تشهد فرنسا موجة حر استثنائية وصفتها وزيرة التحول البيئي، أنييس بانييه، بأنها "لم تُشهد من قبل" من حيث الامتداد الجغرافي، إذ وضعت هيئة الأرصاد الجوية "ميتيو فرانس" 16 إقليمًا تحت الإنذار الأحمر، وهو أعلى مستوى مراقبة، و68 إقليمًا آخر تحت الإنذار البرتقالي، ليعيش 88% من سكان فرنسا تحت المراقبة الدقيقة، في ظل موجة حر قاسية تستمر لليوم الثالث عشر على التوالي.
طقس قاسٍ يحطم الأرقام القياسية
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن درجات الحرارة ستتراوح بين 36 و40 درجة مئوية، مع ذروة تصل إلى 41 درجة في بعض المناطق، فيما حذّر ماتيو سوريل، عالم المناخ في "ميتيو فرانس"، من أن هذه الموجة "مميزة بطابعها المبكر ومدتها التي ستقارب الخمسة عشر يومًا"، مقارنة بموجة الحر التاريخية عام 1976 التي استمرت 14 يومًا، لكن بمستوى حرارة أقل بكثير.
سُجلت ليلة الأحد إلى الاثنين أعلى درجة حرارة ليلية في شهر يونيو بـ20.2 درجة مئوية، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 20.1 درجة في 27 يونيو 2019.
وتوقع أدريان وارنان، خبير الأرصاد في "ميتيو فرانس"، أن تشهد فرنسا "ظاهرة انسداد حيث يصبح الهواء الحار محبوسًا تحت قبة من الحرارة"، مع وصول درجات الحرارة إلى 38-40 درجة مئوية في مناطق غير معتادة على هذه المستويات.
استجابة حكومية عاجلة وإجراءات استثنائية
اجتمعت خلية الأزمة في وزارة الداخلية مساء الاثنين لليلة الثانية على التوالي، بحضور ممثلي وزارات الداخلية والنقل والصحة والتعليم والتحول البيئي، بينما ألغى رئيس الوزراء فرانسوا بايرو زيارته المقررة جنوب غرب باريس لمتابعة الوضع الجوي.
وأَسّست وزارة التحول البيئي مركزًا مشتركًا للمراقبة التشغيلية والإنذار لتتبع المعلومات حول النقل والإسكان والبنية التحتية للطاقة.
أدّت الحرارة الشديدة إلى إغلاق نحو 1350 مدرسة حكومية من أصل 45 ألف مدرسة، وفقًا لتقديرات وزارة التعليم، بينما نصحت مدارس أخرى الأهالي بإبقاء أطفالهم في المنازل. كما أعلنت محطة الطاقة النووية في جولفيك إيقاف أحد مفاعلاتها؛ بسبب ارتفاع درجة حرارة نهر جارون إلى 28 درجة مئوية.
تأثيرات بيئية واسعة النطاق
أظهرت بيانات معهد كوبرنيكوس الأوروبي أن "الموجة الحارة البحرية" في المتوسط وصلت إلى مستويات قياسية بدرجات حرارة سطح البحر عند 26.01 درجة مئوية، أي حوالي 3 درجات فوق المعدلات الموسمية للفترة 1991-2020، مع شذوذ يتجاوز 4 درجات حول السواحل الفرنسية في خليج الأسد.
حتى قمة جبل مون بلان سُجلت بها درجات حرارة إيجابية، وهو ما لا يحدث عادة إلا في قلب الصيف الحار.
تفاقمت أزمة الجفاف مع وضع 26 إقليمًا تحت مراقبة الجفاف و10 أقاليم في مستوى الأزمة، مما أدى إلى قيود مهمة على استخدام المياه في 34 إقليمًا.
وحذر أندريه فيولا، رئيس نقابة المياه "ريسو 11" التي تضم 77 بلدية في إقليم الأود، من أن "التوترات بدأت تظهر في منطقة كوربيير".
تلوث هوائي وإجراءات مرورية
رافقت موجة الحر نوبة تلوث شديدة بغاز الأوزون طالت مساحات واسعة من البلاد، إذ فعّلت العاصمة باريس "النقل المتدرج" اليوم الثلاثاء، ومنعت بموجبه سير المركبات الحاملة لملصق "كريت إير 3" في 77 بلدية داخل محيط الطريق الدائري A86، مع تخفيض السرعات القصوى بـ20 كيلومترًا في الساعة.
وتشير هيئة الصحة العامة الفرنسية إلى أن التعرض لغاز الأوزون مسؤول عن نحو 500 وفاة سنويًا في فرنسا.
الحياة اليومية تحت وطأة الحر
رصدت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية مشاهد من العاصمة باريس، إذ تكيف المواطنون والسياح مع الحرارة الشديدة. في حديقة بوت شومون الباريسية، استمتع بعض المتنزهين بالشمس مبكرًا قبل الذهاب إلى العمل، بينما أجبر أصحاب الكلاب على تبريد حيواناتهم في النوافير الصغيرة وتجنّب إخراجها بعد الظهر.
وأشارت معلمة مدرسة إلى أنها اضطرت لتعديل برنامج الرحلة المدرسية للبقاء في الظل وتقليل مدة الخروج.
لجأ الكثيرون إلى المراكز التجارية المكيّفة ودور السينما، إذ أكدت موظفة في إحدى دور العرض أن "الإقبال تضاعف" بسبب الموجة الحارة وتزامنها مع مهرجان السينما.
في المقابل، لم تشهد المسابح الداخلية إقبالًا كبيرًا حيث فضّل الناس المسابح الخارجية للتسمير رغم الازدحام الشديد.
تحديات التكيف مع التغير المناخي
كشف "لو فيجارو" عن التحديات الكبيرة في التكيف مع التغير المناخي، إذ لم تُنفذ بعد 52 إجراء من خطة التكيف الوطنية الثالثة المقدّمة في مارس الماضي، كما أن خطة تجديد العزل الحراري للمدارس التي أعلنها الرئيس ماكرون تتطلب استثمارات ضخمة تُقدَّر بعشرات المليارات من اليوروهات.
انتقد رونان دانتيك، السيناتور البيئي من لوار أتلانتيك، التأخير في الاستجابة قائلًا: "نواجه جهدًا تكيفيًا هائلًا ونتأخر في البدء، وهذا ليس مسؤولية الدولة فقط بل البلديات والأقاليم أيضًا"، في حين قلصت الحكومة مؤخرًا الصندوق الأخضر من 2.5 مليار إلى مليار يورو، مما يحد من قدرة البلديات على التكيف مع التحديات المناخية.