في المعركة العالمية ضد حرائق الغابات، التي تُكلّف مليارات الدولارات، يُعدّ الكشف المُبكر أمرًا بالغ الأهمية، وأيضًا الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة والكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المأهولة بعضًا من الأدوات المُستخدمة حاليًا لتنبيه السلطات وفرق الاستجابة الأوليّة إلى التهديدات الوشيكة.
ومع ذلك، في المناطق شحيحة الموارد، قد تكون هذه الدفاعات باهظة التكلفة للغاية. وفي ظل موجة الحر الشديدة التي تجتاح أوروبا، طوّرت مجموعة العلماء الجدد حلًا أصغر وأبسط، بل وأقل تكلفة - كما يقولون - كاشف حرائق بحجم حبة صنوبر، يُمكن أن يمنح المجتمعات المُعرّضة للخطر بداية قيّمة في سباق الهروب من الحرائق الكبرى أو احتوائها، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
صديق للبيئة
صُنعت أجهزة استشعار "بيري" بشكل أساسي من مُركّبات الشمع والفحم، وهي مُصمّمة لتندمج مع البيئة - ولا تترك أي أثر عليها، ووفقًا لمُطوّريها، يُمكن نشر الجهاز في المناطق المُعرّضة للحرائق وتركه لسنوات دون صيانة. فعند نشوب حريق تُذيب الحرارة مُحفّزًا داخليًا، مُنتجة إشارة منخفضة التردد تُطلق الإنذار.
وقالت كارينا جونادي، المؤسسة المشاركة لشركة بيري، لـ"سي إن إن": "يمكن أن يساعد ذلك الناس على الإخلاء بشكل أسرع، ويمكنه منع تفاقم الحرائق قبل أن تصبح خارجة عن السيطرة ومدمرة للغاية".
وبدأت شركة "بيري" في لندن كمشروع جامعي لأربعة طلاب هندسة تصميم، قرر ثلاثة منهم متابعتها كمشروع تجاري بعد تخرجهم العام الماضي. ويعد اسم شركتهم مشتقًا من الكلمة العلمية "pyriscence"، التي تصف كيفية تكيف الطبيعة مع حرائق الغابات.
لا تترك أثرًا
مظهر الجهاز الشبيه بمخروط الصنوبر عملي، فشكل أجهزة الاستشعار خفيفة الوزن وبنيتها المضلعة تساعدان على حمايتها من الصدمات، خاصةً عند استخدامها من الجو لتغطية مساحات واسعة أو يصعب الوصول إليها، إضافة إلى أن المصممين أرادوا أيضًا أن تخفيها عن أنظار المارة، سواء كانوا بشرًا أو حيوانات.
ينبع تحدٍّ رئيسي آخر من التزام المؤسسين المشاركين باستخدام مواد غير سامة، خاصة فيما يتعلق بالإلكترونيات اللازمة لإنتاج إشارة. وعلى الرغم من أن "بيري" لا تُفصّل التقنية الخاصة بها علنًا ولا تكشف عن تركيبتها المادية الدقيقة، إلا أن المصممين اعتمدوا على الإلكترونيات العضوية وتجنبوا استخدام المعادن الأرضية النادرة وبطاريات أيونات الليثيوم، إذ يسعوا إلى عدم تركها لأي أثر سلبي على البيئة بمجرد احتراق الأجهزة.
وتزداد وتيرة حرائق الغابات الشديدة عالميًا، إذ أصبحت مواسم الحرائق أطول وأكثر حرارة وجفافًا من ذي قبل. ويُعدّ تغير المناخ مساهمًا رئيسيًا، إذ يزيد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة العالمية من اتساع نطاق الحرائق وسرعتها وصعوبة إيقافها.
الحر يضرب أوروبا
وتجتاح القارة العجوز موجة حرّ غير مسبوقة في بداية موسم صيف 2025، وتثير مخاوف واسعة وسط تحذيرات من السلطات الصحية والأرصاد الجوية في دول عدة.
وسُجّلت درجات حرارة قياسية في إنجلترا، وإسبانيا، والبرتغال، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا؛ حيث بلغ متوسط الحرارة في بعض المناطق أكثر من 40 درجة مئوية، متجاوزة الأرقام القياسية السابقة لشهر يونيو.
وفي حين سجلت خدمة الأرصاد الجوية الألمانية أعلى درجة حرارة في البلاد هذا العام حتى الآن، التي بلغت 37.8 درجة مئوية مساء أمس الثلاثاء، في مدينة كيتسينجن بولاية بافاريا، تعرضت عدة مدن إيطالية، لانقطاع في التيار الكهربائي نتيجة موجة الحر الصيفية.
وتسببت موجة الحر التي تجتاح دول أوروبا في اندلاع حرائق غابات هائلة بفرنسا وتركيا، إذ كافح رجال الإطفاء في السيطرة على الحرائق.
وأعلنت هيئة الكوارث التركية، أول أمس الاثنين، إجلاء أكثر من 50 ألف شخص جراء الحرائق، فيما قالت السلطات الفرنسية، إن الحرائق تحت السيطرة لكنها لم تنطفئ بعد.
والأحد الماضي، سجلت البرتغال رقمًا قياسيًا جديدًا للحر في شهر يونيو، إذ بلغت الحرارة 46.6 درجة مئوية في مورا، على بعد نحو مئة كيلومتر شرق لشبونة.
وفي إسبانيا، أفادت هيئة الأرصاد الجوية الإسبانية بارتفاع درجات الحرارة في جنوب البلاد إلى 46 درجة مئوية، السبت الماضي، وهو رقم قياسي جديد يتم تسجيله، يونيو الماضي.