في تطور سياسي جديد في تايلاند، قررت المحكمة الدستورية تعليق عمل رئيسة الوزراء بايتونجتارن شيناواترا بعد تسريب مكالمة هاتفية مثيرة للجدل، وصفت محليًا بـ"بالعار"، جمعتها مع الزعيم الكمبودي السابق هون سين، ما أشعل موجة احتجاجات وغضبًا شعبيًا، وأعاد شبح الانقلابات القضائية إلى المشهد السياسي في البلاد.
ووفقًا لما نقلته شبكة "بي بي سي" البريطانية، فإن هذا القرار يضع بايتونجتارن في مواجهة خطر العزل النهائي، لتصبح ثالث فرد من عائلة شيناواترا يفقد السلطة قبل إتمام ولايته.
قرار الإيقاف
بأغلبية 7 مقابل 2، صوّت قضاة المحكمة الدستورية، اليوم الثلاثاء، على تعليق مهام بايتونجتارن رئيسة للوزراء فورًا، ريثما يتم التحقيق في اتهامات بانتهاك الأخلاقيات بسبب مكالمة هاتفية مع هون سين، وذكرت المحكمة أن رئيسة الوزراء لديها 15 يومًا لتقديم دفوعها، فيما تولى نائب رئيس الوزراء ووزير النقل، سوريا جونجرونجروانجكيت، مهامها مؤقتًا.
تأتي هذه التطورات بعد تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية عقب تسريب المكالمة، التي وصفت فيها الزعيم الكمبودي بـ"عمي"، وانتقدت قائدًا عسكريًا تايلانديًا، ما اعتبره المحافظون تقويضًا للجيش الوطني وتملقًا مفرطًا لدولة أجنبية.
التسجيل المسرب
بحسب "بي بي سي" تعود جذور الأزمة إلى اتصال هاتفي أجرته بايتونجتارن مع هون سين في أعقاب مواجهة مسلحة على الحدود بين البلدين أسفرت عن مقتل جندي كمبودي في 28 مايو الماضي.
وحاولت خلال المكالمة تهدئة التوترات الحدودية، إلا أن لهجتها التي اتسمت باللين تجاه كمبوديا، وانتقادها العلني لقائد عسكري تايلاندي، أثارت اتهامات بأنها لا تدافع عن المصالح الوطنية.
وقالت بايتونجتارن في دفاعها العلني: "لم يكن لدي أي نية شخصية، فكرت فقط في كيفية تجنب الفوضى والخسائر البشرية"، وأضافت في اعتذار لاحق: "لو استمعتم بعناية، لَفهمتم أنني لم أقصد إساءة النية".
احتجاجات وانشقاقات
وحسب ووكالة أسوشيتد برس، فإنه تزامنًا مع تسريب التسجيل، تجمع آلاف المتظاهرين المحافظين وسط العاصمة بانكوك للمطالبة باستقالة رئيسة الوزراء، وواجهت حكومتها ضربة قوية بانسحاب أحد الأحزاب الحليفة من الائتلاف الحاكم.
وجدير بالذكر أن المحكمة الدستورية التي أصدرت القرار كانت قد حلت 34 حزبًا سياسيًا منذ عام 2006، بما في ذلك حزب "المضي قدمًا" الذي فاز بانتخابات 2023، ما يثير اتهامات بأنها أداة بيد المؤسسة الملكية والنخبة المحافظة لتعطيل التحول الديمقراطي.
قبل ساعات من قرار المحكمة، صادق الملك ماها فاجيرالونجكورن على تعديل وزاري عيّنت بموجبه بايتونجتارن وزيرة للثقافة، إلى جانب كونها رئيسة للوزراء، لكن تعليق مهامها ألقى بظلاله على إمكانية أدائها اليمين لتولي المنصب الجديد، وفق ما أفادت به "أسوشيتد برس".
"لعنة" عائلة شيناواترا
بايتونجتارن (38 عامًا)، هي أصغر من تولى رئاسة الحكومة في تاريخ تايلاند، وثاني امرأة بعد عمتها ينجلوك شيناواترا تشغل هذا المنصب، لكن يبدو أن إرث العائلة السياسي لا يزال عرضة للاستهداف القضائي والانقلابات السياسية.
فقد أطيح بوالدها تاكسين شيناواترا عام 2006 ونُفي لـ15 عامًا، فيما تم عزل شقيقته ينجلوك بقرار قضائي عام 2014، وعادت بايتونجتارن إلى المشهد عقب إقالة رئيس الوزراء السابق سريتا ثافيسين في أغسطس 2023 بسبب انتهاكات أخلاقية، لتؤدي اليمين في ظل توازن دقيق مع التحالفات المحافظة.
في نفس يوم تعليق مهام ابنته، مَثلَ تاكسين شيناواترا أمام القضاء في قضية إهانة النظام الملكي، جراء تصريحات أدلى بها في مقابلة صحفية قبل تسع سنوات، ووفقًا لـ"بي بي سي"، يواجه الزعيم العائد من المنفى تحقيقًا آخر بشأن ظروف عودته إلى البلاد، حيث أُعفي من عقوبة السجن البالغة ثماني سنوات بشكل مثير للجدل، بعد نقله مباشرة إلى المستشفى دون قضاء ليلة واحدة في الزنزانة.
انتقادات وتحذيرات
يرى محللون أن ما يحدث هو تكرار لنمط معروف في السياسة التايلاندية، حيث تُستخدم المحكمة الدستورية ومؤسسات الدولة غير المنتخبة لإقصاء الحكومات المنتخبة ذات القاعدة الشعبية الواسعة.
وقال تيتيبول فاكديوانيتش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوبون راتشاثاني التايلاندية: "هذا ليس ما يفترض أن تكون عليه العملية السياسية الحقيقية"، محذرًا من أن "الشرعية التي حظي بها قرار المحكمة جاءت من الغضب الشعبي، لكن دون إصلاح جذري، سيظل أي رئيس وزراء عرضة للإطاحة".
أما بوراويتش واتاناسوخ، من جامعة تاماسات، فأكد أن ما تشهده تايلاند هو "دورة متكررة من عدم الاستقرار السياسي لن تنكسر إلا بإصلاح ديمقراطي عميق يقلص من سلطة المؤسسات غير المنتخبة".
وأظهرت استطلاعات الرأي تراجع التأييد الشعبي لبايتونجتارن من 30.9% في مارس الماضي إلى 9.2% فقط في نهاية يونيو المنقضي، ما يعكس الغضب المتزايد من أدائها، خصوصًا في ظل تباطؤ الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة.