهدف بلورة نظام عالمي جديد يتخلص من هيمنة الدولار، وعليه من المتوقع أن تقوم القمة 15 بوضع خطوات تنفيذ هذا الاقتراح بشكل فعلي على أرض الواقع، شريطة التوافق بين الدول الأعضاء.

(#) الأحداث الاقتصادية العالمية: من المُمكن أن تتناول القمة دراسة التداعيات الاقتصادية للأزمة بين روسيا وأوكرانيا وغيرها من الأحداث الاقتصادية العالمية، لما لها من آثار كبيرة على اقتصاديات الدول في التكتل، فوضع استراتيجيات المواجهة للتداعيات الاقتصادية يُعتبر عاملًا من عوامل نجاح هذا التكتل في تحقيق أهدافه، إذ إن تقوية اقتصاديات الدول الأعضاء والعمل علي زيادة مرونتها يُقرب التكتل من تحقيق هدف العملة الموحدة.

(#) وضع استراتيجيات لتغير المناخ: تأتي قمة البريكس في ظل احتدام ظواهر التغير المناخي، وتأثيرها بشكل كبير على الدول الإفريقية، وعليه من الوارد أن تضع القمة المُقبلة مجموعة من الاستراتيجيات المهمة لمواجهة تغير المناخ في الدول الأعضاء، مع وضع آلية تمويل من قِبل التكتل لمشروعات الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء، باعتبارها مقومًا أساسيًا من مقومات نجاح اقتصاديات تلك الدول.

قابلية التنفيذ

استكمالًا لما سبق، وبناء عليه نطرح السؤال التالي: ما فرص نجاح مقترح العملة الموحدة لتجمع البريكس في المعاملات الدولية؟..وسنحاول الإجابة عليه من خلال النقاط التالية:

(&) حجم الاحتياطيات الأجنبية بالدولار: يتضح من الشكل رقم (5) أن الاحتياطي الدولاري في العالم يُمثل نحو 60% من احتياطيات البنوك المركزية في عام 2022، بينما يمثل اليوان الصيني 2.8%، وبالإضافة إلى ذلك يفوق الاحتياطي الأجنبي الروسي 582.4 مليار دولار، بينما بلغ الاحتياطي الصين 3.193 تريليون دولار، والاحتياطي البرازيلي بلغ 312.2 مليار دولار، والاحتياطي الهندي بلغ 607.7 مليار دولار، وبقراءة هذه الأرقام يتضح النسبة الكبيرة للاحتياطي الدولاري للدول الأعضاء في مجموعة البريكس، وبالتالي فإن تحويل هذه الاحتياطيات الضخمة من الدولار إلى عملة البريكس، سيُحمل هذه الدول تكاليف مرتفعة جدًا تؤثر على اقتصاداتهم.

شكل (5) يوضح احتياطيات النقد الأجنبي العالمية

(&) ارتفاع سعر الدولار: بقراءة أسعار صرف الدولار أمام عملات الدول الخمس في تجمع البريكس، اتضح تفوق الدولار الشديد أمام عملات هذه الدول، كما يوضح الجدول رقم (1)، إذ بلغ الدولار 7.16 يوان صيني، بالمُقارنة بـ6.88 في مايو 2023، كما انخفض الروبل الروسي بشكل كبير جدًا أمام الدولار، إذ بلغ الدولار 93.52 روبل روسي مقارنة بـ81.88 روبل روسي في مايو 2023، كما انخفضت الروبية الهندية، إذ سجل الدولار 82.70 روبية هندية، مقارنة بـ82 روبية في مايو.

جدول (1) يوضح قيمة عملات دول تجمع البريكس أمام الدولار في 3 أغسطس 2023

(&) نظام البترودولار: يُهيمن الدولار الأمريكي على سوق النفط العالمية، إذ تعتبر الولايات المتحدة من أوائل الدول التي تُنتج النفط في العالم بحجم إنتاج 16.460 مليون برميل يوميًا، كما يتضح من الشكل رقم (6)، وتليها روسيا في الترتيب، وتحتل البرازيل المرتبة الثامنة لإنتاج النفط بحجم إنتاج 3.030 مليون برميل يوميًا في عام 2021، وهو ما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية في وضع المُسيطر على سوق النفط العالمية، الأمر الذي يُصعّب من التخلي عن نظام البترودولار، ويُضعف من إمكانية اعتماد عملة البريكس كبديل للدولار.

شكل (6) يوضح أكبر 10 دول إنتاجًا للنفط في العالم-منصة الطاقة

(&) عدم التوافق: قد تكون التوترات الحدودية الهندية- الصينية، تحديًا قويًا أمام فكرة طرح العملة الموحدة، فالصين تسعى أن يكون اليوان الصيني هو العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، وأن تكون العملة العالمية البديلة للدولار، ومن المُحتمل أن ترفض الصين فكرة طرح عملة موحدة وفقًا لسلة عملات الدول الأعضاء، ومن ناحية أخرى لن توافق الهند على أن يكون اليوان الصيني هو العملة الاحتياطية الرسمية، خوفًا من تعاظم النفوذ الصيني.

مما سبق، يُمكن القول إن النقاط التي تم ذكرها تؤكد وجود تحديات قائمة، قد تحد من تنفيذ وجود عملة موحدة وبديل ناجح للدولار، وتدعيمًا لذلك يُذكر أن الاتحاد الأوربي في بداية تأسيسه كان يهدف إلى أن يكون اليورو بديلًا قويًا للدولار، لكن منذ التأسيس حتى فترة فيروس كورونا، كان هناك فروق طفيفة بين اليورو والدولار، بينما تفوق حاليًا على اليورو الذي تراجع الفترة الأخيرة، إذ سجل الدولار 0.91 يورو، لكن على الرغم من ذلك فإن التكتل بما يضمه من اقتصاديات كبرى، سيحقق العديد من المنافع للدول العربية والإفريقية ومنها: حشد التمويل لعمليات التنمية، وجذب الاستثمارات، وتشجيع التبادل التجاري بين الدول الأعضاء بالعملة المحلية، ما يُحسن وضع ميزان المدفوعات بشكل كبير في الدول النامية.

وفي النهاية يتضح إن الاجتماع المُقبل لمجموعة البريكس، سيسيطر عليه بشكل أساسي النقاش حول "مبادرة العملة الموحدة"، ووضع آليات تنفيذ هذه المبادرة بشكل تدريجي بين الدول الأعضاء، من خلال إحداث توافق عام داخل التكتل حول هذا الطرح، ومن ناحية أخرى ستعمل القمة على وضع مجموعة من الإجراءات لتقليل التداعيات الاقتصادية السلبية على الدول الأعضاء، المُتوقع زيادة عددهم بعد هذه القمة، الأمر الذي سيُحقق العديد من العوائد الإيجابية للدول الراغبة في الانضمام.