بينما لا تزال التحقيقات الرسمية جارية في حادث تحطم الطائرة الهندية، الذي أودى بحياة جميع ركابها في 12 من يونيو الجاري، كشف تحليل استقصائي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن معلومات جديدة، مستندًا إلى مقاطع فيديو وشهادات خبراء في مجال سلامة الطيران والتحليل الصوتي للصندوق الأسود.
ويعد هذا الحادث الجوي الأكثر دموية في تاريخ الطيران الهندي منذ أكثر من 30 عامًا، ما يسلّط الضوء على تساؤلات ملحة حول السلامة الفنية للطائرة من طراز "بوينج 787-8 دريم لاينر"، وظروف إقلاعها من مطار "أحمد آباد".
خلل مفاجئ
وتفيد الأدلة الأولية أن الطائرة أقلعت بشكل طبيعي تقريبًا، دون مؤشرات واضحة على وجود مشكلات قبل مغادرتها المدرج. واستنادًا إلى تحليل مقاطع كاميرات المراقبة وبيانات الرحلات الجوية، استخدمت الطائرة نقطة إقلاع مطابقة تقريبًا لسبع رحلات سابقة على المدرج نفسه، مع مسافة إقلاع كافية وسرعة صعود مبدئية بدت ضمن النطاق المعتاد.
لكن بعد ثوانٍ فقط من الإقلاع، بدأت إشارات الخلل في الظهور، ما أدى إلى سلسلة من الأعطال الكارثية.
وتشير تسجيلات الفيديو إلى فشل محتمل في إعادة عجلات الهبوط إلى داخل جسم الطائرة بشكل كامل. حيث ظهرت معدات الهبوط في وضع مائل يشير إلى بدء عملية السحب، لكنها لم تُستكمل. ويُرجح الخبراء الذين تحدثوا للصحيفة الأمريكية أن الخلل ناتج عن فقدان للطاقة الهيدروليكية أو الكهربائية، وهو ما يمكن أن يعيق استكمال عملية السحب تلقائيًا.
وقال جون جوجليا، وهو عضو سابق في مجلس سلامة النقل الوطني الأمريكي: "عملية السحب بدأت بالفعل، لكن يبدو أنها توقفت بسبب عطل في النظام. هذا يدل على وجود خلل خطير في أحد الأنظمة الحيوية للطائرة".
فقدان الطاقة
ومن بين أبرز الأدلة التي تم تحليلها صوت مميز التُقط في مقطع فيديو من موقع قريب للحادث. وبالاستعانة بخبير التحليل الصوتي سيزار لامشتين، تبين أن الصوت يتطابق بنسبة تفوق 97% مع صوت توربين الهواء المضغوط (RAT)، وهو مولد طاقة احتياطي يُفعل تلقائيًا عند فقدان الكهرباء أو الطاقة الهيدروليكية على الطائرة.
هذا يعني أن الطائرة ربما تعرضت لفقدان مفاجئ للطاقة -سواء الهيدروليكية أو الكهربائية- وهو ما يُفسر عدم استكمال سحب معدات الهبوط، وتفعيل نظام الطوارئ، بحسب "نيويورك تايمز".
أظهرت صور موقع التحطم أن شرائح وألواح الجناح كانت في وضعية ممتدة، مما يؤكد أن الطائرة كانت في وضع إقلاع قياسي لحظة الحادث. كما تشير آثار الحروق إلى أن هذه الأجزاء كانت منشورة عند لحظة الاصطدام أو الانفجار، وهو ما يُعد إجراءً طبيعيًا في بداية أي رحلة جوية.
وأوضح محقق الحوادث السابق شون بروشنيكي أن وجود الشرائح والألواح بهذه الوضعية يعكس امتثال الطاقم لإجراءات الإقلاع المعتادة، قبل أن يفقدوا على الأرجح السيطرة على الطائرة.
ولم تظهر مقاطع الفيديو المتوفرة عن الحادث أي مؤشرات على انحراف الطائرة أو ميلانها إلى أحد الجوانب - وهي علامات تقليدية عند تعطل محرك واحد. بل حافظت الطائرة على مسار مستقيم حتى لحظة الهبوط الاضطراري، ما يدفع بعض الخبراء إلى ترجيح سيناريو أكثر ندرة وهو تعطل المحركين في وقت واحد.
ويقول جيف جوزيتي، المحقق السابق في إدارة الطيران الفيدرالية: "عدم وجود أي انحراف أو تصحيح في الاتجاه يشير إلى أن المشكلة ربما كانت فقدانًا متماثلاً للطاقة في كلا المحركين، وهو أمر نادر للغاية".