في ظاهرة مناخية مقلقة، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية موجة حر شديدة غير مسبوقة، ضاربة أرقامًا قياسية جديدة في درجات الحرارة، ووفقًا لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية، تعد هذه الموجة الحارة تعد الأشد والأطول منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، ما يثير مخاوف جدية حول تأثيرات التغير المناخي على كوكب الأرض.
ارتفاع قياسي في درجات الحرارة
شهدت العديد من المدن الأمريكية ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال الأيام الماضية، وفقاً لما أوردته صحيفة "ذا جارديان"، ففي ولاية كاليفورنيا، سجلت مدينة إنديو درجة حرارة قياسية بلغت 49.4 درجة مئوية في 5 سبتمبر، متجاوزة بذلك الرقم القياسي السابق البالغ 48.9 درجة مئوية المسجل في عام 2020.
وفي الوقت نفسه، عادلت مدينة بالم سبرينجز رقمها القياسي لليوم ذاته بتسجيلها 49.4 درجة مئوية، أما في ولاية أريزونا، فشهدت مدينة فينيكس ظاهرة غير مسبوقة بتسجيلها 100 يوم متتالٍ بدرجات حرارة تصل إلى 37.8 درجة مئوية أو أكثر.
وحتى المدن المعروفة بمناخها المعتدل مثل سياتل لم تسلم من هذه الموجة الحارة، إذ سجلت ارتفاعًا غير معتاد في درجات الحرارة وصل إلى 31.7 درجة مئوية في يوم واحد.
تأثيرات الموجة الحارة على الحياة اليومية
امتدت تأثيرات موجة الحر لتشمل جوانب متعددة من الحياة اليومية للمواطنين الأمريكيين، ففي مدينة بورتلاند، اضطرت السلطات إلى اتخاذ إجراء غير مسبوق بإغلاق المدارس مبكرًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما أثر على الجدول الدراسي للطلاب وأولياء الأمور على حد سواء.
وفي العديد من الولايات، أصدرت السلطات الصحية تحذيرات للسكان من مخاطر التعرض المفرط للحرارة، مشددة على ضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب الإصابة بضربات الشمس والجفاف.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، شهدت المدن زيادة كبيرة في الطلب على أجهزة التكييف، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في استهلاك الطاقة وضغط إضافي على شبكات الكهرباء، كما حذرت السلطات من زيادة خطر اندلاع حرائق الغابات، خاصة في المناطق الجافة، ما وضع رجال الإطفاء والسكان المحليين في حالة تأهب قصوى.
تداعيات على البيئة والاقتصاد
لم تقتصر آثار موجة الحر على الجانب الصحي فحسب، بل امتدت لتشمل تأثيرات بيئية واقتصادية خطيرة، فمع ارتفاع درجات الحرارة وجفاف الأراضي، زاد خطر اندلاع حرائق الغابات بشكل كبير.
وتشير البينات البيئية الواردة من صحيفة "ذا جارديان" إلى أن ولاية أوريجون وحدها شهدت حرائق التهمت ما يقرب من 1.5 مليون فدان بحلول منتصف أغسطس، ما يشكل تهديدًا كبيرًا للحياة البرية والمناطق السكنية على حد سواء.
وفي القطاع الزراعي، يواجه المزارعون تحديات غير مسبوقة مع خشيتهم من تأثير الحرارة الشديدة على المحاصيل، هذا الوضع قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة تؤثر على سلسلة التوريد الغذائية بأكملها.
وعلى صعيد البنية التحتية، تواجه شبكات الطاقة ضغوطًا متزايدة مع زيادة الطلب على الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف، ما يثير مخاوف من احتمال حدوث انقطاعات في التيار الكهربائي في بعض المناطق، وهذه التداعيات المتعددة تسلط الضوء على الترابط الوثيق بين التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجهها المجتمعات المحلية.
تحذيرات من استمرار الظاهرة
وفقاً لما نقلته صحيفة "ذا جارديان" عن خبراء الأرصاد الجوية، فإن هذه الموجة الحارة قد تستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري، وأصدرت دائرة الأرصاد الجوية الوطنية الأمريكية تحذيرات من "ظروف شديدة الحرارة وخطيرة" في العديد من المناطق.
يقول مايك ووفورد، أحد خبراء الأرصاد الجوية، في تصريح لـ"لوس أنجلوس تايمز": "نحن نتحدث عن أربعة أيام كاملة من الحرارة الشديدة، لقد شهدنا موجات حر سابقة استمرت لثلاثة أو أربعة أيام، لكن هذه الموجة أكثر حرارة وأطول من معظم موجات الحر الأخرى التي واجهناها".
مخاوف من تفاقم أزمة المناخ
يشير الخبراء إلى أن هذه الظاهرة ليست حدثًا منعزلًا، بل هي جزء من نمط أوسع يشير إلى تفاقم أزمة المناخ العالمية، إذ ذكرت "ذا جارديان" أن صيف عام 2024 يعد بالفعل الأكثر حرارة على الإطلاق، وقد شهد كوكب الأرض أعلى درجة حرارة مسجلة في التاريخ في 22 يوليو الماضي.
يؤكد الخبراء أن موجات الحر أصبحت أكثر تواترًا وشدة وطولاً في الغرب الأمريكي وفي جميع أنحاء العالم، مع استمرار أزمة المناخ في دفع ظروف الطقس نحو مزيد من الشدة والخطورة.