الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

استخفاف مستمر بتحذيراتها.. أسلوب ترامب يشوّه الاستخبارات الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
شعارات وكالات الاستخبارات الأمريكية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

عبر عقود، انتقد الكثير من الرؤساء الأمريكيين تقييمات مجتمع الاستخبارات من أجل فرض رأيهم الخاص، ففي ستينيات القرن الماضي سخر ليندون جونسون من التحليلات المتشائمة لحرب فيتنام، وفي التسعينيات طعن بيل كلينتون في التقارير التي أفادت بأن العراق أراد إعادة بناء أسلحة دمار شامل، وفي بدايات الألفية الثالثة انتقد باراك أوباما أجهزة الاستخبارات لفشلها في ربط الأحداث بعد فشل تفجير يوم عيد الميلاد عام 2006.

وعادةً ما كانت هذه الانتقادات تُتبادل سرًا أو في شكل تعليقات بنّاءة بين الرئيس وقادة المجتمع الاستخباراتي، لكن يبدو أن نمط دونالد ترامب وإدارته هو التشهير العلني بتقييمات الاستخبارات وتقويضها، وهو "أمر مقلق للغاية، وينذر بعواقب وخيمة على الأمن القومي"، حسب تحليل لمجلة "فورين بوليسي".

تلفت المجلة الأمريكية إلى أن أسلوب ونبرة الرئيس في إبلاغ الاستخبارات بالملاحظات أمر بالغ الأهمية، إذ رأت أن "النقد البنّاء بطرح أسئلة جادة، يمكن أن يعزّز التحليلات ويؤدي إلى رؤى أكثر فائدة لصانعي السياسات، فيما تعيق التعليقات أو الإهانات المهينة التحليل الصادق، وتقوّض الروح المعنوية، وتتسبب في ضرر دائم لمجتمع الاستخبارات".

رؤساء الاستخبارات الوطنية ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في الكونجرس
استخفاف ترامب

في الآونة الأخيرة، بدا جليًا استخفاف إدارة ترامب بالمعلومات الاستخباراتية التي تتعارض مع توجهاته السياسية.

الأسبوع الماضي، عقب تسريب تقرير أولي لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، الذي خالف ادعاء الرئيس بأن الضربات الأمريكية "دمرت" المنشآت النووية الإيرانية، وصف السكرتير الصحفي للبيت الأبيض التقرير بأنه "خاطئ تمامًا" و"محاولة واضحة للحط من قدر الرئيس".

يقول التحليل: "قد يتبين أن تقرير وكالة استخبارات الدفاع غير مكتمل -كما هي الحال عادةً مع التقارير الأولية- وفي بيان لاحق لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ذكر أن الضربات "ألحقت ضررًا بالغًا" بالبرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن التشهير العلني بتقارير الاستخبارات ليس وسيلة فعّالة ولا مثمرة لتبادل الآراء وتحفيز تحليلات أكثر دقة".

حتى قبل الضربات على إيران، رفض ترامب رأي أجهزة الاستخبارات القائل بأن إيران لم تكن تصنّع سلاحًا نوويًا مارس 2025، وذهب إلى حد القول إن مديرة استخباراته الوطنية تولسي جابارد كانت مخطئة، مضيفًا: "لا يهمني ما قالته".

وفي مايو الماضي، أُقيل مسؤولان رفيعا المستوى من مجلس الاستخبارات الوطني (NIC) بعد أن قوّض تقييمٌ أجراه المجلس ادعاء الإدارة بأن الحكومة الفنزويلية تُوجّه أنشطة عصابة "ترين دي أراجوا" الإجرامية، وقد اعتمدت الإدارة على هذا الادعاء لتفعيل قانون "الأعداء الأجانب" وترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

وصرّح مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بأن طردهما جاء بسبب "تسييس الاستخبارات"، دون تقديم أي دليل.

وبالعودة إلى الوراء، تتوافق هذه الانتقادات اللاذعة مع نمط تصرفات ترامب خلال ولايته الأولى، إذ رفض استنتاجات الاستخبارات بأن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016 لدعم حملته، كما هاجم في عام 2019، رؤساء الاستخبارات؛ لشهادتهم بأن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، وأن كوريا الشمالية لن تتخلى عن الأسلحة النووية.

انتقاد الاستخبارات

تؤكد "فورين بوليسي" أنه "قد يكون الاستخفاف بتقارير الاستخبارات غير الملائمة أمرًا مُجديًا سياسيًا على المدى القصير، لكن تداعياته على المدى البعيد تُشكل خطرًا على الأمن القومي".

يشير التحليل إلى أن انتقاد الرئيس لأجهزة الاستخبارات له تأثيرٌ على تقديم تحليلات موضوعية قائمة على الحقائق، وهي مساهمةٌ أساسيةٌ في قرارات الأمن القومي، مما قد يجعل المحللين يترددون في مشاركة استنتاجاتٍ تتعارض مع سياسة الإدارة خوفًا من الانتقام أو الهجمات السياسية التي لا أساس لها، بما في ذلك على الضباط أنفسهم.

في الواقع، ليست جميع هذه المخاوف افتراضية؛ فقد سُرِّبَت أخيرًا هويات محللين في الاستخبارات قام مؤيدو الإدارة بفضحهم على الإنترنت، وعلاوةً على ذلك، فإن الضغط الشديد على تقييمات الاستخبارات -خاصةً من البيت الأبيض- يمكن أن يُضعف من كفاءة التحليلات مع عواقب وخيمة محتملة، كما كان الحال مع تقييمات ما قبل الحرب لأسلحة الدمار الشامل العراقية عام 2002.

الأسوأ من ذلك، حسب رؤية "فورين بوليسي"، أن هذا التأثير يُقلل من كمية وجودة التحليلات المتاحة للرئيس ومستشاريه للدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات، إذ يُصبح المحللون "حذرين للغاية"، ويخشون التحذير من المخاطر الناشئة من دول مثل روسيا إذا ما رأوا أن مثل هذه الآراء ستُثير رد فعل قاسيًا من الرئيس، مما يُعرّض الرئيس وفريقه للخطر، ويجعلهم غير مستعدين للرد في حال وقوع تلك التهديدات.

ويقوّض رفض تقارير الاستخبارات، باعتبارها "غير دقيقة" أو "خاطئة"، ثقة حلفاء واشنطن في الاستخبارات الأمريكية، وهي الثقة التي استُعيدت بعد تحذيرات أمريكية بشأن خطط روسيا في أوكرانيا عام 2022.

ورأت المجلة الأمريكية أنه "عندما يُلقي رئيس أمريكي بظلال من الشك على وكالات الاستخبارات التابعة له، فإنه يقلل من قيمة الاستخبارات الأمريكية في نظر العالم ويضعف تأثير الاستخبارات كأداة للدبلوماسية".

أخيرًا، كشفت المجلة عن مخاوفها من أن تُلحق الهجمات المستمرة على التحليلات الاستخباراتية ضررًا أكبر بمعنويات القوى العاملة، في وقتٍ خلقت فيه جهود تقليص حجم مجتمع الاستخبارات بشكل جذري مناخًا من الخوف والترهيب.