كاريزما وقرارات مصيرية حاسمة شكّلت ملامح شخصية الممثل المصري هشام سليم الفنية، ورسمت طريقًا مميزًا لمشواره الفني الممتد، والبالغ 50 عامًا، إذ بدأ خطواته الأولى في عالم السينما من خلال فيلم "إمبراطورية ميم"، مُجسدًا دور "مدحت"، المراهق ذو الجموح الذي يرتكب أخطاء تغفرها له المرحلة العمرية التي يعيشها، هذه الشخصية التي تأتي على النقيض من حياته الطبيعية، إذ كانت قراراته محسوبة تمامًا، وملتزمة بمنهج وضعه لنفسه، يتمثل في ألا يسعى إلى الشهرة والأضواء، خصوصًا أنه يعاني منها بالفعل؛ بسبب شهرة والده صالح سليم، أحد أبرز نجوم الكرة المصرية والرئيس الأسبق للنادي الأهلي.
هشام سليم الذي تمر اليوم 27 يناير أول ذكرى لميلاده، بعد أن رحل عن عالمنا في سبتمبر الماضي، ولد عام 1958 وقبل أن يتمم عامه الـ13 فوجئ بوالده يبلغه بطلب صديقيه عمر الشريف وفاتن حمامة، بأن سيدة الشاشة العربية تريده معها ليجسد دور ابنها في "إمبراطورية ميم"، ليجد الفتى المراهق وقتها نفسه أمام كاميرا مخرج بحجم حسين كمال صاحب عدد من الإنتاجات السينمائية البارزة، ومنها "أبي فوق الشجرة" و"شيء من الخوف".
تفاصيل الشخصية التي جسّدها هشام سليم لم تكن سهلة، فهي لمراهق يسعى لإثبات نفسه ويتخذ قراراته الخاصة ويرتكب أخطاء كثيرة، وبداخله تمرد تجاه قيود الأسرة، وتحكّم والدته، لكنه أجاد تجسيد الدور بشكل لافت، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا، مما استدعى انتباه صناع السينما، وفوجئ صالح سليم بالعروض تنهال من المنتجين الساعين للاستعانة بالموهبة الشابة الجديدة، ومنها عروض من رمسيس نجيب لإنتاج أفلام للفتى الوسيم على غرار روائع الطفلة "فيروز".
دور صالح سليم
أغلق صالح سليم الباب أمام هذه العروض ورفضها تمامًا، خوفًا على مستقبل ابنه، إذ كان يريده أن يستكمل تعليمه، كما لاحظ أن الغرور بدأ يتسلل إلى نفس الابن في مقتبل حياته، وحول ذلك قال هشام سليم في أكثر من لقاء تليفزيوني إن والده له فضل كبير عليه في أن ينبهه إلى أنه قد يصبح مغرورًا دون أن يدري، وأن ذلك الأمر سينقلب عليه في المستقبل.
نصيحة الوالد أثرت للغاية في هشام سليم، ليركز مع دروسه حتى وصل إلى أعتاب مرحلة الثانوية العامة، ولعبت الصدفة دورًا كبيرًا في أن يراه المخرج يوسف شاهين أثناء انتظار الموهبة الجديدة صباحًا أمام منزله ليستقل أتوبيس المدرسة، وتواصل المخرج مع صالح سليم، إذ كان يُحضّر وقتها لفيلم بعنوان "عودة الابن الضال"؛ ليعرض على الابن دور "إبراهيم طلبة مدبولي" وعقب فترة تفكير اشترط الأب أن يتم تصوير الفيلم في فترة الإجازة الصيفية.
فخ يوسف شاهين
كان هشام سليم يذهب إلى موقع تصوير فيلم "امبراطورية ميم" كي يلهو أو يلعب أمام الكاميرا بحسب وصفه في لقاء تليفزيوني، لكن الأمر اختلف في فيلم "عودة الابن الضال" ليتعلم ويفهم صناعة السينما وأجواء التصوير وفن تجسيد الشخصيات، ليستفيد كثيرًا من هذه التجربة مع المخرج يوسف شاهين، رغم أنه لم يكرر التعاون معه فيما بعد، وربما ساعده ذلك على أن يتخذ مسارًا مختلفًا في عالم الفن وألا ترتبط شخصيته بالمخرج كثيرًا ويقع في نفس أزمة نجوم تعاونوا في بداية مشوارهم معه إذ كانوا لا يجدون أنفسهم في أدوار أخرى بعيدة عنه، الأمر الذي عبر عنه في تصريحات قائلا: "نجوت من فخ يوسف شاهين".
تدخل الأب مجددا في اختيارات الأبن بعد نجاح فيلم "عودة الابن الضال" الصادر عام 1976 إذ فوجئ بعروض أخرى ووقتها كان هشام سليم طالبًا في المرحلة الثانوية العامة اتفق مع والده على أن ينتهي من دراسته ويحصل على مؤهل عالي ثم يتفرغ لما يريده، وبالفعل تفرغ 8 سنوات للدراسة بكلية السياحة والفنادق والتدريب العملي، ليعود مجددًا إلى عالم الفن ويدرس التمثيل بأكاديمية الفنون بلندن.
المُتمرد
عودة هشام سليم إلى عالم الفن، جاءت أيضًا من خلال دور "عادل حنفي" الشاب المتمرد، بفيلم "لا تسألني من أنا" مع النجمة شادية عام 1982، وفي العام نفسه شارك أمام محمود عبد العزيز وميرفت أمين في فيلم "تزوير في أوراق رسمية"، ورغم أنهما يعتبران من أبرز أفلام السينما المصرية في فترة الثمانينيات، فرضت ظروف الإنتاج وقتها نفسها، وشارك في عدد من أفلام ما يعرف بـ"سينما المقاولات" ليقدم أعمالًا لا تتناسب مع وقوفه في مرحلة مبكرة من شبابة أمام كاميرات مخرجين بحجم حسين كمال ويوسف شاهين ويحيى العلمي وغيرهم.
ويعترف هشام سليم بأن خطواته في هذه الفترة لم تكن موفقة، لكنه ليس نادمًا عليها، إذ رغب في أن يعرف صناع السينما أن هناك فنانًا يستحق أن يأخذ فرصته بأعمال أخرى، ويحسب للنجم الراحل أن قدمه لم تنزلق كثيرًا في أعمال دون المستوى، إذ اتبع عقب ذلك مبدأ ميّزه كثيرًا، يتمثل في انتقاء الأدوار بعناية وعدم البحث عن الانتشار، حتى لو كلّفه ذلك ابتعاد عام أو اثنين عن كاميرات التصوير، وهو الأمر الذي حدث بالفعل.
النضج الفني
شارك هشام سليم بعد ذلك في العديد من الأدوار، التي أكسبته خبرة عريضة ونضجًا فنيًا، ساعده على ذلك تعاونه في بداية مشواره مع العديد من النجوم أصحاب البصمة الخاصة؛ ليترك كل منهم أثرًا بداخله، ليأتي المؤلف أسامة أنور عكاشة رفقة المخرج محمد فاضل ويمنحانه فرصة أكبر للتألق في مسلسل "الراية البيضا" عام 1988 رغم اعتراضات من داخل الوسط الفني والنقدي وقتها على إسناد البطولة له، لكن المخرج والمؤلف كانت لهما نظرة وثقة كبيرة في قدرات الممثل الشاب، الذي تألق بعدها بعام واحد في دور "عادل البدري" بالسلسلة الدرامية التليفزيونية الأشهر في تاريخ الدراما العربية "ليالي الحلمية"، واللافت للنظر أنهما لنفس المؤلف، فيما كان الأخير من إخراج إسماعيل عبد الحافظ.
ملامح الشاب الوسيم ونشأته في بيئة ارستقراطية جعلتاه اختيارًا مناسبًا لتجسيد أدوار الفتى ابن العائلة الثرية، لكن جاء التحدي الأكبر في دور "العمدة فتح الله الحسيني" بمسلسل "المصراوية" عام 2007، ليخلع بدلة ابن الذوات سليم البدري ويرتدي جلباب العمدة المُتسلّط وصاحب النفوذ بأداء خاص، ابتعد فيه عن تكرار أكثر نموذجين لأدوار العمدة في تاريخ الفن المصري، وهما صلاح منصور في "الزوجة الثانية" وصلاح السعدني في "ليالي الحلمية"، وحقق الدور نجاحًا لافتًا، نقله إلى محطة مهمة في حياته، يعتمد فيها على تنوع الأدوار واختلافها كليا عمّا يقدمه، لكنه استمر على نفس موقفه في رفض لقب النجم، مُفضلًا أن يقال عنه ممثل.