تحاول بكين تحديد موقفها بعد الهجوم الأمريكي على إيران ووقف إطلاق النار الهش بين تل أبيب وطهران، في وقت يحمل فيه الصراع تداعيات مباشرة على مصالح الصين الإستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، وبينما تدعو الصين علنًا لوقف إطلاق النار وتهدئة التوترات، تكشف التحليلات عن موقف أكثر تعقيدًا يوازن بين المخاوف الإقليمية والحسابات الإستراتيجية العالمية.
المصالح الصينية في الشرق الأوسط
تتمحور إستراتيجية الصين في الشرق الأوسط حول ثلاث ركائز أساسية، وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، وتأتي في المقدمة ضمان أمن الطاقة، إذ تستورد الصين بكثافة من دول الخليج وإيران، تليها المصالح الاقتصادية المتمثلة في تنفيذ مشروعات مبادرة الحزام والطريق، وأخيرًا التعاون السياسي مع الدول العربية وإيران الذي يخدم الهدفين الأولين في النهاية.
رغم زيادة الصين لمشترياتها من النفط الروسي عقب الحرب الأوكرانية، لا يزال الجزء الأكبر من احتياطياتها النفطية يأتي من الشرق الأوسط، وفي حال انهيار وقف إطلاق النار وتوسع الصراع، ستتأثر مشروعات الحزام والطريق الصينية في المنطقة حتمًا.
وحققت مبادرة "الحزام والطريق" تقدمًا كبيرًا في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، متفوقة على معظم المناطق الأخرى، ما يعني أن أي تباطؤ أو توقف مُحرَّض بالحرب للتعاون سيضر مباشرة بصادرات الصين واقتصادها الإجمالي.
السيناريو الأسوأ
وتشير الصحيفة إلى أن هذا السيناريو قد لا يكون الأسوأ من منظور بكين، فالصين تخشى أكثر من سقوط النظام الإيراني تحت الضغط العسكري الأمريكي-الإسرائيلي المشترك.
و حثَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشعب الإيراني علنًا على الثورة ضد حكومته عقب الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، كما ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تغيير النظام.
في حال تحقق هذا السيناريو، قد تُمحى استثمارات الصين وتفاعلها مع إيران على مدى عقود، ما يؤكد مخاوف بكين طويلة المدى من التمرد الذي تحرضه الولايات المتحدة.
كما أن تحالف الصين الحالي مع إيران قد أدى بالفعل لتوتر علاقاتها مع إسرائيل، وأي حكومة إيرانية جديدة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل ستهمش الصين على الأرجح، على الأقل في البداية، ما سيشكل ضربة كبيرة لمكانة الصين ليس فقط في إيران بل عبر الشرق الأوسط.
المنافسة الإستراتيجية
يلعب الصراع الإسرائيلي-الإيراني دورًا في المنافسة الأوسع بين الولايات المتحدة والصين، وفي بعض الحالات قد يتفوق هذا على الاستراتيجية الإقليمية الصينية، وإذا كان تفاقم الصراع يفيد جهود بكين لمواجهة النفوذ الأمريكي، حتى على حساب الألم الاقتصادي قصير المدى، فقد تميل بكين فعلًا لتحمل أو حتى دعم التصعيد المحدود.
يرى الباحث الأمريكي جون مييرشايمر، كما ذكرت "فورين بوليسي"، أن الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية والتدخل الأمريكي لدعم إسرائيل يخدم الصين في النهاية على حساب أمريكا.
وانتقد "مييرشايمر"، في مقابلة حديثة، كلًا من إسرائيل وإدارة ترامب لتأجيج الأزمة، مؤكداً أن الولايات المتحدة تواجه تهديدًا إستراتيجيًا أكبر من الصين وينبغي لها التركيز على شرق آسيا بدلاً من إهدار مواردها في الخليج العربي.
كانت واشنطن خططت لإعادة نشر الأصول البحرية والجوية من الخليج إلى شرق آسيا، لكن تصعيد إسرائيل أرسل حاملة طائرات نيميتز وقاذفات قنابل إلى الخليج بدلًا من ذلك.
وحرب إقليمية أوسع ستجبر الولايات المتحدة على سحب المزيد من الأصول العسكرية من شرق آسيا، مما يستنزف مخزونات الذخيرة ويقوض موقف الردع ضد الصين.
دبلوماسية متوازنة
أوضحت بكين موقفها من الحرب خلال قمة الصين-آسيا الوسطى الأخيرة في أستانا بكازاخستان، وأثار الرئيس الصيني شي جين بينج القضية مع الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضياييف، منتقدًا الأعمال العسكرية الإسرائيلية لإثارة التوترات الإقليمية المتزايدة، كما ناقش شي الصراع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حاثًا الطرفين، وخاصة إسرائيل، على تهدئة التصعيد والعودة للقنوات الدبلوماسية.
تحدث وزير الخارجية الصيني وانج يي مع نظيريه الإيراني والإسرائيلي، وكذلك مع وزراء خارجية آخرين في الشرق الأوسط، منتقدًا إسرائيل بحدة وقائلًا لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن هجوم إسرائيل على إيران ينتهك القانون الدولي، كما أدانت بكين بقوة الضربات الجوية الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية.