الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من الانتصار إلى الأزمة.. رحلة ستارمر الصعبة في عامه الأول

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يُواجه رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، زعيم حزب العمال، أزمة ثقة حادة في الذكرى الأولى لوصوله إلى السلطة، وسط تراجعات سياسية متتالية وتحديات اقتصادية معقدة. 

أزمة سياسية عميقة

وبحسب صحيفة "إندبندنت" البريطانية فإن الحكومة البريطانية بقيادة ستارمر تعيش أزمة ثقة حادة بعد تراجعها المذل عن خطط لتوفير 5 مليارات جنيه إسترليني، من خلال تخفيض إعانات المعاقين، وهو ما وصفته "إندبندنت" بأنه "محا أي وفورات متوقعة وأضعف سلطة ستارمر بشدة أمام النواب المتمردين".

وأثارت دموع وزيرة المالية راشيل ريفز علنًا أثناء جلسة برلمانية صدمة في الأوساط السياسية البريطانية، خاصة بعد تردد ستارمر في ضمان استمرارها في منصبها؛ ما أدى إلى اضطراب في الأسواق المالية البريطانية.

هذا التراجع جاء كثالث انعكاس لسياسات ستارمر في شهر واحد فقط، إذ اضطر لتخفيف قرار إلغاء إعانات التدفئة الشتوية للمتقاعدين، كما وافق على إجراء تحقيق وطني في فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال من قبل عصابات منظمة.

اعترافات بالفشل

في خطوة غير مسبوقة في السياسة البريطانية، اعترف ستارمر علنًا بفشله وأخطائه الجسيمة، إذ تحمّل المسؤولية الكاملة عن أزمة الرعاية الاجتماعية، مُبررًا ذلك بانشغاله بالقمم الدولية لمجموعة الدول الصناعية السبع وحلف شمال الأطلسي.

كما اعتذر عن تصريحاته المثيرة للجدل حول الهجرة، والتي وصف فيها بريطانيا بأنها تخاطر بأن تصبح "جزيرة من الغرباء"، وهي عبارة تُذكّر بالخطابات العنصرية التاريخية في بريطانيا.

وكشفت "إندبندنت" أن هذه الاعترافات جاءت بقرار شخصي من ستارمر دون استشارة فريقه السياسي، ما أثار غضبًا شديدًا داخل حزب العمال الحاكم.

وقال أحد كبار مستشاريه للصحيفة: "هذا جنون محض، فبدون وجود جاذبية شخصية، الشيء الوحيد المفترض أن يمتلكه هو الكفاءة المهنية، وها هو يعترف بأنه لم يقرأ خطابه المهم حول الهجرة قبل إلقائه".

نجاحات دبلوماسية

رغم الأزمات الداخلية، نجح ستارمر في تحقيق إنجازات دبلوماسية مهمة على الساحة الدولية، إذ أشاد دبلوماسيون من دول مختلفة بنهجه "المتوازن والناضج" في إدارة الأزمات الدولية، خاصة بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي في بريطانيا.

وأكد مساعدو ستارمر لـ"إندبندنت" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يُهمش بريطانيا في القرارات المتعلقة بالشرق الأوسط، خاصة حول إيران، كما تمكنت لندن من تأمين اتفاقيات تجارية مُربحة مع الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر
أزمة اقتصادية معقدة

تواجه الحكومة البريطانية تحديات اقتصادية هائلة، إذ اعترف الوزراء بأنهم "بالغوا في إظهار التشاؤم" حول الوضع الاقتصادي الموروث من الحكومة المحافظة السابقة، مما أثّر سلبًا على ثقة المستثمرين والمستهلكين البريطانيين.

وأشارت "إندبندنت" إلى أن قرارات وزيرة المالية ريفز، خاصة إلغاء إعانات التدفئة للمتقاعدين، كانت محاولة لإقناع الأسواق المالية الدولية بأن حكومة العمال قادرة على اتخاذ "قرارات اقتصادية صعبة"، لكنها أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا.

يواجه ستارمر وفريقه الاقتصادي الآن "معضلة مالية كابوسية"، تتمثل في سد عجز مالي يتراوح بين 25 و50 مليار دولار في الموازنة القادمة، وسط رفض الأسواق المالية لزيادة الاقتراض الحكومي، ومعارضة نواب العمال لتخفيض الإنفاق الاجتماعي، مما يترك زيادة الضرائب كخيار وحيد رغم التعهدات الانتخابية السابقة بعدم رفعها.

إنجازات اجتماعية

حققت الحكومة البريطانية إنجازات مهمة في المجال الاجتماعي لم تحظ بتغطية إعلامية كافية، وفقًا لـ"إندبندنت"، منها رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 6.7% مما يعني زيادة سنوية قدرها 1750 دولارًا للعامل بدوام كامل، وتقوية حقوق المستأجرين من خلال قوانين جديدة تمنع الإخلاء التعسفي، وتوسيع خدمات رعاية الأطفال المجانية مع افتتاح 300 روضة أطفال جديدة، كما سيصبح نصف مليون طفل إضافي مؤهلين للحصول على وجبات مدرسية مجانية بدءًا من سبتمبر المقبل.

ووضعت الحكومة خططًا استثمارية طموحة بقيمة 140 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية، مع إنشاء شركة حكومية جديدة للطاقة المتجددة وصندوق ثروة وطني لجذب الاستثمارات الخاصة.

وربما يكون أهم القرارات هو إصلاح قوانين البناء والتخطيط لتسهيل بناء 1.5 مليون منزل جديد خلال خمس سنوات - وهو هدف طموح يهدف لحل أزمة السكن المزمنة في بريطانيا.

رهان على النظام الصحي

خصصت الحكومة 36 مليار دولار سنويًا إضافية للنظام الصحي الوطني البريطاني، مع تعزيز الميزانية الدفاعية أيضًا، بينما تعرضت الوزارات الأخرى لضغوط مالية.

وقال أحد نواب العمال للصحيفة البريطانية: "لقد وضعنا رهانًا كبيرًا على النظام الصحي، ونأمل أن ينجح"، وتظهر بعض المؤشرات الإيجابية، حيث وفرت الحكومة 4 ملايين موعد طبي إضافي، وانخفضت قوائم انتظار العلاج بنسبة 5% من ذروتها لتصل إلى 7.39 مليون مريض، كما تحسنت نظرة المواطنين للخدمات العامة من 68% يعتبرونها سيئة في أكتوبر إلى 55% حاليًا.

تحديات البقاء

يواجه ستارمر تحديات جمة في إعادة بناء الثقة مع نواب حزبه المتمردين، حيث أدت إساءة إدارة أزمة الرعاية الاجتماعية إلى تحالف بين الأجنحة المختلفة في الحزب ضد سياساته، كما تظهر استطلاعات الرأي تراجعًا حادًا في شعبية حزب العمال، حيث يتخلف بخمس نقاط عن حزب الإصلاح اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج، مما يجعل الانتخابات المحلية المقبلة في مايو اختبارًا حاسمًا لمستقبل ستارمر السياسي.