في خطوة تشريعية مثيرة للجدل، أقرَّ مجلس النواب الأمريكي الذي يقوده الجمهوريون، حزمة ضخمة من التخفيضات الضريبية والإنفاق العام تُقدر بمليارات الدولارات، فيما اعتُبر أكبر انتصار تشريعي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ تولي حزبه السيطرة الكاملة على السلطة في يناير.
وجاء التصويت الحاسم بعد مفاوضات شاقة دامت أكثر من أربعة أشهر، وسط انقسامات حزبية حادة وضغوط سياسية مكثفة، ويتضمن مشروع القانون، الذي أطلق عليه ترامب اسم "مشروع قانون واحد كبير وجميل"، خفضًا ضريبيًا مؤقتًا ونفقات هائلة على الجيش والهجرة، مقابل تخفيضات قاسية في برامج الرعاية الاجتماعية.
تمرير صعب
صوّت مجلس النواب الأمريكي، مساء الخميس، لصالح تمرير مشروع القانون بأغلبية ضئيلة بلغت 218 صوتًا مقابل 214، قبل يوم من الموعد النهائي الذي حدده ترامب في الرابع من يوليو، ورغم الأغلبية الجمهورية، واجه التشريع معارضة داخلية من جناح متحفظ في الحزب، كاد يُفشل التصويت الإجرائي في الليلة السابقة.
أبرز المعارضين من الجمهوريين كانا النائبان توماس ماسي من كنتاكي وبرايان فيتزباتريك من بنسلفانيا، وأبديا تحفظات على العجز المالي وتخفيضات برنامج "ميديكيد"، لكن ترامب، إلى جانب رئيس مجلس النواب مايك جونسون، تمكّنا من إقناع غالبية الأعضاء المترددين خلال مكالمات حتى ساعات الفجر.
تخفيضات ونفقات هائلة
تضم الحزمة، الممتدة على 887 صفحة، تمديدًا لتخفيضات ترامب الضريبية التي أُقرت عام 2017، وخفضًا مؤقتًا للضرائب على الإكراميات والعمل الإضافي، وتشمل أيضًا نفقات بمئات المليارات لتمويل الجيش وتنفيذ خطة واسعة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
تمويل الحزمة سيأتي جزئيًا من خلال تخفيضات ضخمة في برامج اجتماعية، أبرزها اقتطاع 930 مليار دولار من "ميديكيد"، إلى جانب تقليص مساعدات الغذاء وتمويل الطاقة النظيفة، هذه التخفيضات تُخالف تعهدًا سابقًا من ترامب بعدم المساس بـ"ميديكيد"، ما أثار جدلًا حادًا داخل الحزب الجمهوري.
أرقام مقلقة
أفاد مكتب الميزانية في الكونجرس، وهو هيئة مستقلة، بأن مشروع القانون سيزيد الدين الوطني بنحو 3.3 تريليون دولار خلال عقد، نتيجة خسائر إيرادات تُقدر بـ4.5 تريليون دولار، مقابل تخفيضات إنفاق لا تتجاوز 1.2 تريليون.
كما يرفع التشريع سقف الدين الوطني بمقدار 5 تريليونات دولار، في خطوة لاقت انتقادات واسعة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، الذين اعتبروا أن المشروع يفتقد للتوازن المالي المطلوب.
ترامب يحتفل
أشاد ترامب بتمرير المشروع وكتب على منصة "تروث سوشيال": "الجمهوريون أقروا للتو مشروع القانون الجميل والكبير، حزبنا موحد أكثر من أي وقت مضى، وسنقيم حفل توقيع في البيت الأبيض".
واعتبر رئيس مجلس النواب مايك جونسون، في بيان مشترك مع قيادات الحزب، أن الجمهوريين نجحوا في تنفيذ أجندة "أمريكا أولًا" بسرعة قياسية، وكان ترامب حاضرًا طوال العملية، من خلال اجتماعات واتصالات مباشرة بالمشرعين، بالإضافة إلى التهديدات السياسية غير المباشرة للمعارضين.
وقال النائب المحافظ تيم بورشيت من تينيسي: "لو لم يشارك ترامب ونائبه جي دي فانس في اللحظة المناسبة، لما تم تمرير المشروع".
انقسامات وتهديدات انتخابية
شهدت الأيام الأخيرة من المداولات معارك داخل الحزب الجمهوري، فالنائب ديفيد فالاداو قدم رسالة من 16 نائبًا جمهوريًا أعربوا فيها عن معارضتهم لتخفيضات "ميديكيد"، محذرين من آثار كارثية على الولايات والمستشفيات. لكن في النهاية، جميعهم صوّتوا لصالح المشروع.
وواجه النائب توماس ماسي، تهديدًا بدعم منافس له في الانتخابات التمهيدية، وعلّق قائلًا: "إنهم يهاجمونني لإرسال رسالة إلى الآخرين: من يعارض ترامب يدفع الثمن".
في المقابل، أوضح ترامب أنه لم يقدّم وعودًا محددة للمشرعين المترددين، وإنما أقنعهم بجودة التشريع، قائلًا: "لم تكن لدي مشكلة كبيرة مع أي منهم، لا اتفاقات، فقط أقنعتهم أن المشروع جيد".
معارضة ديمقراطية
صوّت جميع الديمقراطيين ضد مشروع القانون في مجلسي النواب والشيوخ، واتهم زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز الجمهوريين بتمرير قانون يُقصي ملايين الأمريكيين من برامج الرعاية، في ظل ما وصفه بـ"مشروع القانون القبيح والبغيض".
وقال "جيفريز"، في خطاب استمر ثماني ساعات أمام مجلس النواب: "الجمهوريون يحاولون تمرير التشريع تحت جنح الظلام، هذا المشروع سيؤدي إلى إقصاء ملايين الأمريكيين من الرعاية الصحية والطوابع الغذائية".
ويعتزم الديمقراطيون تسليط الضوء على المشروع في حملاتهم الانتخابية المقبلة، مشيرين إلى نتائج استطلاعات تُظهر معارضة شعبية كبيرة للتشريع.